يوميات قرية عين حجلة .. 7 أيام لخصت صمود وارادة شعب لا يهزم - بكر عبد الحق- ح 2
الليلة الأولى ... الليلة الأصعب
انتهى المشاركون من وقائع المؤتمر الصحفي وبدأ الجميع يتهيأ ويستعد لقضاء الليلة الأولى في قرية عين حجلة .. لا شك بأن الليلة الأولى كانت الأصعب في ظل ما نملكه من إمكانيات بسيطة للغاية وسيلمس القارئ في تفاصيل الحلقة الثانية مدى قسوة هذه الليلة والتي اعتبرتها بأنها شبيهة تماما بآلاف الليالي التي قضاها الثائر الفلسطيني على مدار أعوام ثورتنا المعاصرة ..
كان صديقي محمد قد حدثني كثيرا عن صعوبة الليلة الأولى وحذرني بأنه قد تصل بنا المواصيل لدرجة أننا لن نجد ماء للشرب في الليلة الأولى .. ودعّم محمد هذا التحذير بموقف عاشه في أحفاد يونس حين اختلف الشباب على رشفة قهوة هي الوحيدة في القرية وهنا إشارة الى شح الإمكانيات في الأيام الأولى للقرى الافتراضية ..
لم يختلف الوضع اطلاقا في عين حجلة عن شقيقاتها باب الشمس واحفاد يونس .. بدأ الجميع يتحضر للتخييم في قرية عين حجلة وهنا سارع ابو الخطيب برفقة صديقي ماهر سمارو الذي التقيته أيضا بمحض الصدفة في القرية كان قادما برفقة مجموعة من نشطاء المقاومة الشعبية في مدينة نابلس وهنا لا بد وأن اذكر فرحة ماهر عندما علم بنيتي البقاء هنا في القرية فترك من جاء معهم بغرض البقاء في القرية ..
بالعودة الى أبو الخطيب بدأ الخطيب بتنظيف احدى المناطق في القرية وبدأنا برفقة ماهر نجمع اجذاع شجر النخيل وتصفيفها بطريقة تمكننا من استخدمها كمساند للاتكاء عليها واجتهدنا كثيرا هنا ولكن لم نجلس في هذا المكان مطلقا لأن مجموعتنا اختارت ان ترابط على الحدود الغربية للقرية المتاخمة لشارع 90 لمتابعة كافة تحركات الاحتلال على الشارع وتنبيه السكان الجدد للقرية من أي مباغتة ينوي الاحتلال تنفيذها ..
في الشطر الاخر من القرية انهمك نشطاء المقاومة الشعبية في تهيئة المباني القديمة والتي اتى عليها الاحتلال والزمن سوية .. في حين انشغل أصدقائي محمد والهاشمين ونيبال ويزن وأبو السمير وحسن وحمزة في نصب شباك الطائرة وخاض الشباب اول لعبة طائرة في تاريخ هذه القرية الحديثة القديمة .. ولكن لا بد هنا وأن اذكر بأن شيف القرية أبو السمير استخدم الشباك فيما بعد سريرا للنوم عليها ..
بعد ان توزع النشطاء على المباني والخيم التي أقيمت هناك .. وتقاسم منسقي المجموعات اللجان المختلفة لأدارة مناحي الحياة في القرية بدأت هنا رحلة التعارف والاحتكاك بين النشطاء .. لن أكون هنا افلاطونيا في وصف أجواء الاحتكاك والتعارف بين النشطاء .. بل سأكون صادقا لأن المواقف السلبية منها والايجابية مهم جدا ان تذكرا كي تكون دروسا وعبر يمكن تفادي حدوثها في القرى المستقبلية .. نتيجة غياب المعرفة السابقة بين سكان القرية حصلت بعض المناوشات التي سرعان ما تحولت فيما بعد الى ذكريات طريفة ترسم الابتسامات على وجوه أصحابها كلما سنحت الفرصة لهم لاستذكارها
أولى هذه المواقف كانت مع رب العائلة المقاومة باسم التميمي الذي اتى عن حسن نية يحذر مجموعتنا المرابطة على حدود القرية من اشعال مزيد من النيران خوفا من امتداد الحريق وعدم السيطرة عليه مستقبلا .. وهنا أبو الخطيب تصدر المواجهة مع باسم وحدث لوقت وجيز جدا اشتباك بالكلام بين باسم وأبو الخطيب وانا أيضا الذي دخلت على خط السجال ولكن بعد اقل من 5 دقائق كان الخطيب قد ذهب الى باسم وسوى الخلاف معه وتعانقا عناق الأخوة المتحابين وهنا كانت بداية التعارف والاحتكاك بيننا وبين مجموعة نشطاء المقاومة الشعبية في قرية النبي صالح والتي قادتنا للتعرف على بهاء التميمي مطرب الثورة في القرية التي اطربت حنجرته آذاننا بالأناشيد الوطنية والأهازيج الشعبية وكانت خير رفيق لنا في ليالي قرية عين حجلة.. فكان بمثابة الإذاعة المقاومة لنا ..
من المهم جدا هنا ان نكون صادقين في سرد ما حدث من احداث ومواقف والعبرة المستخلصة هنا .. أنه من الضروري ان يكون بين أبناء المقاومة الشعبية ثقة اكبر وسعة صدر أكبر وتعاون أكبر وأكبر كركائز أساسية لنجاح العمل الشعبي المقاوم .. هذه لم تكن المشكلة الأولى ولا الأخيرة التي حدثت في القرية ولكن الأهم من ذلك بأن هذه الهفوات هنا وهناك كانت كملح الطعام وسببا في توطيد العلاقات أكثر فأكثر بين أبناء القرية ..
عمت الحياة في أرجاء القرية فقد أمّ القرية مجموعات شبابية من مختلف مناطق الضفة الغربية وكانت تتوافد أفواجا أفواج وكل فوج يأتي يرحب به بالأغاني الوطنية والتصفيق الحار من قبل سكان القرية .. في حين انهمك الأخ أبو جهاد العالول برفقة الأخوين زياد أبو عين واحمد عساف في وضع الشباب الذين تجمعوا حولهم على شكل حلقات في صورة الأوضاع السياسية الحالية وما يواجه القيادة الفلسطينية من ضغوط أمريكية واهمية ما يقوم به الشباب من عمل مقاوم على الأرض في تغيير قواعد اللعبة السياسية وفرض واقع اخر مغاير تماما لما يحاول الاحتلال فرضه على الخارطة السياسية ..
افترش سكان القرية الأرض وبدأت المجموعات بإقامة موائد النار بغرض التدفئة فالبرد في القرية كان قارصا للغاية .. يبدو ان باسم كان محقا في تخوفه من النيران التي أُشعلت لأنه تحولت في وقت متأخر من الليل الى حرائق منظمة تشعل بشكل متعمد بالقرب من الأشجار .. وهنا بدأ الجميع يلتفت الى ان شيء غريب يحدث ما ان ننجح في اخماد النيران في منطقة حتى نتفاجئ بحرائق أخرى اشعلت في مكان اخر وكأن الهدف ارهاق سكان القرية واشغالهم باطفاء الحرائق هنا وهناك .. او الهدف هو احراق المكان بأكمله وخصوصا بأنه غني بجذوع النخل الجاف الذي يمكن بشرارة واحدة تحويله الى نار هوجاء ستأتي على القرية بمن فيها ... وهنا كان لقائي الأول مع ديانا الزير .. وسأترك الحديث عن هذه الفتاة الثائرة ورفيقاتها للحلقة القادمة ..
يتبع ..