جولة في الشارع الإسرائيلي - غازي السعدي
من يستمع إلى إذاعة إسرائيل باللغة العبرية صباح كل يوم، ومن يتابع ما يجري في الشارع الإسرائيلي، فإن الأخبار الرئيسية إضافة إلى السياسية والاستيطانية، التي تفوح منها رائحة العنصرية والتحريض على الشعب الفلسطيني وقياداته، هناك أيضاً قضايا الفساد والاعتقالات بين كبار المسؤولين الإسرائيليين، والشخصيات الاعتبارية، جرائم القتل والتصفيات والاغتصاب الجنسي، حتى داخل الجيش وقتلى حوادث الطرق، والملاسنات في القضايا السياسية، وبخاصة مفاوضات السلام، فالوزراء وقادة الأحزاب يهاجمون بعضهم البعض، ولا وجود لاتفاق بينهم سوى كراهيتهم للفلسطينيين وتخليدهم للاحتلال والاستيطان والتوسع، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، فجميع الأحزاب من أقصى اليمين، إلى أقصى اليسار، باستثناء الأحزاب العربية، يعارضون بشدة القبول بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهناك من يعارض بشدة أن تؤدي سياسة الحكومة إلى أن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية، إن لم تقم دولة للفلسطينيين، وهناك من يطالب بضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، أما البديل فهو إنهاء الاحتلال، ويخشون من الدولة الواحدة ثنائية القومية بنظر الكثير من الإسرائيليين، ويقولون أنها أصبحت حقيقة قائمة، رغم أن أغلبية الإسرائيليين يعارضونها، كما يعارضون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ويعتقدون بأن كلا الخيارين سينهيان الحلم الصهيوني. الوضع الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي، في وضع مأساوي، حتى أن كثرة حوادث الطرق حسب الخبراء النفسيين الإسرائيليين، بسبب أن من يقودون السيارات، مشوشون نفسياً لعدم الاستقرار المجتمعي، ولذلك فهم يسعون للحصول على جواز سفر أجنبي، كي يتمكنوا من مغادرة البلاد عند الحاجة، فالاضطرابات في المؤسسات الحكومية متشعبة، وفي معظم أماكن العمل، يكاد أن لا يمر يوم دونها، فمستشفى "هداسا" القديم والمعروف بأنه معلم طبي يحتل المرتبة الأولى في إسرائيل، فإن أطباءه والعاملين في هذا المستشفى، مضربون عن العمل منذ أسبوعين، لعدم تلقيهم رواتبهم، لتراكم الديون على هذا المستشفى في غياب الدعم المالي الحكومي، وتضامنا مع هذا المستشفى جرى إضراب لمدة ساعتين من قبل جميع الأطباء والعاملين في جميع المستشفيات في إسرائيل، فأزمة "هداسا" تتفاقم، والأطباء يهددون بترك العمل والتعاقد مع مستشفيات الخارج، و"نتنياهو" يتهم إدارة المستشفى بالفشل الإداري والمالي. الفساد في إسرائيل منتشر، طال الحاخامات والمدارس الدينية المدعومة هي وطلابها من المالية الحكومية، فكثير من العرب لا يفرقون ما بين الصهيونية والدين اليهودي، لكن أكثر الفتاوى العنصرية ضد العرب، مثل منع بيعهم وتأجيرهم المنازل، وترحيلهم لخارج وطنهم، تأتي على لسان الحاخامات الذين يحصلون على الدعم المالي كما ذكرنا، حسب عدد طلبتهم، وتبين رسمياً أنهم يزورون العدد ليحصلوا على أكثر، وقد اعتقل العديد من حاخاماتهم على خلفية الفساد، منهم الوزيران السابقان "أبو حصيرة" و"آرييه درعي" وغيرهما، فالمؤسسة الدينية اليهودية الأكثر فساداً في المجتمع الإسرائيلي، وحالياً وجّه النائب العام لائحة اتهام خطيرة، للحاخام الأكبر السابق "يوشعياهو بينتو"، بتهمة الرشوة، وتبييض الأموال بقيمة (10) ملايين دولار، إضافة لمخالفات قانونية أخرى. الحكومة الإسرائيلية لأول مرة، تبحث موضوع المقاطعة العالمية، وخاصة الأوروبية لإسرائيل، التي أصبحت تشكل خطراً وقلقاً، فإسرائيل تحاول اتخاذ إجراءات استباقية لمنعها، إثر تحذيرات وزير الخارجية "كيري"، من هذه المقاطعة، إذا فشلت مفاوضات السلام، فالتهديدات بالمقاطعة أخذت ترعب إسرائيل، وبدلاً من الاستجابة للمجتمع الدولي بإنهاء الاحتلال، فإن "نتنياهو" يطالب الأوروبيين بتشريع قانون يمنع مقاطعة إسرائيل، على نمط القانون الأوروبي بمعاقبة كل من يشكك بالمحارق ضد اليهود، وهناك خلافات في الحكومة الإسرائيلية، في طريقة مواجهة المقاطعة، ففي الأسبوع الماضي ألقى رئيس البرلمان الأوروبي "مارتن شولز" خطاباً في الكنيست، وبعد أن طالب إسرائيل بإنهاء الاحتلال، وعدم التمييز ضد الفلسطينيين، معطياً مثالاً بأن العائلة الفلسطينية تحصل على (17) متراً مكعباً من المياه، في حين تحصل العائلة المستوطنة في الأراضي الفلسطينية، على (67) متراً مكعباً، تصدى له نواب اليمين، مقاطعين خطابه، عبر مغادرة القاعة احتجاجاً على أقواله، حتى أن الوزير "نفتالي بينت" رئيس حزب البيت اليهودي قال: جاء ألمانيّ الأصل، ليلقي خطاباً أمام الكنيست يتضمن الأكاذيب، مع أن جميع المعطيات تثبت أقوال رئيس البرلمان الأوروبي، فالتمييز قائم في جميع مناحي الحياة، وليس في توزيع المياه فقط. "نتنياهو" مازال بعيداً عن السلام، يفضل البقاء بالحكم حتى وإنْ مورست عليه الضغوط الأميركية والأوروبية والمقاطعات الاقتصادية، مع أن استمراره في الحكم مهدد، وأن عدد من قيادات حزبه "الليكود" أصبحوا يستعدون لمنافسته، فتعزيز الاستيطان يهدف لمنع قيام دولة فلسطينية، وأن إسرائيل أمام خيارين بين ضم الأراضي الفلسطينية، أو إنهاء الاحتلال، ففي الأسبوع الماضي جرت مظاهرتان كبيرتان الأولى من قبل المستوطنين، للضغط على الحكومة للبناء في منطقة "E1" التي تقع مساحتها الكبيرة بين القدس، ومستوطنة معاليه أدوميم، لفصل الضفة الغربية إلى جزأين، وهناك مخطط متكامل لهذا الاستيطان، وحاولت إسرائيل أكثر من مرة القيام بعملية البناء، لكن كان هناك "فيتو" أميركي قوي منعها من ذلك، ومقابل مظاهرة المستوطنين جرت مظاهرة عربية في نفس المكان لمنع خطة البناء، وأن الحكومة الإسرائيلية أمام انشقاق على هذه الخلفية. أما المفاجأة الإسرائيلية فكانت انحياز الوزير سيء الذكر، "أفيغدور ليبرمان"، لوزير الخارجية الأميركي حيث قال بأن "كيري" صديق لإسرائيل، وأن وحدة الشعب الإسرائيلي أهم من وحدة الأرض، حتى أنه على استعداد للتخلي عن منزله الذي يقيم فيه في إحدى المستوطنات، مقابل التسوية، فـ "ليبرمان" الذي أصبح يدافع عن "كيري" في وجه الذين يتعرضون له من سياسيين ووزراء، أصبح في تناقض مع سياسته المعروفة، فهل هي توزيع أدوار؟ فقد هاجم ليبرمان الوزير "بينت" لمهاجمته "كيري"، باعتباره الصديق الحقيقي لإسرائيل، فـ "ليبرمان" المتهم من قبل اليمين بأنه أسوأ من "تسيفي ليفني" أصبح يمثل اليسار الإسرائيلي، أصبح عزيز الأميركان الجديد. جريدة "معاريف 11-2-2014" اعتبرت أن ورقة "كيري" تتبنى معظم مطالب إسرائيل، وبدلاً من الاعتراف بيهودية الدولة، فإن التعديل الجديد، إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفلسطين هي الوطن القومي للشعب الفلسطيني، و"نتنياهو" يرفض الصيغة الجديدة، ويرفض تقييد البناء الاستيطاني، والرئيس "محمود عباس" يقول بأن الاعتراف بيهودية إسرائيل ليس للبحث، وأن خطة "عباس" للتسوية غير مقبولة على "نتنياهو"، وبينما يوافق "عباس" على تواجد قوات دولية على الحدود والقدس، يعارض "نتنياهو" ذلك ويصر على إبقاء الجيش الإسرائيلي في غور الأردن، و"نتنياهو" يهدد "عباس": لن يكون اتفاق دون الاعتراف بيهودية إسرائيل، ويتلهف بأن يقول "عباس" لا، فرئيس الموساد السابق "مئير دغان"، يعتبر مطالبة "نتنياهو" الفلسطينيين الاعتراف بيهودية إسرائيل، ثرثرة فارغة لا لزوم لها ولا داعي للاعتراف بيهودية الدولة، ويضيف: كيف نطالب دولة لم تقم بعد، الاعتراف بطابع الدولة القائمة؟ وأخيراً .... فإن إستراتيجية "نتنياهو" وتكتيكه هي تذويب المفاوضات على مدى هذا العام، حتى الانتخابات للكونغرس الأميركي، ليصبح الرئيس "أوباما" أوزة عرجاء، أو أوزة مقطوعة الساق، فرئيس الكنيست السابق "أبراهام بورغ"، يحذر من فشل المفاوضات، قائلاً أن إسرائيل ستندم على الحلول التي قد تفوتها، والكاتب الإسرائيلي المعروف "دافيد غروسمان" يعتبر غياب السلام سيقود إسرائيل إلى كارثة، وحسب "يديعوت احرونوت 12-2 -2014" فإن أدباء وفنانين يهود، أرسلوا رسالة تأييد لـ"كيري" ويهاجمون رافضي السلام، أما معارضو السلام فإنهم يعتبرون أن تفكيك المستوطنات، يعني تفكيك دولة إسرائيل، ويجب أن يقال لـ"كيري": دولة إسرائيل غرب النهر، ودولة فلسطين شرق النهر، ويقول آخرون لـ "كيري" "نتنياهو"يناور، مستر "كيري" رجاءً.. لا تستسلم.
ha