خمسينية الشتاء .... تنبؤات جوية بحكايات تراثية أبطالها سعد وسعود
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
عزيزة ظاهر- رحلت أربعينية الشتاء على غير عادتها من كل عام، وحلت مكانها الخمسينية مختلفة هي الأخرى عن سابقاتها الأمر الذي اثأر قلقا وخوفا عند الجميع لاسيما الأجداد والجدات ما جعل مجموعة من الحاجات السبعينيات في بلدة عصيرة الشمالية إلى التجمع أمام منزل الحاجة بهية أم محمد برفقة بعض الأطفال يرددن بعض الأهازيج التراثية رافعات الأيدي إلى السماء لطلب المطر على أنغام صياح الديك الذي كان يحاول الهروب من حضن الحاجة السبعينية جميلة .يهتفن بصوت واحد " الديك بزعق بالليل بدو مطر بدو سيل ، يالله المطر يا ربي يسقي زرعنا الغربي، يالله المطر يا رحمن يسقي زرعنا العطشان " .
كبار السن في فصل الشتاء لا يعتمدون كثيرا على ما يقال في النشرات الجوية ، فهم يعتمدون على معتقداتهم التراثية حول الأحوال الجوية ، فيرجع تقسيم خمسينية الشتاء إلى أربع سعودات إلى الكثير من الروايات أقربها للعقل ما روته لنا الحاجة أم صالح:" أن سعد كان على سفر في يوم كان متوقعا فيه نزول المطر ، فلم يسمع سعد كلام من هم أكثر منه دراية وخبرة بأحوال الطقس فصمم على رحلته و ركب ناقته ومشى وما أن بلغ منتصف الطريق حتى انقلبت حالة الجو فعصف الريح وقصف الرعد وسقط المطر والثلج ، فلم يجد أمامه سوى ذبح ناقته وبقر بطنها وإخراج أحشائها ليختبئ داخل بطنها ومن هنا قيل " سعد الذابح " وعندما شعر بالجوع بعد أن انفرجت حالة الجو فلم يجد سوى لحم ناقته ليسد رمق جوعه وهو ماسمي " سعد بلع " ولأنه تجاوز هذه المحنة والمخاطر فرح سعد بنجاته فسمي " سعد السعود " وكان سعد قد خبأ بعض لحم الناقة كزوادة له عندما يتابع سفره فقيل عنه " سعد الخبايا " .
وتمتد خمسينية الشتاء من بداية اليوم الثاني من شهر شباط حتى ظهر يوم الثاني و العشرين من آذار ومدة كل سعد 12يوم ونص وتتحدث الحاجة أم هاني عن مراحل الخمسينية قائلة : " سعد الذابح ما خلى ولا كلب نابح " أي لم يبق في الخارج كلاب تنبح من شدة البرد وينتهي ظهر يوم 14 شباط ، يليه " سعد بلع " يبدأ من بعد ظهر يوم 14 شباط وينتهي ظهر يوم 26 شباط ، وتضيف أم هاني " في سعد بلع السما بتمطر والأرض بتبلع " وتكثر فيه الرياح والعواصف ، يليه " سعد السعود "و يبدأ من ظهر يوم 26 شباط حتى ظهر يوم 10 آذار وتصفه أم هاني " بسعد السعود بتدب المي بالعود وبيدفى كل مبرود " دلالة على بدء الدفء والحرارة وتبدأ الحياة بأغصان الشجر وخروج الحيوانات بعد غياب . يليه سعد الخبايا ويبدأ من ظهر يوم 10اذار وينتهي ظهر يوم 22 آذار ، وتتسم أيامه بالصحو والدفء حيث تخرج الزواحف من أوكارها وقيل فيه " سعد الخبايا بتتفتل في الصبايا وبتطلع في كل الخبايا " وبسعد الخبايا اشلح الفروة والبس العبايا ".
وتتحدث الحاجة أم غازي ايضا عن سبعة أيام تمر خلال الخمسينية، تعد أكثر الأيام برودة وهي ما يسمى ب " المستقرضات " وهي الفترة الممتدة من 25 شباط ولغاية الرابع من آذار، والسر في هذه التسمية أن الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر شباط تكون ماطرة وباردة فيتم استقراض أربعة أيام من شهر آذار لتكتمل الأيام السبعة ، وتقاطعها الحاجة عزية " أن شهر آذار كان يتعجل قدوم الدفء الذي اشتاق إليه الناس بعد أن ملوا برودة شباط وتقلباته فخاطب آذار شباط قائلا: شباط يا ابن عمي ثلاثة منك وأربعة مني، بنخلي دولاب العجوز يغني "، والدولاب هنا هو المغزل.
وحول تفاصيل رواية العجوز وضحتها لنا الحاجة جواهر " عندما بدا الطقس بالتحول إلى الدفء خرجت إحدى العجائز من البيت وبدأت في غزل الصوف مستمتعة بأشعة الشمس الدافئة والجو المعتدل، وأخذت تشمت من شباط وتقلباته فسمعها شباط وغضب منها كثيرا فاستنجد بابن عمه آذار قائلا آذار يا ابن عمي أربعة منك وثلاثة مني بنخلي العجوز تحرق دولابها والمغزلة " أي تشعل دولابها الخشبي لشدة البرد فاستجاب له آذار فاضطرت العجوز أن تشعل كل ما تملك من خشب بما فيها دولابها الخشبي لتدفئ نفسها ".
هكذا هم أجدادنا رغم بساطتهم إلا أنهم استطاعوا وبحكمة متقنة أن يتنبئوا بأحوال الطقس من خلال الأمثال التي استمدوها من الحكايات التراثية.
عن شبكة PNN