يوميات قرية عين حجلة .. 7 أيام لخصت صمود وارادة شعب لا يهزم - ح 6- بكر عبد الحق
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
الدوريات تعود من جديد ..
ظهر مصطلح دوريات بالتزامن مع انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في الفاتح من العام 1965 .. وكان مصطلح الدورية يطلق على المجموعات الفدائية التي كانت تنطلق من حدود فلسطين الى داخلها لتنفيذ عمليات ضد اهداف المحتل .. في عين حجلة عادت الدوريات من جديد ولكن بأدوار مختلفة عن ما كانت عليه في عهد الثورة الفلسطينية نظرا لاختلاف الازمان والوسائل ..
كانت أولى دورياتنا في اليوم الأول من انشاء القرية عندما بدأنا انا وحمزة ويزن ومحمد وهاشم بالبحث عن خط ماء يغذي الأراضي الزراعية المتاخمة للحدود الأردنية يمر من أراضي قريتنا .. بغرض تزويد القرية بالماء .. وبالفعل استطعنا ان نتتبع الخط وصولا الى نقطة قريبة جدة من وسط القرية وهناك قمنا بكسر انبوبة المياه .. في البداية لم يخرج الماء ولكن مع ساعات المساء بدأت هذه الانبوبة بضخ الماء للقرية ..
في تلك اللحظات كانت الدوريات عفوية .. هدفها التعرف على حدود القرية ومحيطها .. وأذكر هنا عندما حدث اول سجال لنا مع المحتل على حدود القرية الشرقية حيث صادفنا جيبات الاحتلال وهي تجوب اطراف القرية وهنا آثر يزن أن يرفع العلم الفلسطيني في وجه الجنود وهذا ما استفز الجنود وادى الى حصول مشادة كلامية بيننا وبينهم انتهت بانسحابهم وعودتنا الى داخل القرية ..
في اليوم الثاني لنا في القرية وبالتحديد عند المحاولة الأولى للاحتلال اقتحام القرية في ليلة الأحد لعبت الدوريات دور هام في فك الحصار عن مجموعة عقبة جبر الذين حاصرهم الاحتلال على احدى التلال المطلة على القرية .. وكان لها أيضا دور أساسي في صد محاولة الاحتلال لاقتحام القرية من خلال ابتكار فكرة اشعال خط نار على حدود القرية وهذه الخطوة كانت سببا في ان يعيد الاحتلال حساباته في اقتحام القرية ..
في اليوم الثالث تولى الأخ سامي أبو غالي مسؤولية الامن في القرية وهذا احدث تغيير جوهري على أداء الدوريات ومهامها حيث أصبحت اكثر تنظيما واوكلت لها مهمة حراسة القرية ليلا .. فكنا افراد الدوريات الليلية نقضي الليل سهرا على امن القرية ونجوب القرية في كافة الاتجاهات ذهابا وإيابا .. ونرقب أي حركات مريبة داخل القرية .. الى جانب مهمة الامن أوكلت الينا مهمة ضبط مخزن المؤن الذي كنا نجمع فيه كل ما يصلنا من طعام .. كما أصبحت عملية توزيع الاغطية والفرشات اكثر تنظيما وانضباطا .. وفي الأيام الأخيرة من القرية أصبح لدينا الشيف أبو السمير الذي حمل على عاتقه مهمة اعداد الطعام وتوزيعه على سكان القرية ..
اذن ما بعد اليوم الثالث أصبحت الأمور في القرية تتجه للتنظيم أكثر فأكثر وهذا كان سببا إضافيا من أسباب استمرار القرية مدة أسبوع .. الاحتلال كان يراهن على قضيتين أساسيتين الأولى متعلقة في تحمل صعوبة الحياة ونقص الإمكانيات وهذه الجزئية تم التغلب عليها منذ اليوم الثاني .. والمسألة الأخرى ان ينجح الاحتلال في جرنا الى الاحتكاك ومربع العنف وهذا أيضا فشل بسبب التعاون بين سكان القرية والاحترام الذي نشأ مع الزمن بين مختلف افرادها ..
استطاعت وحدة الأمن والاشتباك ان تحل لغز عدد كثير من القضايا .. أولها معرفة من وقف وراء اشعال الحرائق في الليلة الأولى .. كما تم أيضا التعرف على الشخص الذي قام باشعال عجل على شارع 90 وتم التواصل معه ليتبين لاحقا بأنه تصرف فردي بريء ..
مهمات ليلية وأخرى نهارية ..
الدوريات بدأت استطلاعية أمنية ومن ثم أصبحت تنفذ مهام توكل لها من قبل القيادة المشتركة للقرية .. في احدى الليالي أوكلت لنا مهمة فك درابزين شارع 90 المحاذي للقرية لتمكين السيارات من الدخول الى القرية واختصار المسافات عليها نظرا لوعورة الطريق الالتفافية وطول مسافتها .. وهنا انقسمنا مجموعتين الأولى كانت استطلاعية لمراقبة وجود قوات الاحتلال وتحركاته وتنبيه رفاقنا في حال قدومهم والمجموعة الثانية هي التي نفذت المهمة ونجحت في فك "درابزين" الشارع .. نجح الشباب في فك الدرابزين الأول ولكنهم طمعوا في فك عدد اكبر من الدرابزين .. انتقلوا للدرابزين الثاني واثناء انشغالهم بفكه مرت سيارة مدنية كان يستقلها ضابط المعسكر المحاذي لنا شاهد مجموعة من الشبان متجمهرة على الشارع أوقف سيارته وسحب سلاحه ولحق بنا .. وانسحب الجميع على عجالة خشية اطلاق النار علينا .. اثناء عملية الانسحاب ونتيجة الظلام الدامس حصلت بعض الاصابات حيث ارتطم عدد من الشباب ببعضهم البعض ..
الدورية الاستطلاعية قامت الشباب المصابة الى الإسعاف ..
احدى المهمات التي نفذت أيضا في النهار حيث ذهب ثلاثة من افراد الدورية في اليوم الأخير في القرية لمسح شعارات عنصرية خطها جنود الاحتلال على اول منزل في القرية من جهة الشارع .. وكتابة شعارات تدعم الحق الفلسطيني .. هنا حدثت أيضا مناوشات مع الاحتلال هبت فيها القرية جمعاء لنجدة شاب قد تمكن الاحتلال من اعتقالة وتقييده .. وسنتحدث بتفصيل اكبر حول هذه الحادثة في الحلقات القادمة ..
رحلة البحث عن البطاطا ..
من المواقف الطريفة التي حدثت معنا اثناء الدوريات الليلة اننا لاحظنا اختفاء شخصين من القرية .. وهنا قلقنا عليهم كثيرا خوفا من ان يكون الاحتلال قد اعتقلهم ... بدأنا جولة بحث عنهم في كافة ارجاء القرية استمرت لأكثر من 3 ساعات .. لم نجد لهم اثر بالمطلق .. عدنا هنا الى مركز القرية وجلسنا حول موقدة النار نتدفء ونتبادل اطراف الحديث وفي تلك الجلسة لم يسلم منا احد دار حديث مطول حول الخلافة الإسلامية والخلاف السني الشيعي والدولة الاموية والعباسية والعثمانية وكل منا ادلى بدلوه في هذه المواضيع مجتمعة .. وفي خضم الحوار أقبل علينا الشاب والفتاة اللذان كنا قد افتقدناهما ليلا .. اقبلوا علينا يبحثون عن بطاطا !!
وهنا انفجر الجميع ضحكا عندما قلت لهما بأن البطاطا مهمة جدا في مثل هكذا مواقف .. (لن يدرك ما شعرنا به الا من عاش هذا الموقف يزن حمزة محمد سامي أبو غالي .. ومن كنا نعتقد بأنه نائما أبو السمير) ..
اتضح لاحقا بأنهم كانا في المزارع المجاورة يبحثان عن بطاطا !! ونحن لأكثر من 3 ساعات نجتهد في البحث عنهما !!
اشرقت شمس صباح اليوم الرابع واستحق هنا النوم بعد ليلة حافلة قضيناها افراد الدورية الليلية وهنا ذهبت لأنام في احدى الخيم ما ميز هذه النومة عن سابقاتها توفر الفراش والاغطية .. ولكن يبدوا انه كتب علينا ان لا ننام جيدا ما ان اغمضت عيناي ساعتين من الزمن الا وعلت الهتافات المكان .. استيقظت على عاجلة لاجد جنود الاحتلال اقتحموا القرية نهارا لاستفزاز سكانها وهب كل من تبقى في القرية لصد الجنود واخراجهم من أراضينا وبالفعل بالهتاف والسلمية البحتة اندحر الجنود مدبرين الى الياتهم وعدنا نحن الى مواقعنا نباشر اعمالنا في القرية ... ذهب النوم من عيناي فيما عاد محمد صديقي ليكمل نومه وفي هذا اليوم زارنا الدكتور صائب عريقات وحدثنا كثيرا عن المفاوضات والحق الفلسطيني والبدائل وورقة كيري وغيرها من المواضيع التي هي محط جدال الشارع الفلسطيني .. رغمعدم اقتناعي بجدوى المفاوضات الا انني دوما اعجب بالأسلوب الذي يستميل به المستمع للتعاطف معه وهذا ما لمسته عند كل الشباب الذين تجمعوا حوله ينصتون بعناية فائقة لحديثه ..
يتبع ...