'التعليم البيئي' يطالب بإجراءات عاجلة للحد من تداعيات انحباس الأمطار
طالب مركز التعليم البيئي التابع للكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، بضرورة اتخاذ سلسلة إجراءات عاجلة، للحد قدر الإمكان من التداعيات الخطيرة لانحباس الأمطار خلال موسم الشتاء الحالي.
جاء ذلك خلال ورقة حقائق عرضها المركز في ضوء انحباس الأمطار المتواصل منذ أكثر من شهرين، اشتملت معطيات مناخية ورقمية وتاريخية.
واستهلت الورقة بتقسيمات الشتاء التي تكاد تختفي هذا العام، إذ يبدأ فصل الشتاء في الثاني والعشرين من كانون الأول وحتى الثاني والعشرين من آذار، بتسعين يوما تقسم إلى: الأربعينية أو المربعانية 'من 22 كانون الأول-31 كانون الثاني'، وتتميز عادة ببردها القارس ومطرها الغزير، وثلجها.
وأشارت الورقة إلى أنه قد تخرج عن القاعدة فتأتي جافة وذات شمس حارقة، ولم يحدث قلة مطرها منذ عام 1885، والخمسينية' 1 شباط- 21 آذار'، وتحتوي أربعة أقسام متساوية كل قسم منها اثنا عشر يوما ونصف اليوم، وتسمى بــ'السعود الأربعة'، وتأتي غزيرة المطر والثلج والبرد في الغالب، أولها سعد ذابح ، ثم سعد بلع، فسعد السعود، ثم سعد الخبايا.
وأفاد المركز 'بالفترة التي تعرف بـ'المستقرضات' في الذاكرة الشعبية، وهن الأيام الأواخر الثلاثة من شباط والأربعة الأولى من آذار، ويتميزن بمطرهن الغزير عادة، فيما يبدأ أول الحسوم، في الحادي عشر من آذار، ويعني الأيام الحاسمة بين الشتاء والربيع، وهي القاسية والمتتابعة، والمذكورة في القرآن الكريم، أما 20 شباط فيشهد سقوط الجمرة الأولى'.
وبين أنه في الموروث الشعبي يعتبر هذا اليوم بداية أيام الدفء، ولكن لا يشعر الناس عادة بدفء ملموس فيه، أما 27 شباط ففيه سقوط الجمرة الثانية، ويشعر الناس عادة بدفء ملموس مع سقوطها، وتُسمى الجمرة الوسطى أيضا، وفي 6 آذار يكون سقوط الجمرة الثالثة، وقال الأقدمون فيها 'إن الدفء يسقط من السماء، لذلك عبروا عن بدء سريان الدفء وكسر حدة البرد بسقوط الجمرة'.
وأوضح 'التعليم البيئي' استنادا إلى مراجع تاريخية، 'أن تدوين كميات الأمطار في فلسطين بدأ عام 1857 في القدس، وانتقل إلى المدن الأخرى، وكان يجري في مكتب القائم مقام العثماني، وانقل إلى مقر الحاكم البريطاني، ثم انتشر إلى المدارس، ودوائر الزراعة'.
تاريخ مطري
وتتبع المركز التاريخ المطري في فلسطين منذ عام 1921، الذي سجل أعلى نسبة هطول حتى الآن إذ حظيت مدينة مثل جنين بـ 1234 ملم، تلتها سنة 1992 بنحو 1037 ملم، أما السنوات الجافة التي شدتها فلسطين فكانت في أعوام 1951 'أو سنة المحل كما تُسمى'، و1960، و1979، و1999 و2001، و2008، إذ تراوحت الهطولات المطرية خلالها بين 200 و300 ملم في الكثير من المناطق.
ورصد المركز توزيع الأمطار التاريخي وفق الأشهر في الأحوال الطبيعية، والتي تكون أكبر كمية في كانون الثاني يليها شباط ثم كانون الأول، بعدها آذار فتشرين الثاني، ثم نيسان، فتشرين الأول، فأيار الأقل مطراً.
تداعيات
وقال المركز إن الأحوال المناخية الراهنة ذات تأثير سلبي على المحاصيل الشتوية، والتنوع الحيوي، والآبار، فنقص كمية تساقط الأمطار وتأخرها، يتسبب بحالة من الجفاف، تنعكس سلباً على الوضع البيئي والاقتصادي في فلسطين، كون المصدر الرئيس للتزود بالمياه، سواء للزراعة أو الاستخدامات الأخرى هي المياه الجوفية، التي تعتمد على التساقط المطري.
وأضافت الورقة 'أن استمرار انحباس الأمطار، سيهدد بنضوب العديد من الآبار والينابيع، وتناقص مستوى المياه الجوفية، وتراجع ونقص حاد في تزويد المياه للاستخدام المنزلي، وتدهور قطاع الثروة الحيوانية، وعدم توفر المراعي، ونقص حادٍ في مساهمة القطاع الزراعي في الدخل المحلي، والتأثير على التنوع الحيوي والثروة الطبيعية. وهو ما سيؤثر على كل عناصر الحياة'.
الاحتلال يفاقم الأزمة
وتابع 'التعليم البيئي' إن الاحتلال الذي ينهب ويسيطر على مواردنا المائية، يفاقم الحال للأسوأ، كون الوضع المائي الفلسطيني يختلف عن سائر دول العالم، في ظل حرمننا من الوصول إلى مصادر المياه والحصول على مصادر بديلة، إذ قدرت نسبة المياه التي يحصل عليها الفلسطينيون من مياه الأحواض الجوفية 15% فقط، في حين ينهب الإسرائيليون 85% منها.
واستند المركز في ورقته إلى معطيات سلطة المياه الفلسطينية، التي أكدت أن إسرائيل تسيطر على معظم الموارد المائية المتجددة في فلسطين والبالغة نحو 750 مليون م3 سنويا، عدا عن سيطرتها على نهر الأردن، وطبريا، ومصادر مياه البحر الميت، وعما هو متاح لها في الأحواض غير المشتركة، وما هو متاح لها من المياه غير التقليدية 'المعالجة ومياه التحلية'، ولا يحصل الفلسطينيون سوى على نحو 110 مليون م3.
وتطرقت الورقة إلى أن حصة الفلسطينيين من الأحواض الجوفية الثلاثة حسب اتفاق أوسلو هي 118 مليون م3، وكان من المفترض أن تصبح هذه الكمية 200 مليون متر مكعب بحلول العام 2000 لو تم تنفيذ الاتفاقية المرحلية.
وأوضحت أن أكثر من نصف المياه المزودة تستخرج للمستوطنات من الآبار والأحواض الفلسطينية، وفي وقت تقدر فيه كمية المياه المزودة للمستوطنات بـ 75 مليون م3، منها 44 مليون م3 يتم الحصول عليها من الآبار التي تسيطر عليها إسرائيل في الضفة الغربية، وهذا يعد أحد الأسباب التي تؤدي إلى قلة المياه المتاحة للفلسطينيين وانعكاس ذلك على حصة الفرد اليومية من المياه، حيث بلغت حصة الفرد اليومية من المياه المستهلكة 73 لتر عام 2011، مقارنة مع حصة الفرد الإسرائيلي التي تصل إلى 4 أضعاف حصة الفرد الفلسطيني، كما أكدت ذلك التقارير الدولية 'البنك الدولي، ومنظمة العفو الدولية'.
ولفتت إلى أن تدهور نوعية المياه في غزة وصل إلى حد غير مسبوق، وحذر تقرير الأمم المتحدة أن القطاع سيصبح مكانا غير قابل للحياة في حلول عام 2020، بسبب الأوضاع المائية والبيئية والصحية، حيث يجري استنزاف هائل للحوض الساحلي، ويصل العجز المائي إلى أكثر من 100 مليون متر مكعب سنويًا.
ودعا المركز جهات الاختصاص ممثلة بسلطة المياه ووزارتي الزراعة والحكم المحلي وسلطة جودة البيئة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، في سياق خطة وطنية تساهم في الحد من التأثيرات السلبية لاستمرار انحباس الأمطار، وإدارة الأزمة بشكل فعّال قبل استفحالها، خاصة إذا ما استمرت الصورة السوداء خلال الأيام المتبقية من شباط وفي آذار القادم.
وقال المركز 'إن إدارة قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة فيما يتصل باستعمالات المياه، وضرورة الاستخدام الأمثل لها، يمكن أن تُقلل من الأزمة الخطيرة المنتظرة، عبر خطوات عملية والتدخل الفعلي في تنظيم سير هذه القطاعات'.
وأكدت الورقة أن هذه الإجراءات لا تعني بأي حالٍ من الأحوال، التخلي عن نضالنا لاستعادة حقوقنا المائية المشروعة، مقترحة سلسلة خطوات صغيرة، أهمها: تغيير السلوك الفردي في التعامل مع المياه، والري بالتنقيط، واتباع إجراءات لتقليل هدر المياه في الفنادق وأماكن الترفيه والمصانع وأماكن غسل المركبات، وغيرها.