يوميات قرية عين حجلة .. 7 أيام لخصت صمود وارادة شعب لا يهزم - ح 8- بكر عبد الحق
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
الليلة الأخيرة ليلة ولا ليالي ألف ليلة وليلة ..
انه اليوم الخميس .. وبهذا اليوم تدخل قريتنا يومها السادس .. استيقظت باكرا في هذا اليوم بعد ليلة تملكني الأرق بها رغم حاجتي الشديدة للنوم بسب تركي القرية في ذلك اليوم .. ولكن كان علي الانتظار لاجلب معي تقدمة بلدية نابلس .. انطلقت صباحا برفقة سيارة بلدية نابلس وذهبت لشراء الماء وهنا اذكر بأنني تزودت بألف زجاجة ماء .. وبعد انتهينا من تحميلهم الى السيارة انطلقت الى احدى مخابز نابلس وانهيت مهمة شراء 100 كيلو خبر .. كما توزودت بـ 25 كيلو حلاوة طحينية وعدد من طرود المعلبات الغذائية .. وعند الثالثة عصرا انطلقنا من مدينة نابلس برفقة الاخوة في بلدية نابلس وهنا رافقني عضو المجلس البلدي الأخ حسان جابر والأخ حسني كلبونة والمصور الصحفي مؤمن أبو ضهير بالإضافة الى مراسل تلفزيون نابلس ..
طوال الطريق من نابلس الى اريحا كان يخفق قلبي بشدة ولكن هذه المرة ليس خوفا .. بل على العكس فرحا بالعودة الى عين حجلة .. هنا تدرك فقط المعنى الحقيقي لارتباط الانسان بأرضه .. عين حجلة بشجرها وترابها ورائحة النار التي اشعلناها على مدار أسبوع كامل أصبحت جزء أصيل من حياتنا اليومية بكافة تفاصيلها ... ما ان تغمض جفني عيناك عند النوم .. او يشرد ذهنك قليل تمر كل هذه الاحداث والذكريات مجتمعة امامك كشريط من الذكريات .. تبتسم تارة لها .. وتحبس دموعك تارة أخرى ..
منذ الصباح لم اتوقف عن مهاتفة أصدقائي ورفاقي في القرية لمتابعة تفاصيل الاحداث هناك لحظة بلحظة .. انه الارتباط بالمكان الذي تولد لدينا نتيجة اقامتنا هناك حتى وان كانت المدة قصيرة جدا.. انه الارتباط الذي ورثناه عن اجدادنا الكنعانيين .. هذه المشاعر كافية ان تقدم لك تفسيرا جلي كيف يمكن لأنسان ان يضحي بدمه وزهرة شبابه وعمره فداء لهذه الأرض .. اذن هي امومة الأرض وارتباطها بابناءها كما ارتباط الام باطفالها ..
خلال الاتصالات التي اجريتها مع الأصدقاء ونحن في الطريق الى عين حجلة حدثني صديقي حمزة عن موقف تعرض له في ذلك اليوم حيث قام الاحتلال باعتقاله اثناء تواجده بالقرب من شارع 90 .. لم يستطع أن يذكر حمزة لي مزيدا من التفاصيل على الهاتف .. فحدثني هنا الأخ جميل البرغوثي كيف استطاع هو وسكان القرية تخليص حمزة من الاسر رغم انف الاحتلال ، قال لي جميل بأنه فور تلقي القرية خبر اعتقال حمزة بالقرب من حاووز الماء بجانب شارع 90 هرع هو وجميع الأهالي الى المنطقة لنجدته وتخليصه من الأسر .. هنا حدثني جميل كيف استطاع الشبان حمل حمزة من داخل جيب الاعتقال ونقله الى داخل القرية وفك قيوده .. وهذا ما اغضب الاحتلال ودفعه لارسال كبيرة جدا برفقة الضابط المسؤول الى مدخل القرية .. ودار هنا حوار مطول مع الضابط حيث اكد لي جميل بأن الأخ عبد الله أبو رحمة رفض التحدث باللغة العبرية الى الضابط وانما اصر ان يكون الحوار باللغة العربية ,, اسفرت هنا المفاوضات مع الاحتلال الى إعادة هاتف حمزة الذي صادره الجنود في المقابل عدم اقتراب الشبان من شارع 90 .. في نهاية الموقف مد الضابط يده باتجاه الأخ جميل مصافحا إياه قائلا له انه يوم جديد الا ان الأخ جميل رفض مصافحته وهذا الموقف احرج الضابط امام جنوده الذين أخدوا ينظرون الى وجوه بعضهم البعض.. وقال الضابط محرجا "شكرا .. شكرا" .. فرد عليه الأخ جميل قائلا " لا استطيع وضع يدي في يدك لان ما في سلام حقيقي ونحن بالمقاومة الشعبية اصحاب رسالة واذا انا سلمت عليك لن اكون في هذا المكان" ،، بعد تحرير حمزة من الاسر المحقق احتفل الشباب جميعا بالهتاف الحار احتفاء بهذا الإنجاز الهام
لم يمضي كثيرا من الوقت الا وانتهك الاحتلال الاتفاق واحتجز النائب جهاد أبو زنيد وامنة أبو عين على الشارع الرئيسي وحاول منعهم من القدوم الى القرية فذهبت مجموعة من الشباب لادخالهم الى القرية .. فخاطبهم الضابط قائلا نحن اتفقنا بان لا تقتربوا من الشارع فرد عليه الشباب انتم من خرق الاتفاق اطلقوا سراح الاخوات ونحن سنعود الى القرية حاول المماطلة ولكنه في النهاية اطلق سراحهم ..
وصلنا دير حجلة وسلكنا الطريق الالتفافي وصولا الى داخل القرية عانقت الشباب بحفاوة بالغة .. وافرغنا حمولة السيارة ووضعناها في مخزن المؤن .. كانت القرية مزدحمة بالزوار والمجموعات الشبابية تأمها من مختلف المناطق .. ومشهد اقبال الزوار والمتضامنين على القرية كان رائع للغاية .. من كل اتجاهات القرية على شكل مسيرات .. ومنها من جاء بموكب سيارات مهيب جدا تقدمه فريق اسود الصحراء ..
في حين انشغل سكان القرية في تقليم الأشجار وتنظيم أراضي القرية من ما تبقى عليها من اغصان النخيل .. كانت ايضا جرافة تابعة لبلدية اريحا تساهم في هذه العملية وتعمل على تمهيد الطرق الداخلية في القرية وتقليل وعورتها لتمكين السيارات من الدخول اليها بطريقة أسهل ,, انطلقنا انا ومحمد حسين ويزن وحمزة باتجاه الدير مرة أخرى لاحضار خيم قد اتى بها محافظ اريحا مستخدمين سيارة بلدية نابلس ذات الدفع الرباعي .. بغرض توفير المنامات لأكبر عدد ممكن ..
اما الأخ أبو جهاد فكان مسترسلا في حواره مع الشباب من مجموعة الى مجموعة شارحا لهم أهمية هذه الخطوة ودورها في تعزيز ثقافة المقاومة الشعبية ..
على الجانب الآخر كان الأخ أبو السمير منهمك في اعداد وجبات الطعام لسكان القرية وزائريها .. وطبق اليوم كانة عبارة عن قلاية بندروة وقلاية خضار .. وانشغلنا انا والاخ أبو عمر ويزن وحمزة وتيلخ ومهدي ومنتصر بعملية توزيع الوجبات على المجموعات بالإضافة الى الخبز والمياه .. كان العدد كبير في تلك الليلة فاق الـ 300 شخص ..
أجواء الفرحة والانتصار كانت هي سيدة الموقف في تلك الليلة .. علت الأناشيد الثورية والاغاني التراثية الشعبية سماء القرية عبر الصوتيات .. فيما دبك شباب القرية الدبكة الشعبية على انغام تلك الاهازيج .. كانت ليلة رائعة بكل المقاييس .. حيث اننا لم نشعر بالوقت كيف مر وكيف أصبحت الساعة الـ2 فجرا .. هي ساعة الصفر للمحتل لاقتحام قريتنا وتهجيرنا منها بغير حق بعد الاعتداء علينا بشكل وحشي ..
يتبع ,,