جائزة محمد زفزاف من منتدى أصيلة للروائية الفلسطينية سحر خليفة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
فادية المليح حلواني*
يبقى الأدب المجال الحيوي لفضاءات الأمل وشدّ الذاكرة، ورسم المستقبل مع البسمة أو ذرف الدمعة على الخدّ.
وفي تنقّلنا بين مآسٍ ودمارٍ واحتلال، وبين كراهيةٍ وبغضاء، أو دعوةِ حبٍ ومودة، تبقى الكلمة والبحث عنها هو المفرج او الواحة الأرحب في هذا الترحال المشوّش والصعب بمزالقه وصدماته، للتعبير عن المصالحة مع الذات في إرادتها الحقيقية وتصميمها على نيل حريتها وتحقيق طموحاتها.
في هذه الأجواء الضبابية جاءت دعوة مؤسسة منتدى أصيلة المغربية لتكريم الروائية الفلسطينية سحر خليفة بمنحها جائزة محمد زفزاف للرواية العربية في دورتها الخامسة لعام 2013م لتفتح فضاءً آخر فيه الكلمة الموحية بالأمل المعشعش في نفوسنا نحو الحرية والفاعلية الحضارية. فبعد الطيب صالح، وابراهيم الكوني، ومبارك ربيع، وحنا مينة، جاء تتويج سحر خليفة بالجائزة تقديرا للأدب الفلسطيني النسائي عموما، ولحضورها الأدبي العربي الوازن، ولمكانتها الروائية المتميّزة خصوصا، فضلا عن القيمة الجمالية والثيماتية والإبداعية لرواياتها في إنتشارها، وتلقّيها، ومقروئيتها الواسعة، عربيا وعالميا، وفق ما أعلنه الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة وجائزتها معالي محمد بن عيسى.
في حفل التكريم ومنح الجائزة، التي القى مضمونها وقرار لجنة تحكيمها الروائي الجزائري واسيني الأعرج. تحدّث كل من عبد الرحيم علاّم رئيس اتحاد كتاب المغرب، وأحمد المديني الروائي والكاتب المغربي، وعبدو جبير الروائي والقاص المصري، ونبيل عمرو الكاتب والمحلل الفلسطيني، ومراد السوداني رئيس اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، و الكاتبة الفلسطينية رزان محمود ابراهيم، ولطيفة لبصير الأستاذة الجامعية المغربية، ونغم حلواني مديرة دائرة المطبوعات والكتب في بيت الشعر الفلسطيني إضافة الى الروائية الفائزة بالجائزة سحرخليفة.
سادت أجواء الحفل بكلماته وأبحاثه، واجواء أصيلة المسترخية على شاطئ الأطلسي، حالة روائية منفتحة على إبداعات سحر خليفة، المستمدّة من أجواء الإبداع الفلسطيني الواسع والمتنوع الممزوج بالألم، والتشرّد واللجوء، والإرادة الصلبة باستعادة الحق المغتصب. هذا الإبداع الذي عدّه د. صلاح فضل( وجها روائيا مبدعا يقابل الوجه الشعري المبدع لمحمود درويش، حيث اكتويا بنار المحنة، وذهب كلٌ منهما في التمثيل الجمالي لقضيته وهويّته إلى أقصى مجالات الخيال والإبداع).
ما ركز عليه المحتفون، أبرز الرؤية الابداعية عند سحر في الرؤية الرابطة بين تحرير الأرض وتحرير المرأة، من منطلق أن التخلّف الاجتماعي العربي يعلن عن نفسه بفجاجةٍ، في تهميش المرأة، وسطوة (البطركية الأبوية)، التي يميل كثير من المحلّلين إلى اعتمادها سبباً في سرعة انتقالها من النواة الاجتماعية الأولى للأسرة إلى أنظمة الحكم السلطوية، الأمر الذي يجعل من قضية تحرير المرأة البوّابة الأوسع للحرية والديمقراطية، الهدف المبتغى للجميع.
في الخطاب النسائي العربي المعاصر الذي قدّمته كأطروحة أكاديمية، وكُتب عنه أكثر من مقال ودراسة، ذكرتُ أنّ سحر خليفة لاتوظّف الخطاب المباشر في تأصيل الوعي من أجل فتح الباب الأوسع للحرية والديمقراطية عند المرأة، بل تختار نماذجها ومواقفها الروائية على أساس منه، وهي تختزن في ذاكرتها نماذج النساء اللواتي قبست منهن روح التمرد، مستعينة بالأحلام التخييلية وقوة الحدس، في استكناه المستقبل.
ممّا يجدر ذكره أنّ روايتها الثانية.الصبّار, التي أصدرتها عام 1976م تعدّ منعطفا مهمَا وحاسمًا لمسيرتها الأدبية والتي نالت شهرة واسعة وضعت سحر خليفة في الصفوف الأولى في المشهد الروائي العربي، جرّاء جهدها في الإجابة عن سؤال ماهيّة الخصوصية المعطاة من تقاطع مجموعة من المنتجات التاريخية في وعي شخوصها، وفق وعي كل منهم ودرجة قربه من مركز التصادم بين هذه المنتجات، ألا وهو المعايشة اليومية لواقع الاحتلال. (وفق غسان اسماعيل عبد الخالق) والرواية تدرّس في أكثر من خمس وعشرين جامعة أمريكية وترجمت مع غالبية رواياتها الى ثلاث عشرة لغة أجنبية في الغرب والشرق.بالرغم من انتقادات مختلفة وجّهت للصبّار توقفت عند سلبيات في العمل الروائي خلق حالة من التشويش جرّاء استغراق الكاتبة في فيوضات الموقف الإجتماعي وملاحقة حواشيه، وهو ما يميّز كتابات خليفة في جانبها الفكري العقائدي، والذي سبّب لها الكثير من النقد من شرائح اجتماعية كبيرة في المجتمع الفلسطيني خصوصا والعربي عموما. وهو ماعبّرت عنه رزان محمود ابراهيم بحضور المرأة عند سحر، ذاتا أنثويا تتناقض والذات الإجتماعية التي يتبناها المجتمع حتى وإن بدت للآخر غير واقعيّة.
في حين أنّها في باب الساحة تجاوزت سلبيات التشويش والتحشيد الذي كان واضحا في الصبّار مع أحكامه القطعية، الأمر الذي حقق ل باب الساحة نجاحا في الفن الروائي، حال دون بعثرة دلالات فسيفساء المشهد اليومي للإنتفاضة الفلسطينية.
سحر خليفة التي خرجت من رحم الفكر النسوي الفلسطيني وفق (رزان محمود ابراهيم أيضا، في كلمتها الإفتتاحيّة ) لم تبتعد في مكاشفتها لدور المرأة الفلسطينية في الإنتفاضة وفي مقاومتها شراسة الإحتلال وتنكيلاته اليومية، من تحويل الرواية الإجتماعية الى فعل سياسي، وكانت في هذا الإطار الأجتماعي السياسي محافظة على الوظيفة الفنية والموقف الوطني ولاسيما في مزجها لحالة العشق والحب عند المرأة والثورة، ووضعهم في بوتقة واحدة.
حازت سحر قبل جائزة محمد زفزاف من منتدى أصيلة على جائزة السلام من جامعة أيوا الأمريكية، وجائزة البرتو مورافيا، وجائزة سرفانتس للرواية الأجنبية، وجائزة نجيب محفوظ للرواية من الجامعة الامريكية بالقاهرة، وميدالية قاسم أمين الذهبية للكتابات النسوية، ورفضت جائزة سيمون دُبوفوار لعدم انسجامها مع موقفها السياسي في مشاركة الجائزة مع الكاتبة الاسرائيلية تسفيا جرين فيلد. في حين فازت بجائزة القرّاء بفرنسا بحصولها على 70%من أصوات القرّاء الفرنسيين. وهي استاذة الأدب الانكليزي في جامعة بير زيت الفلسطينية.
ما أكدّته الروائية في كلمتها بعد تسلّمها الجائزة، في أنّ الأدب الروائي هو رصدٌ للحياة الانسانية بكل جوانبها، سواء السياسية أو الاجتماعية أو العاطفية او الرومانسية أو الجنسية، مع التأكيد على البعد عن الفجاجة والرخص والتعهير بكل أشكاله. مؤكدةً في الوقت نفسه اعترافها بالجميل في منحها جائزة الروائي المغربي محمد زفزاف، الذي يُشعرها بمزيد من المسؤولية تجاه الأدب العربي الفلسطيني بشكل خاص، والأدب العربي بشكل عام وتجاه القرّاء في كل مكان. وعن الكتابة تقول: لقد أعطتني الكتابة الكثير من الثقة بالنفس واحترام الناس، والمنصة العالية التي أقف عليها كي أحكي بصوت عالٍ، وبصراحة في كل مايحيط بي ومايختلج في داخلي من حبٍ وغضب وثورة.
ومن هنا أستطيع ان أستخلص مع سحر خليفة أن التاريخ هو ما نكتب لاما قلناه وخبّأ ناه في صناديق القلب المغلقة وانتقل معنا إلى الآخرة وظلام القبر، فتلك هي أبعادُ ومعاني الكتابة الأدبية وفضاءاتها التي تمنح التمتّع الكلّي بالحرية ورحابتها والثقة بالنفس وإبداعات الخيال فاتح طريق التفاِؤل للمستقبل. ومن هنا أيضا هذا الإستقبال الواسع للإنتاج الأدبي وإبداعاته من قطاع واسع من شرائح المجتمع في تطلّعها وبحثها عن الصورة الأوضح بشفافيتها ومآلاتها المأمولة.
والجدير بالذكر أنّ، مؤسسة أصيلة أصدرت كتاباً كعادتها بمناسبة منح الجائزة بعنوان: التجربة الروائية لسحر خليفة. قدّم له محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة مع تمهيد وتوطئة لعبد الرحيم علاّم رئيس اتحاد كتاب المغرب الذي أدار جلسة منح الجائزة بأدب جمٍ وحميمية مؤثّرة.
والكتاب الذي شارك في دراساته عدد كبير من الأدباء والنقّاد العرب من مختلف الأقطار العربية والذي بلغت صفحاته اربعمئة صفحة، يستحق عرضا وافيا نظراً لتعدّد مدارس كتّابه الأدبية والنقديّة، واختلاف وجهات نظرهم. الأمر الذي يسجّل للمؤسّسة وأمينها العام وللمساهمين في إعداد الكتاب، وهو ما سأسعى لدراسته مستقبلا في إطار الدراسات النقديّة المعاصرة.
* أستاذة جامعية سورية