قراءة في كتاب "سبع عجاف" لـ سعد حسن آل سالم- أيمن دراوشة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
إلى وطن نحلم به ويحلم بنا
يهدي الكاتب سعد آل سالم كتابه إلى الوطن الذي يحلم به، الوطن النموذجي والمثالي والذي يتمنى الجميع العيش فيه.
يتناول الكاتب العديد من القضايا الهامة في كتابه، والذي قسمه إلى مدخل وسبعين مذكرة وخاتمة.
في المدخل يناقش قضايا الإعلام، والمصاعب التي يواجهها الصحفي في بحثه الدءوب عن الحقيقة سواء من القائمين على إدارتها أو من رقابة الحكومة.
فيقول في البداية: أنه يحبذ الاستقالة من الصحيفة التي يعمل بها إذا لم يكن للإعلامي استقلالية وحرية في مهنته، وأنه لا يجوز تضليل القارئ وفرض وصاية عليه، فالصحافة لا تنشر المعرفة وتساعد في نشر الوعي فقط، بل هي تعمل على "تشكيل الرأي والإفصاح عن المعلومات والحقائق وتمثيل الشعب لدى حكومته وإظهار وجه الأمم لدى نظيراتها" (ص 7)
واجه العديد من المشاكل في عمله في الصحافة، واضطره الأمر إلى ترك صحيفته، ولم ينجح بعد ذلك في إيجاد صحيفة يعمل فيها.
يروي لنا الراوي في الكتاب. كيف جاءته فكرة كتابة موضوعه؟ فله صديق مقرب "مازن" يعمل طبيب نفسي، صادف وجود الراوي في عيادته ومقابلته للمريض "يوسف"، والمريض النفسي كان قد سجن ما يقارب السبع سنوات، بسبب آرائه السياسية وتواجده مصادفة إثناء مداهمة قوات الحكومة للمسجد الكبير. وطريقة علاجه كانت من خلال تسجيل تجربته وما يحس به اتجاه الحياة ومواقفه منها. حيث طلب الراوي تزويده بالتسجيلات من أجل الكتابة حول موضوع المساجين السياسيين والظروف القاهرة التي يعيشونها والظلم الكبير الواقع عليهم. وقد نجح في الحصول على موافقة المريض، وهكذا وجد الراوي نفسه منهمك في سماع التسجيلات، وشرع يكتب، والكتاب عبارة عن سرد نثري على شكل مذكرات تنطق بلسان يوسف. ولا شك أن الكاتب لم يختر الاسم عشوائياً، فيوسف هو نبي الله الذي ظلمه أخوته وحاربوه وحاولوا قتله، وكان يملك من المحبة والمشاعر الجميلة الفياضة ما يجعله قادر على المسامحة والغفران.
المستقبل في مهب الريح
إذلال السجن
لم يستطع يوسف إكمال تعليمه الجامعي بسبب تعرضه للاعتقال، وهو لم يبلغ العشرين بعد. ويقول عن ذلك: "الإنسان يتأقلم مع واقعه مهما كان، ذلك الواقع مؤلما، ودائما ما أوحي نفسي بالصبر، ولكن قد يكون الصبر أحيانا ليس خياراً، بل واقعاً تفرضه علينا الحياة، فلا يكون أمامنا سواه". (ص 18)
عند اعتقاله يتعرض يوسف للضرب المبرح، والبصق، ويمارس المحققون ساديتهم عليه، ثم يلقى مع عشرات المساجين في الزنازين الضيقة.
يحدثنا يوسف عن ظروف السجن القاسية والمؤلمة، من قذارة غرف الزنانين وحتى التعذيب بالعصا الكهربائية والفلكة. ويقول: "ليس من الصعب خلق بيئة نظيفة في السجون ولكن القذارة جزء من رغبة السّجان لتعذيبك". (ص 21) فالوسائد منتنة الرائحة، ورائحة اللحاف تشبه صديد الدم.
ويتطرق في حديثه عن سجين "أبو حاتم" والذي يبلغ من العمر سبعين عاماً وعن حكمته ورجاحة عقله، ويؤلمه بشدة رؤية كبار السن ملقين في السجن، ويتساءل: ألا يوجد بدائل إنسانية أخرى؟
ومن الأمور الصعبة التي يواجهها المساجين الاكتظاظ الكبير، فالأعداد كبيرة، والأمر لا يعدو سوى ضرب من ضروب التعذيب المتنوعة. والشباب في السجن يغنون ويرقصون أحيانا، إذ لم يقدر ضيق النفس وصغر المكان من أن "يحاولوا بث الطرب بين جنبات جدران المكان، ليساعدهم على جلب السعادة لأرواحهم، من أجل أن تبقى حية وكأنها تمارس رياضتها بالغناء". (ص 19) كانوا يغنون أغاني شعبية "الزرفات الشعبية" والتي تروي حكاية الإنسان والمكان وفيها حكمة وتاريخ الأجداد وأبيات العشق العذري، غير أن الحراس القساة كانوا يدخلون إلينا ويمنعونا من الغناء بالقوة.
كما يتطرق إلى تهديده بانتهاك عرضه واغتصابه مع زملائه المعتقلين، إذا لم يوقعوا على قائمة طويلة من الاتهامات المزيفة.
وفي سطور جميلة، يعبر الراوي بأسلوب رشيق ومعنى عميق عن حادثة نزول المطر، وتدافع المساجين لرؤيته عبر الممر المؤدي إلى نافذة صغيرة، وقيام الحراس بطردهم إلى الزنازين، فالسجان بتأكيد لا يحب المطر!
عن التطرف والتشدد
يناقش الراوي قضية هامة، وهي التي أودت به إلى السجن، وهي قضية التطرف والتشدد بالدين التي انتشرت كالنار في الهشيم، ويقول أن السجن ولا شك أفضل ألف مرة من الانجراف إلى فكر إقصائي يبرر قتل الناس وظلمهم، فالمتشددون "لم يتركوا كتبا تاريخية عرف زيفها إلا اعتمدوا عليها، لتعزيز منهجهم....زوروا التواريخ، وهدموا الآثار، وشوهوا الأفكار، وحاربوا...الفلسفات المغذية للعقول، من أجل أن يعودوا بالإنسان هنا إلى عصر الظلمات والجهل". (ص 43)
فالمشكلة الكبرى برأيه أن يبقى الإنسان يعيش تحت مظلمة رجل الدين والقبيلة والسياسي، دون وجود قانون يغنى عنهم، ويضمن للجميع حرياتهم وحقوقهم.
وعلى لسان أبو حاتم الرجل الحكيم، يقول: "التنوع والتعددية في تجارب الجماعات والشعوب هي مصدر ثراء يتيح المجال واسعاً لتبادل وإيضاح الخبرات البشرية، إنهم بذلك الفعل دمروا تاريخ الوطن وإنسانه". (ص 116)
ومن التناقضات التي يعرضها الراوي، السجين عائض، الذي حقق معه وتمت إدانته بالخروج عن الجماعة من قبل محقق شرس لم يكن سوى أخيه الأكبر.
ويتوصل يوسف إلى أن العنصرية والكراهية لا ترتبط بجنس أو عرق أو طائفة، وإن الإنسان يصل إلى ذلك نتيجة مروره في ظروف معينة.
تحولات اجتماعية نحو الأسفل
المرأة نموذجاً
يتعرض المجتمع إلى تحولات اجتماعية، نتيجة تطور وتقدم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن مجتمع يوسف، تزلزله تحولات اجتماعية مضطربة تتجه به نحو الهاوية، فأوضاع المرأة مزرية وفي انحدار، فنحن أمام امرأة "لا تستطيع الاختلاط ببعض أقاربها، ولا تستطيع قضاء احتياجاتها، وعزلت تماماً عن أخيها الرجل". ( ص 136)
وكان لصحوتهم الإسلامية المزعومة (المتشددين) أن صنعوا "مجتمعاً منافقاً متناقضاً في أغلب تعامله مع الحالات والتداعيات في حياته اليومية، وانتهى مع ذلك الحب العفيف، وانتزع مفهوم الشرف من الكثير، وبات المشهد الاجتماعي باهتاً خالياً من الطرب والمرأة". ( ص 136)
ويضرب لنا يوسف مثالاً على ذلك، زميله في الدراسة سيف، الذي له علاقات نسائية كثيرة، ويقول عنه أنه لم يكن سوى "نتاج لمجتمع يرى أن الرجل الممارس للجنس في علاقة غير شرعية لا يلحقه عيب، بل إن بعضهم يرى ذلك من الرجولة، بينما من تكون المرأة ضحية للرجل في تلك العلاقة فهي عار على نفسها وأهلها، وقد تنتهي حياتها إن تسرب أمرها إلى أقاربها". ( ص 151)
وفي عدة مذكرات يخبرنا يوسف عن محبوبته منال، الفتاة التي يعشقها بنقاء، والعلاقة الجميلة التي نبتت بينهما، ووقوفها بجانبه في سنوات سجنه، وطيفها الملائكي الذي جعله يحتمل السجن والظلم والقهر.
يفرج عن يوسف قبل انقضاء محكومتيه بستة أشهر، ذلك أن الدولة قبضت عمن يحاول إثارة الفتنة بين أبناء الوطن!
وينذر نفسه لنشر فكر التسامح والتعايش بين فئات الوطن. ومحاولة تحقيق حلمه في وضع دستور للبلاد يفصل بين السلطات ويصلح القضاء ويحارب الفساد بلا هوادة.