أبو عرب.. يا توتة الدار- بشار دراغمة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
لا شيء كان يشغل فنان الثورة الفلسطينية وشاعرها أبو عرب أكثر من الحنين إلى الوطن، فوعد "توتة الدار" أن يرجع لها "مهما طول المشوار"، وطلب منها أن تصبر "على الزمان إن جار"، وحلفها "برب الكون" أن تبقى شامخة بانتظار عودته بعد طول غياب.
رحل إبراهيم محمد صالح (أبو عرب) ولم يعرف ما مصير تلك التوتة، وأمواج البحر التي دعاها للهدوء دوما لم تكن كذلك أمس، فارتطمت أمواجها بـ"الأرض اللي ربتنا" ولم ترسل سلاما إنما نبأ وفاة جاء من مخيم محاصر قال عنه أبو عرب "مخيم عائدون" قرب مدينة تعيش الحصار اسمها حمص، في دولة لا حصار لحدودها ويدخلها كل من شاء مقاتلا أو فاتحا، ويخرج منها كل من شاء لاجئا اسمها سوريا.
هناك توفي أبو عرب وسط كل هذا الحصار الذي لم يعنه في شيء، فتوفي وهو ويردد لحن العودة للوطن.
كان أبو عرب على سرير الشفاء في مستشفى بيسان قرب مخيم عائدون، يتمتم بأغاني العودة، فارق الحياة وهو يردد أنشيد الوطن التي غناها على مدار عقود خلت، لفظ أنفاسه الأخيرة وهو ينشد لفلسطين الوطن، وللاجئين الذين بشرهم بالعودة التي لم يشهدها هو.
وانتشر على موقع يوتيوب أمس مقطع فيديو قصير يظهر فيه شاعر الثورة الفلسطينية وهو يغني للوطن وينشد العودة ويشكو الظلم، ويعبر عن حنين لأناس اشتاق لهم كان يلوذ بهم عند الضيم، لكنهم "غدوا يا حسرتي تحت التراب".
رحل فنان الثورة الفلسطينية وترك وراءه ارثا ثقافيا كبيرا يلخص الإصرار الفلسطيني على حق العودة.
وتركزت أغاني أبو عرب في مجملها حول اللاجئين وعودتهم إلى ديارهم فكان يرسل سلامة "إلى الزيتوني وأهلي اللي ربوني"، ويتحدث عن الأم الحنونة التي ما زالت تشتم رائحة مخدة اتكأ عليها ابن يعيش الغياب.
وكان أبو عرب على ثقة تامة بأن العودة ستأتي يوما، فلجأ في شعره إلى ذوات العمر المحدود للتأكيد على أن العودة قريبة فقال وأنشد "ودي سلامي يا نجوم عالبيادر والكروم.. وبعدا الفراشة بتحوم عم تستنظر عودتنا.. سلم سلم على بلادي تربة بيي وجدادي.. وبعدو العصفور الشادي بغرد لعودتنا"، مستخدما كلمة العصفور والفراشة والتي لا تعيش سوى أيام معدودة للتأكد على أن العودة هي أيضا أيام مثلها.
وعشق الفلسطينيون في الوطن والشتات أغاني أبو عرب، لأنها تعبر بالكامل عن المعاناة التي يعيشها شعبنا، ورغم الاهتمام الكبير بأغاني أبو عرب وقصائده مجمل الأيام، إلا أن الحنين كان خالصا أمس للاستماع إلى كل ما قاله وتعاظم هذا الحنين بعد الإعلان عن وفاته.
في شوارع مدينة نابلس صدح صوت أبو عرب قادما من أجهزة كمبيوتر وهواتف نقالة وغيرها، فالكثيرون أرادوا أن يعيشوا الألم الذي يُزرع تلقائيا في النفوس مع سماع صوته الحزين وكلماته التي يحفظها الكثيرون.
وفي مواقع الانترنت بحث الكثيرون عن أغاني أبو عرب ونشروها مجددا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
القدر كتب لأبو عرب أن يزور فلسطين قبل وفاته، ففي العام الماضي وصل إلى مسقط رأسه في قرية الشجرة قضاء طبريا، وتفقد عصفورة الدار وفراشاتها، ولو كان ذلك بالتأمل لا أكثر بعدما غير الاحتلال معالم المكان.
لم تكن زيارة أبو عرب إلى قرية الشجرة العام الماضي هي الاولى بالنسبة له، فقد كان يزورها كثيرا في المنام، وقبل وصوله إليها بعشرة أيام زارها أيضا وتفقدها بيت بيت وشرب من عينها في منامه، وفق ما قاله في تصريحات سابقة له عندما وصل إلى تلك القرية.
أخذ أبو عرب معه حفنة من تراب الشجرة، نقلها إلى حمص وربما تنثر هناك فوق قبره ليدفن ولو بذرة من تراب الوطن.
وأبو عرب من مواليد عام 1931، وتنقل من لبنان إلى سوريا وتونس ومخيمات الشتات في العالم.
استشهد والده عام 1948 خلال اجتياح الميليشيات الصهيونية لفلسطين، واستشهد ولده عام 1982 خلال اجتياح جيش الاحتلال للبنان، وشهد في طفولته انطلاقة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ضد الاحتلال البريطاني والاستيطان الصهيوني والتي كرس لها جده أشعاره كافة للإشادة بالثورة ولتشجيع أفرادها، ولتحريض الشعب ضد المحتل البريطاني.
أسس فرقته الأولى في الأردن سنة 1980 وسميت بـ "فرقة فلسطين للتراث الشعبي"، وكانت تتألف من 14 فنانا. وبعد اغتيال الفنان ناجي العلي، وهو أحد أقارب أبوعرب، تم تغيير اسم الفرقة إلى فرقة "ناجي العلي".