ساجي... تخرج وشهادة مختلفان
الشاب الأسمر نحيل الجسد ساجي درويش ذو العشرين ربيعا، اختار أقصر الطرق الى الله والوطن، فكتب بدمه شهادته الأجمل التي أرادها، ملتحفا بثوب تخرجه ذي الألوان الأربعة، لوحده دون مشاركة أحد، وحدهم الشهداء استثنائيون.
كان الحلم أن يكون صحفيا، يكتب ويصور ألم شعبه، دون أن يعلم أنه سيكون صورة تتناقلها وسائل الإعلام، وخبرا يتصدر الصفحات الأولى في الصحف، بعد أن اخترقت رصاصة الاحتلال رأسه، وأردته شهيدا.
جامعة بيرزيت حيث كان ساجي أحد طلبة كلية الإعلام فيها، في سنته الثانية بدت اليوم مختلفة، ولا تسمع سوى شهقات بكاء الطلبة ونشيجهم، وما هي إلا ساعات حتى ضج حرم الجامعة بصيحات وتكبيرات الشبان، جاء ساجي محمولا على أكتاف زملائه، طاف في أروقتها ودعته وودعها للمرة الأخيرة.
انطلق الموكب إلى قريته بيتين، حيث تزينت شوارعها بالعلم الفلسطيني، وعلقت صور الشهيد على أبواب المحال التجارية ومركبات المواطنين، فيما والدتة آمال المتوشحة بالسواد كما العديد من نساء القرية بانتظار قدومه الأخير.
لم تفلح كلمات المواساة في التخفيف من حرقة قلب الأم المفجوعة بولدها، وهي تتحدث حول اللحظات الأخيرة التي سبقت خروجه من المنزل :'استحم وصلى صلاة المغرب، وذهب لإطعام الغنم، خرج ولازال شعره مبلولا، أخبرته إذا أراد أن يتناول طعامه، قال لي عندما أعود، ولم يعد'.
قبلت الوالدة جبين شهيدها، شدت نعشه نحوها بقوة، لكن الرحيل أقوى، خرج جثمانه من المنزل بينما لم تفارق لسانها كلمات 'الله يرضى عليك يا يما، وين تاركني ورايح يا يما، والله ما فرحت فيك يما، وين أروح بدونك....' كيف لمشاعر أم أن يصفها قلم؟.
يغيب ذهنها، وسرعان ما تعود بالذاكرة لقصص ومواقف أصبحت برحيله من الماضي، وبصوت مبحوح تردف بالقول، إن المستوطنين اعتدوا العام الماضي على والده بالضرب المبرح أثناء رعيه الأغنام، أدخل المشفى وأصبحت صحته في تراجع، يقوم ساجي بمساعدتة في الرعي، بالرغم من أن لدي ثمانية أبناء غير أن ساجي مميز فهو الأصغر والمدلل.
تتهامس نساء القرية: 'كان متدين ومحبوب، متسامح مع الجميع واجتماعي، الله يصبر إمه على حسرته'.
ساجي كان يحب ركوب الخيل، فاشترى له والده واحدة، لم تعد والدته تستطيع أن تختلس النظر إلى فارسها 'ساجي' من نافذة المنزل وهو يطعم فرسه ويسقيها ويركبها، كل أحلامه وآماله انتهت برصاصة واحدة، لم يترك سوى حسرة لأمه وأصدقائه، وكرسيا فارغا في حفل التخرج.