الاحتلال أفرغ العمليتين التعليمية والتربوية من مضمونها بعد النكسة بغزة
وفا- محمد أبو فياض
"العملية التعليمة في قطاع غزة، بعد حرب الأيام الستة، والمعروفة بالنكسة، التي أدت لاحتلال إسرائيل للقطاع والضفة الغربية وأراض عربية أخرى، كانت شكلية تخلو من المضمون، بل وأخذت بعداً ضعيفاً في مخرجاتها، خاصة وأن المناهج التعليمية كانت مفرغة من الأبعاد الوطنية والتاريخية والتربوية"، بهذه الكلمات لخص المعلم فتحي فياض، موجّه الرياضيات السابق في عهد الاحتلال الإسرائيلي، أوضاع العمليتين التعليمة والتربية في قطاع غزة بعد النكسة.
وقال الموجه فياض في حديث لـ"وفا": بعد النكسة كانت مدارس المرحلتين الإعدادية والثانوية، تخلو من التخصصات بسبب عودة المدرسين إلى مصر، علاوة على ترك المدرسين الفلسطينيين لعملهم في المدارس في القطاع وتوجهوا للعمل في الدول العربية، لذلك كانت المدارس في عامي 67 و68 تخلو من معظم التخصصات، ما جعل التعليم يأخذ منحاً شكلياً، لأن الإدارة المدرسية وجهاز الإشراف التربوي شبة معطل، جراء نقص الكفاءات التي نحتاجها ذاك الوقت، واستمر الحال في القطاع على هذا المنوال حتى 1972.
وأضاف، فيما يخص المناهج كان الوضع صعبا للغاية لعدم توفر الكتب المدرسية، ما أدى إلى اعتماد الطالب على مذكرات المدرسين، لأن الاحتلال كان لا يهتم بطباعة الكتب.
وتابع: وكذلك كان الحال بالنسبة للمباني المدرسية، لأن ما كان متوفر فقط، هي ذات المدارس التي كانت قبل الحرب، ولم يزد عليها أي مدرسة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة التسرب بين الطلاب، والتي فاقت وقتها 25% بين طلاب الثانوية العامة، وما رفع هذه النسبة وقتها هو فتح باب العمل داخل الخط الأخضر، الأمر الذي أكد أن المدرسة كانت فقط تأخذ بعداً شكلياً دون الاهتمام بالعملية التربوية، لأن من كان يشرف على العملية التعليمية في القطاع مجموعة من ضباط المخابرات، ينتمون لقسم الشؤون العربية في المخابرات الإسرائيلية تحت مسمى ضابط ركن التعليم.
وذكر، أنه عقب ذلك تم طباعة الكتب، ما عدا كتاب التاريخ لجميع المراحل التعليمية، وبالتالي اعتمد المعلم وقتها في التدريس لمادة التاريخ على مذكرات يعدها المدرس نفسه ولا يراها الحاكم العسكري، وكانت هذه المذكرات يشوبها النقص وعدم إعداد الفرد وطنياً بشكل مناسب، بل وكانت نسخ المناهج تأتي مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي من مصر، وهي مناهج مصرية والكتب كانت توضع تحت الرقابة، ويحذف منها كل شي يعادي إسرائيل، وكانت الكتب تطبع على مسؤولية المشرف التربوي.
وأكد انه بعد عام 1973 تم تسديد نقص الكادر بالخريجين الجدد الذين انهوا دراستهم الجامعية في جمهورية مصر العربية، من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، وكان ذلك بالنسبة للمرحلتين الإعدادية والثانوية، أما المرحلة الابتدائية فكان يتم تعويض النقص في الكادر التعليمي من خلال معلمين كان يتم تخريجهم من خلال معهد المعلمين، الذي كان يؤهل مجموعة مميزة من الخريجين بعد الثانوية العامة وحصولهم على مرحلة الدبلوم، للعمل في المرحلة الابتدائية.
وقال الموجه فياض: كان الاحتلال يحرص على إنجاح الطلاب، حتى لا يلزم بافتتاح فصول جديدة، لذلك كان الازدحام في الفصل عنوان تلك المرحلة، بل أن عدد الفصول التي كان يتم افتتاحها لا يتجاوز 100 فصل سنوياً، مشيراً إلى أن الاحتلال حرص على أن يكون النمو في تعيين المدرسين بنحو 120 مدرساً سنوياً ولجميع المراحل، وذلك تنفذاً لسياسة الاحتلال القاضية بترحيل وتهجير الشباب من الوطن وإرسالهم للخارج، والبحث عن العمل خارج القطاع، أي أنه يقوم بعملية تهجير منظم للشباب، ناتجة عن قلة فرص العمل لهم في القطاع، لذلك ما كان أمام الشباب من سبيل سوى السفر والبحث عن عمل.
وأضاف: لقد سيطر وحرص الحكم العسكري على تقنين الإمكانات والموارد لإنماء العملية التربوية، التي كانت ترتكز على البعد النظري دون إعداد الفرد وجدانياً أو مهاريا، والنتيجة إشباع العقل بالمعلومات النظرية فقط.
وأكد أن القيادة التربوية معظمها كانت تمارس عملها الفني بعيداً عن تخصصها المعرفي، فمثلاً موجه مادة العلوم كان مؤهله بكالوريوس زراعة، وموجه الرياضيات كان مؤهله الثانوية عامة.
وأشار إلى أن فتح سوق العمل داخل أراضي الـ48، أدى إلى زيادة نسبة التسرب بين الطلاب حيث كانت نسبة التسرب في المرحلة الابتدائية تفوق 15% وفي المرحلتين الإعدادية والثانية تفوق 25%، خاصة وأن جميع قيادات العمليتين التعليمية والتربوية كانت غير مؤهلة وينقصها التدريب، حيث كانت تمارس مهنتها دون الخوض في العملية التربوية ومضمونها واستمر الحال حتى 1982.
وتابع: بعد ذاك التاريخ ضغط الاحتلال على الإمكانات في المدارس، ووصل الضغط بأن فرض على الطلاب إحضار التباشير للمعلمين كي يدرسونهم ي إن أرادوا التعليم، لذلك أصبحت العملية التربوية تأخذ بعداً ضعيفاً في مخرجاتها، سيما وأنه تم فرض رسوم وبأشكال متعددة على الطلاب، ودفع ثمن باهظ للكتب، الأمر الذي دفع عدد كبير من الطلاب لترك مدارسهم، فتتوجه عدد كبير منهم للعمل داخل الخط الأخضر، ومنهم من توجه للعمل في الدول العربية خاصة الخليجية منها.
وأكد أنه نتيجة هذا الضغط ومعاناة المدرسين خلال عملهم، أضطر عدد كبير من المعلمين لترك عملهم في مدارس القطاع والهجرة للخارج والعمل بعقود مجزية ومميزة في دول الخليج العربي، بل إن هناك عدد من المدرسين ترك عمله وتوجه للعمل داخل أراضي الـ48، بل وكان بعض المدرسين يستثمر الإجازة الصيفية للعمل في الدخل لسد عجزه المالي، لأن دخل المدرس في عهد الاحتلال بالكاد كان يسد رمقه.
وأشار إلى أن العامل كان يذهب للعمل في الداخل، فيعود بعد أسبوع وفي جعبته نقود تفوق ما يحصل عليه المعلم طيلة شهر كامل من خلال عمله في مهنة التدريس، التي أفقدها الاحتلال قيمتها، كل ذلك دمر العمليتين التعليمية والتربوية في عهد الاحتلال الإسرائيلي.