لرفض العنصرية.. خلع نيزي قميصه ورقص
جميل ضبابات
في أقصى جنوب القارة السوداء، حيث يسمع الكثير عن التصرفات العفوية، أخلى قبل أيام رجل يبدو في نهاية الإربيعينات من عمره سيارته حاملا قميصا اصفرا وانزوى تحت شجرة استوائية ليبدل لباسه؛ كان الرجل تولاس نيزي وزير الأشغال العامة في حكومة جنوب أفريقيا.
القميص الذي بدا ضيقا عليه كان يحمل رسما للزعيمين الراحلين الثوريين الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا والفلسطيني ياسر عرفات.
وفي مشهد مألوف في بلاد واسعة كان اليوم يجمع عشرات الجنوب أفريقيين في منطقة الاورانج فارم الريفية على بعد آلاف الأميال من بؤرة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لا يبدو خلع وزير لحكومة تسير حياة أكثر من خمسين مليون مواطن أمرا غريبا.
لا السكان الريفيين اعاروا نيزي وهو أحد قادة حزب المؤتمر الافريقي انتباه، ولا نيزي المنفعل شعر بالخجل من خلع قميصه أمام العامة في منطقة ريفية فقيرة، بعيدة عن مركز العاصمة السياسية.
فالأمور في منطقة الاورنج فارم التي سماها الجنوب افريقيون منطقة فلسطين تؤخذ ببساطة بالغة، لكن عندما يتعلق الأمر بالثورات من اجل التحرر تصبح جدية جدا، جدية لدرجة أن يقود نيزي حلقة رقص.
بعد خطاب بلغة انجليزية تخللته أجزاءً من الجمل الانفعالية الطويلة بلغة الزولو وهي إحدى 11 لغة معترف بها في بلد يحفل بتنوع اثني ولغوي عميق، شوهد نيزي يرقص رقصة القبائل التي حاربت نظام الفصل العنصري الابيض قبل عقود.
وتابع الجنوب افريقيون على مدار أسبوع الكثير من الرقصات والأغاني القادمة من عمق مرحلة التحرر من نظام الفصل، لكن هذه المرة كما يقولون من اجل حرية الشعب الفلسطيني.
وتنظر قطاعات واسعة من الشعب الجنوب افريقي بمستوياته الاجتماعية والسياسية المختلفة إلى تشابه كبير بين قصة الشعبين. نفسه نيزي الذي حضر اجتماعا خطابيا في منطقة الاورانج فارم قال المعنى ذاته.
واقفا على منصة خشبية استطاع نيزي وهو يمثل الصف السياسي الاول في هذه البلد التي عانت من احتلال البيض لكل مقومات الحياة قبل ان ينهار نظام الفصل العنصري قبل أكثر من عقدين من الزمن 'يجب ان نتضامن مع الفلسطينيين.(..) هؤلاء الناس الذين سرقت إسرائيل أراضيهم. يجب أن نقول لا لإسرائيل'.
ويهتف العشرات من ابناء المنطقة الفقيرة: تسقط تسقط إسرائيل.
وتقريبا بدأ صوت الاحتجاجات على نظام الفصل العنصري في الفترة التي شكل فيها الفلسطينيون منظمات مسلحة لمناوشة إسرائيل بعد احتلال كامل فلسطين، لكن الضغط الدولي أدى إلى انتهاء نظام الابرتهايد.
لكن الجنوب افريقيين واصلوا مناصرتهم للشعوب الواقعة تحت الاحتلال بطرق مختلفة. ومنذ عشر سنوات تحيي بعض منظمات ونقابات البلد اسبوعا يطلقون عليه 'اسبوع الابرتهايد الإسرائيلي'.
وينظرون إلى تشابه مسيرتهم التحررية مع مسيرة الشعب الفلسطيني لذلك يرقصون على وقع أغاني الكفاح.
ذات يوم قبل سنتين منعت إسرائيل وفدا يمثل أربعة وفود دول أعضاء في اللجنة الخاصة بفلسطين المنبثقة عن منظمة دول عدم الانحياز، من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية؛ ما أدى إلى إلغاء اجتماع اللجنة.
كان يومها نيزي واحدا من أعضاء الوفد، وهو في هذا اليوم يذكر بعض العامة من الجنوب افريقيين بواحد من الأمثلة التي يمكن الحكم عليها على ما تقوم به إسرائيل في الأرض الفلسطينية.
لكن هنا في هذه المنطقة الريفية التي تفصلها عشرات الكيلومترات عن مناطق الأشجار الكثيفة، يكفي ان يعلن أي من المستمعين لخطابات تبث روح التضامن مع الشعب الفلسطيني إرادته سقوط نظام الاحتلال الإسرائيلي.
وحتى أن بعضهم لا يعلم عن فلسطين شيئا بالمطلق، غير انها تعبر مسيرة تحرر مشابهة إلى حد ما مسيرة التحرر التي قادها الزعيم العالمي نيلسون مانديلا.
واقفا إلى تحت الشجرة ذاتها يمكن لعبد الحفيظ نوفل سفير فلسطين في هذه البلد 'لا بد من إعادة توثيق هذه المرحلة. هذه زاوية مهمة من التاريخ حيث لدينا الكثير المشترك'.
كان الكثير من الامور المشتركة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحزب المؤتمر الإفريقي.
لذلك عندما يبدو الأمر يتعلق بالفلسطينيين يظهر الجنوب افريقيين حاملين صورتي الزعيم الجنوب الافريقي مانديلا الى جانب صورة الرئيس الراحل عرفات.
ولدى الكثيرين منهم ما يقولونه عن خطابات مانديلا التي كانت لا تخلو من الإشارة الى القضية الفلسطينية.
وبعد كثير من الرقص يمكن أن يقول نيزي بأعلى صوته مخاطبا سكان المنطقة التي تحمل اسم فلسطين 'فلتعش روح مانديلا. ولتعش روح عرفات'، ليرد عليه العشرات بالغناء القادم من عمق تاريخ الثورة.
هكذا فعل نيزي، كما يفعل الكثير من السياسيين الجنوب افريقيين.