البعد الاقتصادي .. هاجس ومحرك لخطط التنمية في فلسطين
أجمع مشاركون في لقاء نظمه معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية 'ماس'، على أهمية البعد الاقتصادي في خطط التنمية المطروحة في فلسطين، لكنهم اختلفوا في طريقة تعاطيهم مع الخطط الاقتصادية المطروحة، وحق الجــهات غير الحـــكومة في عملية التخطــيط.
وناقش هؤلاء في اللقاء الذي جاء بعنوان: 'تزاحم الخطط والمبادرات التنموية الفلسطينية .. نقاط الالتقاء والتفاوت'، التضارب والتزاحم والتكامل في خطط التنمية الثلاث: خطة التنمية المطروحة من قبل الحكومة لأعوام 2014-2016، وخطة القطاع الخاص، وخطة المبادرة من أجل الاقتصاد الفلسطيني المعروفة بخطة كيري، بحضور عدد كبير من المهتمين وصناع القرار.
ولخص وزير الدولة لشؤون التخطيط محمد أبو رمضان الموقف الرسمي، قائلا: 'من حيث التعارض لا يوجد تعارض، فالخطة الفلسطينية شاملة وتجمع كل القطاعات وتركز على البعد الإنساني والفقر والصحة، في حين تتعلق الخطط الأخرى بالقطاع الخاص'.
وأضاف: 'انتقادي لخطة القطاع الخاص أنها بنيت على بقاء الوضع الحالي، رغم أنها خطة طويلة المدى تمتد لعام 2030، كما أنها تهمل مناطق أخرى في الوطن، في حين لا تميز خطة الحكومة بين منطقة وأخرى، ما يعني أننا نرفضها سياسيا ولا نرفضها اقتصاديا'.
وقال منسق خطة التنمية خليل نجم: 'أكبر إشكالية تواجه المجتمع الفلسطيني الوضع الاقتصادي المتراجع والأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة في ظل محدودية الموارد، وهو المحور الذي حدد توجه الخطة في ظل رؤية بعيدة المدى، والتي ركزت على الإنعاش الاقتصادي من خلال تشغيل الأيدي العاملة، وتحسين الناتج القومي، ودخل الفرد، والنهوض بالاقتصاد ضمن منظومة تضمن أن تعم النتائج على الجميع بطريقة تضمن عدالة التوزيع'.
وبيّن أن خطة التنمية تهدف إلى تمكين المواطن وتعزيز الصمود ومقاومة الاحتلال من خلال التركيز على الصحة والتعليم والحفاظ على مستوى الإنجازات التنموية المتحققة وضمان مواءمتها مع المستجدات ومواكبتها للنمو الطبيعي .
وقال: 'الجزء الأكبر من الاستثمارات سيوجه نحو البنية التحتية بنسبة 28%، وبرامج الدعم والتنمية الاجتماعية بنسبة 27%، والحكم الرشيد وبناء المؤسسات بنسبة 26%، والتنمية الاقتصادية والتشغيل 19%'، مشيرا إلى أن دور الحكومة توفير البنية القانونية والبيئة المعززة للاستثمار.
وأشار إلى أن خطة الحكومة التنموية تتعامل مع القدس والمناطق المسماة 'ج' وقطاع غزة، ضمن آليات تتشارك فيها مع الشركاء المحليين والدوليين حيث لا يسمح لها العمل.
من جانبه، شرح المدير التنفيذي لمجموعة الاتصالات الفلسطينية عمار العكر طبيعة وأهداف مبادرة القطاع الخاص، وشدد في أكثر من موقع على عدم تعارضها مع خطة الحكومة، وعدم وجود أية أجندات سياسية من طرحها، وأنها لا تستهدف السلام الاقتصادي ولا تدعو للاستسلام للاحتلال، معربا عن أمله بأن تساعد الحكومة في توفير البيئة الاستثمارية اللازمة لنجاحها.
وتقوم مبادرة القطاع الخاص على فكرة عدم الانتظار لتحقيق الاستقلال والتعامل مع الواقع كما هو، وبنيت على سيناريو بقاء الوضع على حاله حتى عام 2013.
وقال العكر: 'فلسطين بحاجة إلى مليون فرصة عمل حتى عام 2030، وإذا لم نعمل على الحد من البطالة سنكون أمام تحد كبير يشكل خطرا على النسيج الاجتماعي، ونحن ندرك أن خلق الوظائف يقع على كاهل القطاع الخاص في ظل محدودية قدرة الحكومة على التوظيف، والمساهمة أيضا في نمو الدخل القومي الذي هو في تراجع'.
وأضاف: 'بعد دراسة أكثر من 20 قطاعا، قرر القائمون على المبادرة استهداف خمسة قطاعات قادرة على خلق فرص عمل ومساهمتها أسرع في الدخل القومي من غيرها، وتجنب قطاعات يرتبط تطورها بإرادة الاحتلال، كقطاع الاتصالات، والقطاعات المستهدفة كالزراعة، وتكنولوجيا المعلومات، وريادة الأعمال، والسياحة، وقطاع البناء والطاقة'.
وذكر أنه تم تطوير 50 مشروعا ستولد 160 ألف فرصة عمل مباشرة، و220 ألف فرصة عمل بطريقة غير مباشرة، وترتفع بالناتج القومي حتى 8 مليارات دولار بحلول عام 2030.
وحول خطة 'كيري' الاقتصادية، قال مستشار الشؤون السياسية والإعلامية لممثل الرباعية الدولية عوض دعيبس: إن 'الخطط تكاملية ولا يوجد تزاحم، والرباعية تؤمن أنه لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد'.
وأضاف: الخطة تحكمها محددات أن الاقتصاد لا يغني عن السياسة بل داعم للمسار السياسي، كما أنها تتحدث عن الاقتصاد الفلسطيني ككل في القدس وغزة والضفة ومناطق 'ج'، والقطاع الخاص، هو العامل المشترك بين كل الخطط.
وأوضح أن خطة 'كيري' تستهدف ثمانية قطاعات، وتهدف إلى إحداث تحول جذري في الاقتصاد، وقال: 'الخطة لا تنظر إلى إزالة معوقات، بل تهدف لجذب الاستثمارات وتحقيق تنمية جذرية تساهم في تخفيض نسب البطالة ورفع مستوى الدخل العام'.
وبين دعيبس أن ما يميز الخطة العوامل التمكينية فيها، موضحا 'نظرنا إلى الخطة وكأن المعوقات الإسرائيلية غير موجودة عند التحليل، والعوامل التمكينية تستدعي رزما فلسطينية من الإصلاحات وقدرة المؤسسات على استيعاب الخطة، أما العوامل التمكينية من الجانب الإسرائيلي سننظر لها عبر إزالة المعوقات الإسرائيلية، أي العمل لن ينتظر حتى ينتهي الاحتلال'.
وعلق عدد من المشاركين على الخطط الثلاث، واعتبر مدير عام مركز الأبحاث التطبيقية 'أريج' جاد اسحاق أن هناك تزاحما فعليا في الخطط، منتقدا خطط القطاع الخاص بتقليص شريحة الطبقة المتوسطة في المجتمع.
وطالب مشاركون بربط خطط التنمية بمخرجات التعليم، وهو ما يعني أن تمتد خطط التنمية لعشر سنوات على الأقل، للتخطيط للمستقبل مع خطط قصيرة المدى.
واتفق مع هذا الرأي، رجل الأعمال وليد الأحمد، بوجود تضارب ما بين الخطة الرسمية للحكومة والمبادرات، وقال: 'لا يوجد قطاع خاص يصنع خطة لدولة، العالم يجمع أنه من دون الخلاص من الاحتلال لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة'، مشيرا إلى أن خطة كيري والرباعية تتعايش مع الاحتلال بغض النظر عن الرفض اللفظي.
كما انتقد الأحمد خطة القطاع الخاص بتجزئة تأثر القطاعات من سياسات الاحتلال، ورأى أن هناك ظلما يقع على القطاع الخاص بقيادة التنمية في ظل الاحتلال أو بعد التخلص منه، داعيا لإنشاء مجلس اقتصادي اجتماعي تشارك فيه كافة الشرائح.
واعتبر مدير البحوث في معهد 'ماس' سمير عبد الله أن المشروع الوطني الفلسطيني يحتاج للعمل على كل الجبهات، وتأجيل الاهتمام بأي جانب سيكون له تأثير سلبي على الجانب السياسي.