آخر جرعة
ريم أبو لبن
عبد الرحمن ذويب، ابن الستة أشهر، تشبث المرض بجسده الصغير ليمنحه صفة أصغر مريض بالـ'هيموفيليا' في فلسطين، إذ يعاني من نقص فيتامين (C) في الدم، أي نقص العامل المخثر.
جسد عبد الرحمن ليس مؤهلاً لحمل أعباء مرض سببه خلل وراثي في الجينات، فنقص ذلك العامل المخثر للدم أحدث نزيفاً والتهاباً داخلي داخل قدمه اليسرى، ما أفقده اياها بعد محاولات متكررة لإنقاذها.
'لم اتخيل رؤية ابني هكذا في يوم من الأيام وقدمه مقطوعة. الشعور قاس جداً، والله وحده يعلم بحالي'، بهذه الجمل المتقطعة بدأت والدة عبد الرحمن الحديث عن معاناتها اليومية منذ ولادته، وبعد أن تسبب المرض بإحداث التهاب في دمه.
'صُعقت حين قال لي الأطباء إن حالته تستوجب بتر قدمه حتى لا يحدث تسمم في الدم. والآن عبد الرحمن يحتاج للدواء باهظ الثمن. كل 6 اشهر يحتاج لجرعة'، وأضافت باكية وهي تمسك بقدمي عبد الرحمن: 'حتى لو استطعنا توفير المبلغ اللازم للدواء فهو غير متوفر، وجسده تعب من كثر حقنه بالإبر. ناشدنا وزارة الصحة مراراً وتكراراً لتوفير الدواء ولكن بلا استجابة'.
يحتاج مرضى نزف الدم إلى عناية خاصة، وعليهم الحصول على ما يقارب 20 مليون وحدة مخثر للدم سنوياً، وما توفره وزارة الصحة فقط 6 ملايين وحدة. وهذا يعد رقماً ضئيلا في ظل ازدياد أعداد المرضى، وسوء تشخيص حالاتهم.
هذا ما أكدته حالة عبد الرحمن، حين تحدث والده ابراهيم ذويب عن سوء تشخيص حالته: 'قام مستشفى الحسيني في بيت جالا بتشخيص حالة عبد الرحمن بطريقة خاطئة، حيث حصلت على تحويلة للعلاج في مستشفى (هداسا) بالقدس، والتحويلة تتضمن فقط إجراء فحوصات للدم، ولكن ابني كان لديه التهابات وتقرر بتر قدمه. لا أعلم كيف يقوم الأطباء بكتابة التقارير. هل حياة المواطن رخيصة بنظرهم؟'.
'توصف مسكنات الألم لمرضى نزف الدم، في حين ما يحتاجه المصاب جرعات مسكنة لآلام تدوم معه لسنوات طويلة، وأكثر من 500 حالية مرضية في فلسطين -والعدد في ازدياد- علاجهم معلق بين طرفين؛ نقص الدواء وصعوبة الوصول لتلقي العلاج'، يقول رئيس مجلس ادارة جمعية مرضى 'الهيموفيليا' جاد الطويل، الذي أعرب عن أسفه لتقصير وزارة الصحة وعدم وضع مرضى 'الهيموفيليا' على قائمة أولوياتها.
وأضاف: 'للأسف هناك خلل في التشخيص الدقيق لمرضى الهيموفيليا نتيجة وجود 13 نوع من العوامل المخثرة، غير أن التشخيص للمرض غير متوفر في مختبرات وزارة الصحة، ويتم تحويل المرضى للمختبرات الخاصة، وهذا يكلف 700 شيقلا كحدٍ أدنى لكل حالة'.
تتعرض حياة مرضى الهيموفيليا للخطر نتيجة عدم توفر الأدوية بشكل مستمر، وخاصة المصابين بالمرض من فئتي (أ) و (ب). أحياناً يؤدي نقص العلاج إلى الموت. أحياناً أخرى تتلف مفاصل المرضى، وبعض الحالات تصاب بالشلل وتشوه العضلات، وهؤلاء لا يتم التعامل معهم كذوي احتياجات خاصة، كما ذكر جاد الطويل: 'بالرغم من وضوح قضية مرضى نزف الدم باعتبارهم ذوي إعاقة؛ إلا أن وزارة الشؤون الاجتماعية لا تصنفهم على أساس ذلك، وبالتالي يتم معاملتهم كأي انسان اخر مما يزيد من معاناتهم وذويهم'.
تعاني المستشفيات الفلسطينية من نقص حاد في الأدوية اللازمة لعلاج مرضى 'الهيموفيليا'، خاصة 'الفاكتور'، الأمر الذي يدفع المريض لأخذ علاج 'البلازما' كبديل. وهذا مرده عدم تسديد وزارة الصحة لمستحقات الموردين للأدوية الخاصة بمرضى 'الهيموفيليا'، كما بيّن مدير عام دائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة أسامة النجار.
النجار كشف لـ'وفا' عن مشروع قادم لتخفيف معاناة مرضى 'الهيموفيليا'، قائلا: 'هناك مشروع سيصار لتنفيذه خلال الأيام القادمة بالتعاون مع جهة أوروبية، يتضمن تأهيل كوادر مخصتة للتعامل مع المرضى داخل مؤسسات وزارة الصحة. سيتم اختيار أطباء أكفاء لتدريبهم في الأردن، ومن ثم اعادتهم للعمل في المستشفيات الحكومية، وستقتصر مهامهم على متابعة علاج وفحص مرضى الهيموفيليا'.