الزعنون : في رثاء الشهيد أبي جهاد - " أمير الشهداء "
ودَّعتُ في دربِ الجهادِ خليلاً وحبستُ دمعَ الذِّكرياتِ الأولى
يا منْ ملكتَ من القلوب أعزَّها وأَنًرتَ بالفكرِ السديدِ عقولا
يا حمزةَ الشهداءِ يا رمزَ الفدا إنَّا فقدْنا الصارمَ المصْقولا
قد كنتَ أصغَرنا وكنتَ إمامنَا نزهُو ونفخرُ إذْ تقودُ الجِيلا
وسبقْتَنَا في موكبٍ لا ينتهي شهداؤُهُ ما بدَّلوا تبديلا
ملأوا السماءَ بطيفهمْ وبنورِهمْ ولطالما اشتاقوا إليكَ طويلا
يلقاكَ عِندْ الله ِمَنْ سبقوا وهمْ قدْ أكثروا التكبيرَ والتهليلا
قد كنتَ في أفقِ الحياةِ حياتَهمْ واليومَ في الجناتِ صرْتَ وكيلا
لِمَنْ العواصِمُ نكَّستْ أعلامَها؟ عمَّ الوجومُ شآمَها والنِّيلا
المسجدُ الأقصى يَضِجّ ُبأهله والآي فيه رُتِّلتْ ترتيلا
وترى الكنيسةَ في مهيبِ ثيابِها رُهبانُها قد رنَّموا الإنجيلا
تهتزُّ "رملتُكَ" الحبيبةُ بالأسَى يومَ اعتزمتَ عن الحياةِ رحيلا
وهي التي هاجرتَ منها عُنْوةً وشهدتَ فصْلاً للعذابِ ثقيلا
"وبغزةَ المختارِ" فيضُ مشاعرٍ ذكرتكَ عَهْداً في الشبابِ أصيلا
ما للسَّماءِ دَنتْ إليه نُجومُها وتَعاقَدتْ وتنضدَّتْ إكليلا
هذي الحياةُ بكتْ عليهِ بحُرْقَةٍ وهو الذي وَهبَ الحياةَ جميلا
لِمَنْ الصخورُ تشققتْ وتدافعتْ فوقَ الرُّؤوسِ حجارةً سِجِّيلا
وندورُ في كلِّ الدوائرِ حيرةً لمَّا فقدْنا في المسارِ "خليلا"
كنتَ الجوابَ وكنتَ فارسَ دَرْبِنا بلْ كنتَ سيفاً للفِدَى مًسْلُولا
يا فارساً مَلأ الحياةَ تدفُّقاً وأزاحَ من دَرْبِ الشبابِ خُمولا
دَمكَ الزكيّ بذلتَهُ فمضَى إلى أرضِ السَّلام جَداولاً وسُيولا
صِدقاً! "خليلٌ" ما تحوَّل مُلْصَقاً لا زالَ حيَّاً قائِداً مسوُولا
لا زالَ حياً فانتفاضةُ قَلْبِهِ قَوِيَتْ وزادَتْ في الديارِ شُمُولا
هذا بيانُ الانتفاضةِ فاستمِعْ في"الأربعين"(1) تجِدْه أقوَم قيلا
اقرأ كتابكَ يا خليلُ فلمْ تزل للانتفاضةَ هادياً ودليلا
اقرأ كتابكَ يا خليلُ ألمْ تكنْ فتحاً وعاصفةَ السنينِ الأولى
يا قلعةً عزَّتْ على فُرسَانِهمْ فتمكَّنُوا بالغدْرِ منكَ وصولا
ضحًّيتَ بالنفسِ الزكيَّةِ راضياً ما كنتَ يوماً بالحياةِ بخيلا
ما ماتَ من أحيا جهاداً بعدَه يسمو ويثبتُ أفرعاً وأصولا
إيمانُ حرٍّ وانتصارُ إرادةٍ ونضالُ شعبٍ يَستَقيمُ طويلا
و"حنانُ" نفسٍ بل عقيدةُ مؤمنٍ لم يخش يوماً أنْ يموتَ قتيلا
بين الفواجعِ باسمٌ لا يرتضي رَغْمَ الوداعةِ عن حِماكَ بديلا
لا للبكاءِ فأنتَ كلْ عيونِنا بل أنْتَ رمزُ الشعبِ جيلاً جيلا
لا يأسَ لا استسلامَ فالجيلُ الذي ربيْتَ يعتَزِمُ الجهادَ طويلا
نظمتْ لكَ الشهداءُ عِقْداً غالياً وتقدموا يرْجونَ منكَ قُبولا
الله أكبرُ فوقَ كلِّ شفاههم غضباً توعدَ خائِناً ودخيلا
والشعْبُ أقسمَ للحياةِ كريمةً لا لنْ يعيشَ مُضَيّعاً مذلولا
والنصر آتٍ في قشيبِ بُرودِه عُرْساً على أرضِ السلامِ جميلا
أُفقٌ على اليرموكِ غيَّب شمسَنا وطوى حبيباً للجهادِ رسولا
يا أيها الشهداءُ هاتوا كأسكمْ لا عاشَ منْ رضيَ الحياةَ ذليلا
ودَّعتُ في اليرموكِ رمزًا قائدًا عَلَماً يرفرفُ بكرةً وأصيلا
دومْاً ستبقى مُلهمًا ومعلمًا إنّ الروايةَ لمْ تتمَ فصولا
*رئيس المجلس الوطني الفلسطيني