"ميناء غزة" .. هنا ترسو هموم البؤساء!!
محمد الأسطل – في غزة، ربما تدعوك اشياء كثيرة الى "الشك" بالامل، كالحصار والبطالة والفقر وغيرها، لكن الغزيين يلجأون الى حديقة "ميناء غزة" لتجديد "الايمان" بالامل، وقد تحولت الحديقة الى ميناء ترسو عليه هموم المواطنين الذين ضاقت بهم سبل العيش الكريم.
فقبل أن تغرب شمس نهاية النهار، تبدأ الأسر الغزية في التوافد على الحديقة التي لا تزيد عن كونها ساحة معشبة تطل على البحر، ويتنقل بين جنباتها باعة المشروبات الساخنة والباردة والمسليات، لكنها بالنسبة للكثيرين في غزة، تشكل متنفساً يمكن اللجوء إليه من دون الحاجة إلى دفع رسوم دخول أو تكاليف أخرى.
وتحاول العائلات التي اعتادت على زيارة الحديقة بشكل منتظم، بعد افتتاحها مؤخرا، الهروب من واقع حياة صعب في غزة، حيث انقطاع يومي للكهرباء، وارتفاع لا يتوقف في معدلات البطالة ومستويات الفقر، مع غياب لأفق حل سياسي ان من ناحية الانقسام، وان من ناحية الاحتلال.
ورغم سوء الأوضاع المعيشية في قطاع يكبله الحصار ويمزقه الانقسام، إلا أن البحث عن السعادة، أصبح مهمة ليست صعبة بالنسبة للكثيرين ممن التقتهم القدس دوت كوم، والذين اعتادوا على الخروج من مثل هذه الأزمات خلال السنوات السابقة، مثلما هو الحال مع عائلة نبيل مناصرة (46 عاماً)، الذي انضم مؤخراً إلى قائمة المتعطلين عن العمل بعد منع الاحتلال إدخال مواد البناء.
وقال مناصره "اعتدنا على حياة البؤس والمعاناة، وليس أمامنا خيار آخر سوى التأقلم، ومن ثم التغلب على الواقع، بالبحث عن السعادة بشتى الطرق".
وأضاف ملاطفا ابنه الأصغر في حديقة ميناء غزة "لو يئسنا نحن، فكيف يكون حال أطفالنا؟ وما ذنبهم حتى نحرمهم السعادة؟ مجرد خروجنا إلى الحديقة وشرب الشاي مثلاً نتخلص من مشاق الحياة، ونحقق السعادة ولو قليلاً".
أما الخريج الجامعي محمد عاشور (26 عاماً)، فاعتبر أن السعادة في ظل الظروف التي تمر بالقطاع، تحولت إلى "صناعة يحترفها جزء كبير من الفلسطينيين في غزة، من خلال إصرارهم على الاستمرار في الحياة مهما اشتدت الظروف".
وأوضح أنه كغيره من الخرجين لا يجد "عملاً ولا حتى أملا" في الحصول على وظيفة قريبة، لكن ذلك لا يمنعه من الاستمتاع بحياته من حين إلى آخر.
من جانبه، أكد أستاذ الصحة النفسية في الجامعة الإسلامية الدكتور جميل الطهراوي أن أوضاع قطاع غزة السياسية والاقتصادية تلقي بظلالها القاتمة على الصحة النفسية لسكان القطاع، خصوصاً في ظل انسداد الأفق لتغير الوضع الصعب في كافة المجالات.
وأشار إلى أن كل إنسان في غزة له قصة معاناة خاصة، وهو متضرر بشكل أو بآخر من الوضع العام، الذي ينعكس على استقرار الحالة النفسية، ما يترجم في توتر العلاقة مع الذات والآخر.
وقال في حديث مع القدس دوت كوم "عندما يكون الإنسان في ضيق وتوتر، ممكن يغضب بسرعة ويؤثر على علاقاته مع الآخرين، وغالباً ما يتسبب في مشكلات عائلية من أمور بسيطة، كان يمكن تداركها بالاتزان الانفعالي وامتلاك النفس عند الغضب".
وأضاف الطهراوي "لكن من الواضح أن من يسكن القطاع، يحاول صناعة السعادة والخروج من صعوبة الحياة بإصرار ونجاح كبيرين".
وعزا قدرة الغزيين على تجاوز الأزمات وصناعة السعادة في أحيان كثيرة، رغم مرارة الواقع، إلى ما سماه "الصلابة النفسية، التي يتحلى بها أهالي القطاع".