زفاف فلسطيني بإرادة دولية- جميل ضبابات
في أي بقعة من الشرق الاوسط، كان من الممكن أن يكون يوم زفاف صادق صبيح عادي جدا، لكن تدخل دولي جعل من عرس الشاب الفلسطيني أشبه بمعركة عالمية.
وصادق(27عاما)، واحد من عشرات المواطنين يسكنون في قرية العقبة الواقعة عند بداية السفوح الشمالية الشرقية للضفة الغربية، أخذت نصيبا كبيرا من التغطية الإعلامية بعد أن هدد جيش الاحتلال الاسرائيلي بهدمها مرات كثيرة.
واقف أمام شقة صغيرة بنيت حديثا بمساعدة شبكة أمان دولية، ترأسها منظمة اهلية أميركية، يشرح الشاب قبل ساعات قليلة من زفافه، كيف ساهم مئات من الدوليين في بناء المنزل وهو واحد من 30 يتحمل تحالف إعادة البناء الذي تقوده الأميركية دونا بارانسكي تكاليف تشييدها بمساعدة السكان.
'انتهى كل شيء تقريبا. بني المنزل وغدا سنقضي فيه انا والعروس أول ايامنا'. قال صادق.
العقبة المحاطة بجبال صخرية وتطوقها الأودية ونقاط التفتيش الاسرائيلية أفرغت من سكانها عام 1967عندما هاجمها الجيش الاسرائيلي وطردهم خارجها، لكن قبل عقد من الزمن بدأ البعض بالعودة اليها والتعمير من جديد، تحت طائلة الهدم المستمر.
لذلك عندما سعت عائلة صادق للبناء بغية اتمام عرس صادق واجهت الكثير من المخاطر، إلا أن تدخلا دوليا قادته بارانسكي جعل الأمل متاحا. وتحاول المنظمة بمساعدة دولية فرض الواقع في المناطق المصنفة(ج) بإعادة بناء منازل للسكان الذين تم تهجيرهم عام 1967.
في المساء تتردد أصوات زوار يتحدثون لغات مختلفة في قرية ريفيه صغيرة، وفي الليل تطغى أصوات الموسيقى والدبكة الفلسطينية على كل شيء. وتمنع اسرائيل الفلسطينيين من البناء في القرية، وهدمت أكثر من مرة المنازل وجرفت الطرق التي تربطها في المحيط، إلا أن القائمين على فكرة إعادة البناء، تحملوا مخاطر هاجس أن تهدم بيوت العمر.
ذاتها بارانسكي التي تتخذ من سان فرانسيكو مقرا لعملها حضرت إلى المنطقة منذ أسابيع للوقوف على وضع اللمسات الاخيرة لإتمام عملية البناء. وصادق الذي يعمل على المعابر الحدودية هو أول المستفيدين من بناء المنازل في المناطق المصنفة (ج).
قالت دونا ' هذه قصه يجب أن تكتب بالدموع.العقبة قصة باتت معروفة في كل العالم'. واقفة على سفح جبل يطل على امتداد غائر في الأرض يشكل الجزء الشمالي من غور الأردن، وهي المنطقة التي تسعى اسرائيل لإفراغها من سكانها الفلسطينيين، أمكن لبرانسكي أن تطلع الزوار على خططها المستقبلية في حشد الدعم الدولي لبناء المزيد من المساكن يصل عددها الى نحو 30 منزلا.
ومن سطح منزل صادق ذي الـ140 مترا، تظهر القرية منكمشة على نفسها، صغيرة هادئة، لكن أيضا يظهر العمق الجغرافي الواسع الذي تمنع اسرائيل البناء فيه.
وقالت بارانسكي' تحملنا المخاطرة في البناء. ليس هناك اي ضمان لمنع الاسرائيليين من الهدم(...) لكن على الأقل ليس هناك إنذار بالهدم حتى الآن'. يردد المعنى ذاته صادق.
كانت فكرة البناء وفرض الأمر الواقع في القرية بدأت عام 2003عندما دشنت المنظمات الدولية وأهالي القرية بناء رياض أطفال. وقالت بارانسكي فيما كانت تشير إلى بناء جميل' منذ اللحظة التي فكرنا فيها ببناء رياض الاطفال، حلمنا بهذا اليوم'.
واليوم تجمع عشرات السكان من القرية وآخرون لبوا دعوة المشاركة في العرس الوطني كما وصفته دعوات الفرح التي وزعت الكترونيا. قالت دونا' كان حلما. أصبح حقيقة. حقيقة على الأرض.
'هذا اول بيت بني ليبقى. هذا أول زفاف فلسطيني بهذه الطريقة(..) لا هذا أول زفاف في كل العالم بهذه الطريقة. لقد شارك اكثر 1000 شخص من مختلف دول العالم في التحضير لهذا اليوم' أضافت دونا في إشارة منها إلى المساعدات المالية التي قدمها دوليون للمساهمة في بناء المنزل.
امس كانت 'ليلة الحنة'، وشارك دونا ودوليون آخرون عائلة صادق أول ايام الفرح.' لقد حملنا 'الحنة' وعبرنا الحاجز ومررنا من منطقة المالح التاريخية باتجاه بيت العروس.
وقال صادق متندرا' أنا من منطقة (ج) والعروس أيضا من المنطقة نفسها. أنا سأتزوج من منطقة تحمل تصنيف مشابه لمنطقتي'. وتمنع إسرائيل الفلسطينيين من البناء وإقامة البنية التحتية في المناطق المصنفة(ج) منذ اتفاقيات أوسلو.
وتسعى منظمة تحالف إعادة البناء إلى دفع المنظمات الدولية الأخرى إلى المشاركة في عمليات البناء في منطقة (ج)، وبارانسكي ذاتها التي تنقلت خلال السنوات الماضية بين العقبة وسان فرانسيسكو تحاول كما تقول دفع الحكومة الأميركية للمشاركة في عمليات البناء في هذه المناطق.
لكن بالنسبة للعروسين صادق وليما، ومواطني القرية الذين منعوا من البناء لسنوات طويلة، فان الأحلام أكبر من التمنيات السياسية. مشيرا إلى ألوان جدران منزله البنية الفاتحة قال صادق' الحياه اصبحت وردية أكثر. الاحلام تتحقق'.
لكن أي ضمان حقيقي لضمان هذا الحلم، ليس أكيدا، فقد يأتي يوم وتهدد فيه القوات الاسرائيلية بهدم منازل الأحلام في محيط القرية التي تشهد نزاعا منذ أكثر من عقد مع القوات المحتلة في المحاكم الاسرائيلية لتحديد مناطق البناء فيها.
وغالبا ما تترد أصوات انفجارات القذائف في محيط 'العقبة' بعد كل عملية تدريب يجريها جيش الاحتلال.
يظهر سامي صادق وهو رئيس مجلس المحلي في القرية يقود مقعدا متحركا بعدما أصيب بشلل نصفي عندما اخترقت جسمه رصاصات عدة أطلقت خلال التدريب في سبعينات القرن الماضي.
وقال سامي، الذي بنى مع بارانسكي والعديد من الممثليات الغربية ما يشبه شبكة أمان أحيانا حالت دون هدم الجيش لمنازل قريته' هذا ليس عرسا فقط. هذه إرادة الحياة'.
وحول سامي يتحلق العديد من الشبان الذين كان ينتظرون اشارة فني (الدي جي) للبدء في حلقات الدبكة. وتظهر ابتسامة بارانسكي كلما اخذ فني الكهرباء الموسيقي في تصحيح مسارات الضوء على ساحة الدبكة.
' اه.الحلم يقترب. أخيرا يتحقق بمساعدة العالم' قالت المرأة.
ــــــــــــ