حلوى الغائب- رشا حرزالله
وهي توزع الحلوى طافت أم ضاحكة باكية على الحاضرين، تلفتت يمينا وشمالا، وتمتمت: 'هل نسيت أحدا'، هل بقي أحد لم يتحلَّ؟.
طال تأمل الحضور في فرح والدة الأسير ناجي عرار (32 عاما)، وهي ترد على تهاني الحاضرين، 'الحمد لله على سلامة ناجي يا أم ناجي'، والأمنية ذاتها جالت فيما بينهن 'عقبال ولادنا يطلعوا ونفرح'، قبل أن يصبن بذهول ما أخبرتهن به 'أن هذه الحلويات هي لمناسبة استئصال ورم من رقبة ناجي في مستشفى سوروكا العسكري'.
تجد الأمهات في ساحة الصليب الأحمر المحاطة من كافة نواحيها فرصة لكل شيء، البكاء والضحك وتبادل أخبار من غيبتهم الزنازين الباردة.
لا تعرف ام ناجي كل شيء عن صحة ابنها المحكوم 18 عاما في سجون الاحتلال، أمضى منها 4 سنوات، فهي لم تراه بعد إجراء العملية منذ آذار الماضي، ولكنها تعيش على ما تبقى لديها من أمل في أنه تماثل للشفاء.
تفاجأت الأمهات بوقع الخبر، وسرعان ما تحولت التهاني بالحرية إلى مواساة ودعاء بالشفاء.
بعد العملية تداولت أحدى صفحات التواصل الاجتماعي 'الفيس بوك' خبر استشهاد ناجي، وبالصدفة قرأت شقيقته الخبر، فضربت الأم كفا بكف وبكت ونحبت، لكنها تشبثت بالدعاء عسى أن يكون ما نشر مجرد تكهنات.
'جميع من في المنزل، والده وشقيقاته قبضوا على قلوبهم بانتظار الخبر، ومع كل رنين هاتف كنت ارتجف بطريقة شعرت معها أن نبض قلبي يكاد يتوقف، إلى أن تم إبلاغنا أن الخبر كاذب، ومرت فترة لم أسمع أي خبر عنه، وعلى حين غرة رن هاتفي، دون وجود رقم، لا أدري كيف نطقت يومها 'ألو يما ناجي هاد انت'؟، على أمل أن يكون هو، وكان ما ارادت، هو ناجي 'اه يما أنا ناجي اشتقتلك يما'، قالت الأم.
تمكن ناجي من الاتصال بها بالخفاء، ليتها استطاعت التسرب إليه عبر الهاتف، قالت له: 'يا ريت يما أشيل وجعك وأخفف عنك، يا ريت يما أتحسس جرحك وأحكيلك الحمد لله على السلامة، يا ريت يما الوجع يوصل قلبي ولا إنت، تمرمرت عليك يما يا ناجي'، مؤلمة الحياة حين تستعصي على الفرح.
الثاني من آيار عام 2007، الرابعة عصرا، واحد من الأيام الصعبة التي مرت على والدة الأسير، فهي لا تجد وصفا أقل من ذلك، بعد أن ضاقت السبل بولدها، ولم يجد مكانا يؤويه من خيارين لا ثالث لهما إما الموت أو السلاسل.
حينها، غلب على الأسير ناجي المنحدر من قرية قراوة بني زيد القريبة النعاس، أراح جسده داخل إحدى المركبات في منطقة أم الشرايط في رام الله، وعلى حين غفلة باغتته سيارة تبيع الخضار تواجد فيها عدد كبير من جنود الاحتلال المدججين بالأسلحة، طوقوا السيارة واعتقلوه، ونقلوه إلى تحقيق 'المسكوبية'، قبل إصدار حكم عليه بالسجن 18 عاما.
من يرى ام ناجي (56 عاما)، يرى في ملامحها المرأة العجوز، التي شارفت على إنهاء السبعين، هكذا هن أمهات الأسرى نصف عمرهن بكاء والنصف الآخر حلم لقاء.
تمت ملاحقة نجلها من قبل الاحتلال مدة 4 سنوات قبل أن يتم اعتقاله، ومنذ بداية دخوله السجن بدأ يشعر بالمرض والتعب، وبعد عامين من الشكوى تم أخذ خزعه من منطقة الورم، تبيّن بعدها حاجته لإجراء عملية استئصال، وقبل إجراء العملية ذهبت الأم لزيارته، فلم تحتمل عيناه رؤيتها تهان من دخيل يحرسه منها، انتقم لوالدته عبر ضرب أحد الجنود القريبين منه، غير مكترث بما سيأتي، ليكون العزل في الزنزانة بانتظاره.
خلف قضبان الحديد، يعيش أكثر من 5 آلاف أسير، من بينهم نحو 1000 أسير مريض، و160 مصابون بأمراض مزمنة، كذلك هناك ستة أسرى في عيادة سجن الرملة يعانون من أوضاع صحية خطيرة بعضهم على كرسي متحرك، إضافة إلى 25 أسيرا مصابا بالسرطان.
ــــــــــــــــــــــــــــ