اللاجئون الفلسطينيون من مخيم اليرموك يفرون من سوريا الى لبنان ويروون حكايات معاناتهم
نشرت صحيفة "ذي اوبزرفر" البريطانية التحقيق الصحفي الذي اعده مراسلها في بيروت مارتن شولوف وتناول فيه معاناة الفلسطينيين الذين لجأوا الى سوريا من فلسطين، وها هم يلجأون منها الى لبنان وقد حملوا ما قل حمله وغلا ثمنه، ان صح هذا التعبير. وفيما يلي نصه:
ناءت ام سمير بحمل كيس من البلاستيك يضم ملابس وبقايا طعام تمكنت من انقاذه من بين اطلال منزلها وسارت حثيثا مع شعاع النور الذي يسبق الفجر في رحلتها الثانية الى المنفى خلال 68 عاما.
ومنذ ذلك الوقت وفي ايام مختلفة، شقت طريقها من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق الى بيروت، حيث تواجه اليوم الحقيقة المرة لتكون لاجئة مرة اخرى، ولا تزال تحمل حلم العودة الى مدينتها التي ولدت فيها واضحت اكثر بُعدا من اي وقت مضى.
قالت وهي في قبو صغير لا يدخله الهواء داخل مخيم صبره شاتيلا في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، حيث سعت عائلتها قبل ثلاثة ايام الى ان تجد فيه الامن والامان "كنت اعتقد دوما انني لن انتقل من اليرموك الا للعودة الى فلسطين. لكنني اجد نفسي الان في هذا المكان".
وفي تلك الباحة، كانت ابنة ام سمير وزوجها وخمسة من اطفالها العشرة، يفترشون الارض بصمت. اما والد الاطفال أبو سمير فقد انحنى ظهره ويجاهد لالتقاط انفاسه، بينما ام سمير تنتقل سريعا بين الغضب والتأسي.
قالت ام سمير عن الحصار المقيت لمخيم اليرموك حيث الكثير من الباقين يتضورون جوعا حتى الموت احيانا "لم أكن اتوقع هذا على الاطلاق. ما كنت لاظن ان النظام (السوري) سيفعل هذا ضد شعبنا. لقد سقط القناع. وبامكاننا ان نشاهد بوضوح كيف استخدمونا".
وعلى مدى الاسبوعين الماضيين، التي خضع فيها مخيم اليرموك للحصار، فان المخيم الذي اقامته سوريا لاكثر من أربعة عقود رمزا لالتزامها بالقضية الفلسطينية، وصل الى الدرك الاسفل. ورأي اخرون، من امثال ابو سمير وعائلته، ان المخاطرة بالهرب نحو الحدود التي تخضع لحراسة مشددة هو افضل من مغامرة البحث عن المخلفات في المباني المهجورة والمزارع المنهوبة.
قال ابو سمير "بدأنا المسيرة في مجموعات صغيرة، الا ان خمسة من ابنائنا بقوا هناك. كانت هناك خطورة كبيرة على اصطحابهم". وعن قراره بالمغادرة قال "كنا سنموت، ولم يكن لدينا اي خيار".
والمأساة القاتلة بالنسبة لمن بقوا هناك ظهرت الاسبوع الماضي عبر نداءات من وكالة تشغيل واغاثة الامم الممتحدة (اونروا) وتقارير صحيفة "ذي اوبزرفر"، حيث ان ذلك كشف عن مدى ما تكشف عنه المأساة بشكل صارخ فيما طالب مجلس الامن الدولي اخيرا بوصول المعونات الانسانية الى جميع الذين ارهقتهم الحرب السورية التي لا تتوقف.
وفي الاسبوع الماضي وبعد نداء من الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، تغيرت الامور في اليرموك، ووصلت كميات الاغذية الى بعض الذين يحتاجون اليها لاول مرة منذ 15 يوما.
غير ان التموين الجديد لم يصل الى جميع المحتاجين اليه. وقال احد سكان اليرموك الذي طلب عدم الكشف عن اسمه وكان صوته خافتا يسمع بصعوبة عبر الهاتف يوم الجمعة "انه كابوس. امضينا اربعة اشهر لا نأكل الا الارز والحشائش والفجل والخضروات".
وعندما سئل عن سبب عدم مغادرته المكان، قال "اذا قبض علينا، فانهم يسلموننا الى فرع فلسطين (لدى المخابرات السورية). ومن يذهب الى هناك لا يرجع. واذا امكنه العودة، فانه يولد من جديد. لقد اختفى عدد كبير من الناس".
وقالت ام ابرهيم، وهي الام الحاكمة لعائلة اخرى في اليرموك وصلت الى صبرا وشاتيلا في الاسابيع الاخيرة، ان ايران وسوريا "تدعيان انهما ضد اسرائيل" لكن ذلك خدعة. فمرتفعات الجولان ظلت صامتة لفترة طويلة؟ والمقاومة الفلسطينية التي اعتادت العودة عبر لبنان لمقاتلة اسرائيل، لا يسمح لها بالمرور في الاراضي السورية. حتى الطيور لا يسمح لها بالطيران فوق سياج الحدود".
يكاد الذين فروا من اليرموك لا يشعرون انهم في وطنهم داخل لبنان، ولا تريدهم سوريا. ويُمنح القادمون الجدد تأشيرة لمدة اسبوع، وعليهم مراجعة السلطات او دفع غرامة قدرها 200 دولار، القليل منهم لديه ذلك المبلغ. وبيما تقوم اونروا ومنظمات المعونة الاخرى بتقدم شيء من المعونة الغذائية ومكان للاقامة، فان الاحوال اكثر سوءا هنا في بيروت مما كانت عليه قبل الحرب السورية.