صور- عبد الله وشمسة الشعبي نجيا من تحت تحت ركام الاجتياح عام 2002 لكنهما يعيشان بقبر الحياة
عزيزة ظاهر -بين أزقة البلدة القديمة وتحديدا في حي رأس العين وفي بيت لا اعرف هل اسميه بيتا أم كوخا أم قبرا أم ... فهو لا يصلح حتى أن تسكنه دجاجة يفتقر إلى ابسط مقومات الحياة حيث رائحة الرطوبة تفوح في زوايا الغرفة رطوبة قاتلة لم استطع حتى المكوث في الغرفة أكثر من دقائق والصور التي ستعرض في التقرير هي خير شاهد على وصفي له هناك وقرب النافذة تجلس شمسة الشعبي ( 78 ) عاما على سريرها تستذكر ما حصل معها قبل اثني عشر عاما بعد أن أصيبت بصدمة نفسية وشلل نصفي فهي لم تعد تقدر على المشي منذ ذلك اليوم المشؤوم ، في تلك الغرفة لا يوجد سوى كرسي وسريرين وغاز قديم جدا بالكاد تستطع أن تميز انه غازا للطبخ وأدوات مطبخ قديمة وبالية ، حتى الثلاجة لا يوجد فيها أي شيء يستحق أن تدار لأجله ، فهل من المعقول أن يعيش شمسة وعبد الله الشعبي في مثل هذا البيت وهذا الفقر ؟ بعد معاناة كبيرة تحت الركام وبعد أن هدم منزلهم وبعد أن فقدوا عائلتهم وبعد أن أصيبت بشلل نصفي وأزمة نفسية ، وهل راتب الشؤون الاجتماعية 700 شيكل تصرف كل 4 شهور كافيا لتلبية احتياجات عبد الله وشمسة سيما أنها لا تغطي الأدوية والفوط الصحية التي تحتاجها الحاجة شمسة ؟
احد عشر يوما تحت الركام
" في عام 2002 وتحديدا في شهر نيسان كل شيء انتهى ، وضاع الأمل لنا في الحياة ، بهذه الكلمات استهل الحاج عبد الله الشعبي حديثه معنا متابعا وفي عينيه الم وحزن كبيرين " فوجئنا في ذلك اليوم المشؤوم بالجرافات الإسرائيلية وقد بدأت بهدم البيت علينا دون سابق إنذار ودون أن يطلبوا منا الخروج وبدا الردم يصل إلى الداخل فلم نعد نرى شيئا ، حاولت حينها الخروج أنا و زوجتي من البيت لكن لم نستطع فلا يوجد أي منفذ خاصة أننا كنا نسكن في الطابق الأرضي الأمر الذي جعل الهروب صعبا ، يضيف " بقينا محتجزين تحت الأنقاض لمدة احد عشر يوما وسط ظلام قاتم لم نميز حينها إذا ما كانت الدنيا ليلا أم نهارا وقد نفذ الماء والطعام ، ولولا عناية الله هي التي حمتنا سيما أنني أعاني من أزمة صدرية وضيق في التنفس " .
قضينا تلك الأيام ونحن نذكر الله ونهلل ونقول " يارب ابعث لنا ملائكة تساعدنا على الخروج من هنا ، في اليوم الأخير قالت لي زوجتي : " يا أبا طلال الإنسان يدفن عند موته أما نحن فقد دفونا أحياءا ، بعد ذلك بعدة ساعات قليلة سمعنا أحدا يطرق على سقف البيت ، في البداية حسبناهم الجيش الإسرائيلي سيكمل هدم البيت فوق رؤوسنا ، لكن سمعنا صوت شخص ينادي : " أبا طلال أنت حي أم ميت ؟ أجبته أنا حي بعدها فتحوا حفرة واسعة في سقف البيت وأخرجونا ونقلونا إلى مستشفى رفيديا ."
توقف الحاج عبدا لله للحظات محاولا أن يستجمع أنفاسه ثم تابع الكلام ، ودموعه تترغرغ في مقلتيه عندما تم إبلاغنا في المستشفى أن بقية أفراد العائلة قد استشهدوا جميعا تمنيت في تلك اللحظة لو أننا استشهدنا فالحياة بدونهم لامعنى لها .
بصعوبة أقنعنا الحاجة شمسة بالتحدث إلينا بعد أن أجهشت بالبكاء قالت : " أنا وزوجي أبو طلال عشنا وحيدين ، ولم ننجب أطفالا ، وكنت اعتبر سلفي سمير وأطفاله الثلاثة أبناء لي ، لقد كان هؤلاء الأطفال الشيء الجميل الوحيد في حياتي ، وبعد رحيلهم لم تعد الحياة تستحق أن تعاش " ومضت في موجة بكاء اخرى .
يتابع الحاج عبد الله سرد ذكرياته المؤلمة " كانوا يحاولون النجاة والهروب من جرافات الجيش الإسرائيلي فقد وجدت جثة أخي سمير تحت الأنقاض وهو يمسك بيده شنطة نسائية وبداخلها مجوهرات زوجته وملابس للأطفال ، وعلى بعد عدة أمتار قليلة منه كانت جثة أختي فاطمة على باب البيت وبين ذراعيها ابن أخي سمير انس 4 سنوات وقد سقط شعر رأسه نتيجة الردم وكان يعانق عمته ، وعلى يمين فاطمة والدي الحاج عمر كان عمره 85 عاما والى جانبه أختي عبير وهاتفها النقال مازال بيدها وعلى ذراعها الأخرى الطفل عبد الله ابن سمير 9 سنوات .
وأمامهم نبيلة زوجة سمير وكانت حامل بتوأم في شهرها السابع وعلى صدرها ابنها عزام 7 سنوات ،يتوقف الحاج عبد الله برهة من الزمن بعد أن مسح دموعه التي انسابت على وجنتيه وشهق شهقة مليئة بالحسرة والقهر " استشهدوا كلهم في متر مربع واحد وعلى باب البيت متعانقون ويحمون الأطفال وسطهم ويلبسون ثيابهم مستعدون للهروب من البيت لكن الموت كان أسرع من النجاة ، استشهدوا كلهم وبقيت أنا وزوجتي نتجرع حسراتهم "
وأشار الحاج عبد الله إلى أن زوجته التي حرمت من الأبناء كانت ترى في أبناء سمير عبد الله وعزام وانس الفرحة والأمل والبسمة وبعد أن حرمها شارون الذي أبحر على شاطئ دمائهم أصبحت تعيش أزمة نفسية وموجة حزن كبيرتين .
واستذكر الحاج الشعبي زيارة الشهيد ياسر عرفات لمكان الفاجعة في 13 أيار 2002 في جولته الأولى في الوطن بعد رفع الحصار عنه ، فكانت ملابس أفراد عائلة الشعبي ما زالت متناثرة تحت أنقاض المنزل حيث لم يتبقى منهم سوى أشلاء ملابسهم ، فقد تناول الرئيس رحمه الله يومها قطعة ملابس لطفل كان جزءا منها ظاهرا من الأنقاض ورفعها أمام وسائل الإعلام في مشهد بدا شديد التأثير .
رحل شهداء عائلة الشعبي ، ولم يبق لعبد الله وشمسة سوى ذكرياتهم مع شهداء عائلتهم ، ونصب تذكاري جمع صورهم في ساحة القريون ، ليبقى شاهدا عليهم ، عاشوا هنا وماتوا هنا .
والسؤال هنا ألا يستحقان عبد الله وشمسة أن يعيشان ما تبقى من عمرهم في بيت وظروف صحية وبيئية ونفسية أفضل ؟
عن بي ان ان
للصور اضغط هنا