من 'الكنّاس' إلى 'المكنسة'
عطاء الكيلاني
وسط بلدة روجيب جنوب شرق مدينة نابلس، يرسم مشغل الحاج صبري دويكات لصنع مكانس القش التقليدية لوحة تراثية تجمع بين أصالة الماضي ونقاء الحاضر، بداية من بنائه القديم وأبوابه العريضة، وصولا إلى ساحاته الممتلئة برزم القش والأدوات المتناثرة هنا وهناك.
منظر يعود بالزائر عشرات السنين إلى ذلك الزمن الجميل الذي خلفه الأجداد والآباء مروراً بأبناء حافظوا على هذه المهنة، من نبات 'الكنّاس' المتوفرة في سهول الضفة الغربية.
مشغل الحاج صبري تأسس عام 1981 واستمر العمل فيه ليترك بصمة الحفاظ على التراث للأجيال التي لم تعش الماضي، وليؤكد أن تلك الصناعة ليست كغيرها من الصناعات التي تلاشت في بلدة روجيب التي اشتهرت بالصناعات اليدوية.
قبل عشرات السنين كان في بلدة روجيب أكثر من 20 مشغلا لصناعة مكانس القش، واليوم لم يعد منها إلا مشغلين فقط، وانخفض الطلب على المكانس التقليدية بدخول المكانس البلاستيكية والكهربائية.
بيدين تغطيهما التجاعيد يفتتح دويكات (67 عاما) أبواب مشغله يومياً من الساعة السابعة صباحاً ليبدأ عمله بتجميع القش وتحضيره من أجل كسب لقمة العيش.
ويستخدم دويكات أدوات بدائية بسيطة تسمى حسب مسميات المهنة بمسلّة وقالب ومجيانة وخيطان، وكلها عبارة عن أدوات يدوية بسيطة.
وقال دويكات 'نعمل بهذه المهنة منذ أكثر من ثلاثة عقود وما زلنا نتمسك بها. نصنع يوميا ما يقارب 200 مكنسة وهو عدد قليل بالنسبة للماضي.. كنا نصنع أكثر من 800 يوميا'.
وأوضح أن مكانس القش تصنع من نبتة الكناس التي تزرع في سهول الضفة الغربية، ويحضره من البلدات ةوالقرى المجاورة كعورتا وبيتا وبورين ومادما وبيت فوريك، مشيرا إلى أنه يشتري سنويا نحو 20 طنا من أجل سد احتياجاته منها طوال العام، فهي لا تتوفر إلا في فصل الصيف.
ويلجأ دويكات أيضا إلى استيراد نبات شبيه بالكنّاس العربي من الصين وإيطاليا، لسد النقص في الإنتاج الزراعي المحلي الذي يتراجع بشكل مستمر.
ويصف مهنته بالقول: 'بالنسبة لي مثل أولادي اعتدت عليها ولا يمكن أن أتركها'.
ويصل طول مكنسة القش حوالي متر ويبلغ سعرها خمسة شواقل (دولار ونصف).
ويسوّق دويكات إنتاجه من المكانس في محافظات الضفة الغربية، وكان في السابق يصدّرها إلى المملكة الأردنية الهاشمية إلا أن الاحتلال منع التصدير منذ العام 1990.
وقال: يتم صنع مكانس القش بطريقة يدوية حيث يتم نقع القش بالماء لدقائق قبل يوم من صنعه، ثم توضع الحشوة، سواء كانت من القش البلدي أو الأجنبي، ليتم ربطها بأربعة أسلاك من العنق ليسهل مسكها، ثم يتم قطع الأطراف الزائدة بقطّاعة خاصة لكي تظهر بأفضل شكل.
واعتبر دويكات أن روح العمل والتعاون هما السبب بحفاظهم على هذه الصنعة، مشيراً إلى أنه يعمل هو وإخوته وأبنائهم يدا واحدة، وأن لهذه المهنة الفضل الكبير في تحسين دخلهم وتعليم أبنائهم في الجامعات.
وأضاف: 'مكانس القش أكثر قبولا في الأرياف، وخاصة قرى الخليل، أكثر منها بالمدن التي تستخدم مكانس البلاستيك التي غالبا ما يكون الطلب عليها أكبر'.
ويطمح دويكات من خلال مواظبته على هذه المهنة أن يحافظ عليها بصفتها تراثا توارثه عن الآباء والأجداد.