الرسم بالكلور
رام الله – لورين زيداني
على قماش قطني أسود، تتمايل فرشاة مجاهد خلاف حتى يبرز فوق تلك القطع لون نحاسي. هذه الحالة الفنية الفريدة مصدرها 'الكلور'، ذاك المنتج المتوفر في الأسواق كمادة شاحبة خطرة معقمة للجراثيم، الذي تماهى مجاهد معه، ليعبر من خلاله عن عديد من الأفكار السياسية والوطنية والاجتماعية.
'عام 2010، تلطخ أحد قمصاني بالكلور وأفسد شكله، وعندما حاولت إصلاحه بالرسم بالكلور أصبح أجمل'، هكذا كانت بداية خلاف مع الفن الجديد.
سهولة الحصول على الكلور علاوة على رغبة مجاهد في التجديد والإبداع لإيصال رسائله إلى العالم، جعلته يستخدم تقنية الرسم بالكلور على مساحات صغيرة، مستعينا بأدوات بسيطة، بدءا بالمسمار إلى القطن، حتى أعواد الأسنان والأذنين، قبل التمكن التام من التحكم بالكلور من خلال فرشاة الرسم.
يرى خلاف أنه أعطى الكلور معنا جديدا، يتمثل باللمسة الفنية بدلا من الأذى، ويضيف: 'الكلور مادة تعقيم وتنظيف، والأفكار التي أعبر عنها قد تكون مدخلا للتغيير في العقول إلى الأفضل، كما أن الرسم على الملابس يعني أن أتواصل مع الناس. جيد أن ترى أحدهم يرتدي قميصا يحمل أفكارك ممثلة برمز فني'.
الشهداء، و الأسرى، وفلسطين التاريخية، وغيرها من الرموز الوطنية والقضايا المجتمعية، تمثل محاور الفن الذي يقدمه مجاهد، إلا أنه يصب تركيزه على موضوع جدار الضم والتوسع الإسرائيلي أكثر، إذ يرى أن الرسم على الجدار يعتبر تزيينا وقبولا وتأقلما مع فكرة دخيلة، الهدف منها فصل أبناء الوطن الواحد عن بعض.
يختار الحجر المناسب فينظفه ويقصه لقطع صغيرة، يرصها واحدة تلو الأخرى جنبا إلى جنب، لتشكل سوية لوحة متميزة من 'الفيسفساء'، فن وسعه وطوره بمجهوده الشخصي، لينشره لشباب وشابات 19 مخيما، إلا أن التكاليف المادية وضيق ذات اليد جعلت مشروعه يقتصر على ثلاثة مخيمات فقط.
تقول أماني فوزي إحدى المشاركات من مخيم الجلزون: 'إنها تجربة مميزة. العمل بالفسيفساء جميل ويحتاج إلى الدقة، حتى أنني استغرق في اللوحات أياماً طويلة إلى أن أنجزها. أفكر بتطوير ما تعلمته مستقبلا في حال سنحت الفرصة'.
فراس حسين شارك هو الآخر في ورشة مخيم الجلزون، تنبع أهمية هذا الفن لديه من أن الحجارة المستخدمة في لوحات الفسيفساء فلسطينية، ويمثل استخدامها شكلا من أشكال النضال والدفاع عن الأرض، من خلال الحفاظ على الهوية الوطنية من الطمس والضياع والسرقة'.
يدمج مجاهد خلاف رسائله الفنية الوطنية مع تخصصه الأكاديمي في مجال الصحافة، خاصة بالتعامل مع مؤسسات إعلامية أجنبية، وعلى رأسها 'المركز الثقافي الاسباني'، إذ ينبري ليسهل عمل طواقمها ووفودها ويرفدهم بمعلومات عن فلسطين.
الكلور، أو ما يعرف بـ'خلوروس' بالإغريقية، موجود في الطبيعة منذ اكتشافه عام 1774 على شكل غاز؛ استخدم سلاحا قاتلا في الحرب العالمية الأولى، وتحديدا في 22 نيسان (أبريل) 1915، عندما قام الجيش الألماني بإطلاق كميات كبيرة من هذا الغاز من اسطوانات مخزنة في الخنادق، على مدينة ايبري البلجيكية، إلا أن 'المخضرّ الشاحب' كما يسمى، تحول بيد مجاهد إلى مادة فنية غير مألوفة، تفتح أمامه أفاقا واسعة، تتمثل في عرض أعماله التي تحاكي الوطن بمختلف جوانبه، قريبا في متاحف ست دول مختلفة.