حكومة الخداع والرفض الإسرائيلية - غازي السعدي
صفعة جديدة ومدوية تلقاها رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو"، تدحض كذبه وخداعه بأن الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" يتهرب من المفاوضات، ومن عملية السلام، متهماً "عباس" بأنه لا يريد السلام، مستشهداً بأن من يريد السلام لا يتحد مع حركة حماس التي تدعو لتدمير دولة إسرائيل، "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وأن رفض الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، هو أساس الصراع حسب زعمه، لكنه يتجاهل الاستيطان، ومصادرة أراضي الفلسطينيين، والممارسات اليومية ضدهم، وهو الذي يتهرب من إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية، ولم يقل كلمة واحدة حول مطالباته من الفلسطينيين، وما هو مستعد لتقديمه من الاستحقاقات المشروعة للفلسطينيين إذا استجابوا لطلباته، فالصفعة تلقاها من الرئيس "شمعون بيرس"، الذي قال في مقابلة مع القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي قبل أيام، بأن "نتنياهو"، ألغى صفقة للسلام توصل إليها "بيرس" مع "عباس" عام 2011، بعد محادثات سرية أجريت في الأردن، فمسودة الاتفاق عالجت جميع القضايا تقريباً، وفي رام الله أكد مسؤول فلسطيني رسمي صحة أقوال "بيرس"، وعرقلة "نتنياهو" لهذا الاتفاق قبل ثلاثة أعوام، ففي مؤتمر حزب الليكود قبل أيام، ولتعزيز قيادته المهزوزة لحزبه، اتهم "نتنياهو" مجدداً "عباس" برفضه للسلام، وأنه سيعمل شخصياً على إقرار دولة إسرائيل القومية للشعب اليهودي، مع وجود معارضات وخلافات إسرائيلية لهذا الإقرار، فالصفعة جاءت هذه المرة من المسؤول الإسرائيلي الرئيسي رقم (1)، فـ "نتنياهو" رافض للسلام أيديولوجيا ومن أجل استمرار سيطرته على حكم إسرائيل. ولتكريس زعامته وحكمه، بعد أن فشل في انتزاع اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة، وللالتفاف على هذا الموضوع، فإنه يعمل من خلال حكومته ومن خلال الكنيست لإقرار مشروعه بأن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي القومية، وذلك لمنع حكومته من الانهيار لاعتماده على من هم أكثر تطرفاً منه، وللعب بمشاعر الإسرائيليين توجه "نتنياهو" مؤخراً في خطاب وصفه بالتاريخي، ألقاه من مبنى ما يسمى بـ "هيكل الاستقلال" في تل-أبيب، هذا الهيكل الذي وقف فيه "دافيد بن غوريون" أول رئيس حكومة إسرائيلية، قبل (66) عاماً، ليلقي خطابه والإعلان عن إقامة دولة إسرائيل، فـ "نتنياهو" وقف أيضاً في هذا المكان، ليصف نفسه بالزعيم التاريخي المشابه لـ "بن غوريون"، ليعلن من هذا المكان عن مشروعه بيهودية الدولة، ليعطيه ثقلاً تاريخياً، ومع أنه لم يعط تفسيراً لمعنى يهودية الدولة، إلا أن ما يتسرب من معلومات بأن حدود إسرائيل ستكون من البحر إلى النهر، هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وأن تشريع القانون سيعيد إسرائيل إلى المسار الصهيوني الحقيقي، مما يمس بحقوق المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، ويمهد الطريق لضم الأراضي الفلسطينية للدولة العبرية، وربط المفاوضات مع الفلسطينيين باعترافهم بيهودية الدولة ويهدد مصير أكثر من مليون ونصف مليون من مواطني الداخل، وفقاً لما قاله "نتنياهو" بأنه لا يجوز التهديد بالدولة ثنائية القومية، إذا ضمت إسرائيل الضفة الغربية، والقبول في نفس الوقت بالدولة ثنائية القومية داخل إسرائيل نفسها عبر وجود الفلسطينيين، وترشحهم للكنيست، نتنياهو يسعى من وراء إعلان "يهودية الدولة" لحرمان الفلسطينيين من الحقوق الديمقراطية و إسقاط حق العودة، ووضع مدينة القدس بما فيها المسجد الأقصى، والأماكن الدينية الأخرى تحت السيادة الإسرائيلية، وإضفاء المشروعية الدينية والتاريخية على الرواية الصهيونية بأحقيتها لفلسطين، والتنصل من الرواية والحقوق الفلسطينية المشروعة والقانونية، وهيمنة اليهود على كل الأراضي الفلسطينية، لمنع إقامة الدولة الفلسطينية، ويقول "نتنياهو" لا دولة أخرى بين البحر والنهر سوى إسرائيل، فالتوجه الإسرائيلي الحقيقي العنصري الذي يعتمد على التطهير العرقي، أصبح السياسة الإسرائيلية الحقيقية والمعلنة لإسرائيل. إن الحملة التي يقودها "نتنياهو" ضد الشعب الفلسطيني وقيادته، يحاول تسويقها لأبناء جلدته، بأساليب الكذب والخداع، فالمجتمع الإسرائيلي يتعرض إلى "غسيل دماغ"، بأسلوب وزير الإعلام الألماني النازي "غوبلز"، بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والرئيس الفلسطيني، وأن اليمين الإسرائيلي يسيطر على الخطاب العام في إسرائيل، فوصف "عباس" من قبل أحد الوزراء الإسرائيليين، بأنه الزعيم الإرهابي الأكبر في العالم، بينما وباعتراف قيادات إسرائيلية، سياسية وعسكرية، أن "عباس" خرج بشجاعة ضد العنف، والصواريخ العبثية، والانتفاضة المسلحة، لكن مثل هذه الأقوال تتغلغل في عقول الإسرائيليين، من خلال ماكينة الإعلام الإسرائيلية، أدت إلى إشغال الإسرائيليين بحياتهم اليومية، لكن ليس جميع الإسرائيليين، والمقصود من هذه الاتهامات تحذير الرأي العام الإسرائيلي. رئيس الكنيست السابق "ابراهام بورغ"، يعارض بشدة تعريف إسرائيل كدولة يهودية، موضحاً أنه يجب أن يكون نظامها علماني، ديمقراطي، مدني ومتساوي، مع الفصل التام بين الدين والدولة، وهي تعود لكل مواطنيها، فـ "نتنياهو" لا يشرح المقصود بالدولة اليهودية، وهو يريد تحويل إسرائيل من دولة الإسرائيليين إلى دولة اليهود، أي دولة دينية. هناك عاصفة في المجتمع الإسرائيلي، وردود فعل مختلفة في أعقاب إصرار "نتنياهو" على إقرار مشروع الدولة اليهودية، فوزيرة العدل الإسرائيلية "تسيفي لفني"تعارض هذا المشروع الذي تعتبره يمس بالأسس الديمقراطية الإسرائيلية مؤكدة أنها لن تسمع بتمرير هذا المشروع، الذي يتعارض مع وثيقة الاستقلال التي تشكل أساس وجود إسرائيل، على حد قولها، وتضيف: أنه سيمس بمكانة المواطنين العرب وباقي الأقليات في إسرائيل، ويشوه صورة إسرائيل في العالم، أما رئيسة حزب ميرتس "زهافا غلؤون"، فقد اعتبرت أن الأمر يتعلق بدعاية إعلامية-حزبية لصالح "نتنياهو" وحزبه، وأنه لن يساعد إسرائيل في أن تكون دولة الشعب اليهودي، وزعيم حزب العمل "اسحاق هرتسوغ" يتهم "نتنياهو" بالتهرب من القضايا الهامة التي تواجه الإسرائيليين، من أجل الحفاظ على ائتلافه الوزاري اليميني، والوزير السابق البروفيسور، "امنون روبنشتاين"، الخبير في القانون القضائي يعتبر مشروع "نتنياهو" يحمل في طياته تغييرات درامية جداً بالنسبة للمواطنين العرب في إسرائيل، وسيثير ثائرتهم، وهو قانون ضار لإسرائيل من جميع النواحي، في هذه المرحلة الصعبة لمكانة إسرائيل السيئة للغاية دولياً، ويضعف إسرائيل داخلياً وخارجياً، ويقول المؤرخ الإسرائيلي "زئيف شتيرنهيل" أن مطالبة الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة أي أن عليهم الاعتراف بهزيمتهم تاريخياً، ويطالب العالم الحر بإنذار إسرائيل- والقول للمؤرخ:" أوقفوا هذا المشروع، وأوقفوا سياسة الاستيطان والضم، كي لا تكونوا منبوذين في العالم"، وتحت عنوان سيدي رئيس الحكومة، وجه مراسل الإذاعة العبرية بتاريخ "4-5-2014" إلى نتنياهو الأسئلة التالية: هل القانون الذي تعمل على إقراره يبشرنا بضم الضفة الغربية لإسرائيل؟ وماذا بالنسبة للبند "1-ج" من مشروع القانون، الذي ينص على أن إسرائيل وطن الشعب اليهودي ومكان إقامة دولة إسرائيل، كل أرض إسرائيل؟ والبند العاشر ينص على أن التاريخ العبري هو التاريخ الذي يجب على الدولة استخدامه؟ والبند "13-أ" ينص على أن القضاء العبري سيكون مصدر الوحي للمشرعين؟ هل تقصد سيدي رئيس الحكومة أن تقول أن ما ورد في التوراة العين بالعين؟ وهل ستكون رسائلك إلى الأميركيين حسب التاريخ العبري الذي لا يفهمونه؟ أشكرك سيدي الرئيس إذا تكرمت بالإجابة على هذه التساؤلات وغيرها من الأسئلة الكثيرة. جريدة "هآرتس 5-5-2014" قالت في افتتاحيتها، أن هناك تشكيكاً جوهرياً في سياسة إسرائيل وحكومتها برئاسة "نتنياهو" في العالم، فالاحتلال والاستيطان والقوانين العنصرية ستؤدي إلى نظام "الابرتهايد" الذي سيلحق بإسرائيل ضرراً شديداً ويؤثر على شرعيتها، وأفضل ما نختتم به هذا المقال، ما قاله النائب العربي في الكنيست "د. أحمد الطيبي"، أن هذه البلاد هي بيتنا القومي، رغم محاولة "نتنياهو" التأكيد على طابعها اليهودي، مع تشويه مخجل للتاريخ، والسؤال: من هو الرافض للسلام إن لم يكن "نتنياهو".