من عمود الخيمة إلى حائط الفيس بوك- ثائر ثابت
من مقدمة كتاب "حياة الصورة وموتها" للكاتب ريجيس دوبري، أقتبس هذه الحروف: "في يوم من الأيام، طلب أحد أباطرة الصين من كبير الرسامين في القصر محو الشلال الذي رسمه في لوحة جدارية، لأن صوت خرير الماء كان يمنعه من النوم". ومنذ عام النكبة حتى ذكراها السادسة والستين ما زال صوت الشلال هادراً في مخيلة المستعمر الإسرائيلي ككابوس يؤرقه ويُذكره بجريمة طرد وتهجير قسري بحق الورثة الشرعيين للبلاد السليبة، وعلى الرغم من كل محاولات تحطيم وتفريغ جمجمة الوعي الفلسطيني، إلا انها تبقى مقاومة وتختزن في جوفها الكثير من صور الوجع، ورائحة البلاد المنفية، والحنين للبحر، والحبيبة الأولى، ونوارس الميناء، وعتبة البيت الحجري المطل على بيارة الليمون وغيرها من الذكريات.
وفي ذكرى النكبة المتجددة، تبقى الرموز من أقوى الدلالات الحاضرة في كل مناسبة أو أية طقوس احتفالية، وبلغة السيميولوجيا، أي علم العلامات أو الرموز، فإن حقل النكبة يشكل فضاءً لهذه الرموز التي تجسد معاني ورسائل تعبر عن إرث ثقيل تتوارثه الأجيال، خوفاً من النسيان والاندثار، والتشبث بالهوية الوطنية الفلسطينية التي برزت ملامحها في مرآة التاريخ، بشكل جلي، منذ العام 1948 ومن ثم تتالت الأسئلة الصعبة حول معنى الضياع والهزيمة والبحث عن وسيلة الخلاص وانتزاع الحق وحماية هذه الهوية.
وخلال جولة قصيرة في أي بيت فلسطيني خاصة في مخيمات اللاجئين، يمكن أن تشاهد هذه الرموز وتقرأ معانيها دون تأويلات معقدة وإسقاط نظريات أكاديمية؛ فالمفتاح هو الأكثر حضوراً؛ كونه يرمز للعودة، ولذاكرة الأجداد وللأبواب التي سُرقت أو تلك التي ما تزال ثقوبها تنتظر رجوع مفاتيحها، وللمفتاح أيضاً دلالات مهمة أكثرها أهمية هو الاحساس بالأمان والتملك والخصوصية. وهناك أيضاً كاريكاتير حنظلة، وخارطة فلسطين التاريخية، والخيمة وكواشين الأرض والأملاك، ورائحة البرتقال، والكوفية، والأثواب التقليدية، وصور العائلة بالأسود والأبيض، كلها تعبر عن "الضمير الجمعي" حسب مفهوم عالم الاجتماع الفرنسي (إميل دوركايم)، والذي يشير ببساطة إلى الهم المشترك والمواقف الموحدة والمصاب الواحد.
وعند الحديث عن هذه الرموز كان لا بد من استعراض لمواقع التواصل الاجتماعي؛ باعتبارها حيزاً افتراضياً يوفر مساحة من التواصل دون حدود وحواجز وتأشيرات، وأبرزها موقع (الفيس بوك) حيث يوجد عدة مجموعات تحاول أن تخلق حالة من التواصل بين الأجيال؛ بغية التعارف والتلاقي وهذا الواقع الافتراضي البعيد عن الواقع المادي مكن الشباب والعائلات الفلسطينية من بناء عالم جديد ليس في أزقة المخيمات وساحاتها الضيقة بل على حائط (الفيس بوك) الذي حمل مختلف رموز النكبة، حتى أن بعض الناشطين أطلقوا على مجموعتين مختلفتين الاسم ذاته (مخيم الفيس بوك للاجئين الفلسطينيين) وهذا بحد ذاته هو العالم الجديد الذي أوجدته النكبة، وعلى الرغم من ضعف المضامين التي تتضمنها هذه المجموعات إلا انها اقرب للتعبير عن قضايا وأحداث عامة كأخبار التضامن مع الأسرى ويوم الأرض، ومناسبات وطنية مختلفة، لكن فكرتها وتوظيفها للمزايا التفاعلية ومرونة الدخول والحديث قد يسهم في لم شمل اللاجئين الفلسطينيين في مختلف بلدان العالم.
ختاماً، وخلال تأملي في رموز النكبة لهذا العام، استوقفتني كثيراً صورة منشورة على جدران (الفيس بوك)، صورة لعمارة سكنية في مدينة حيفا تم التعليق عليها بعبارة :" في حيفا ... الإسرائيليون يعلقون العلم الإسرائيلي احتفالاً باستقلالهم الـــ 66 .. والفلسطينيون يضعون العلم الفلسطيني للحفاظ على فلسطينيتك يا حيفا...! وبين العلمين يفصلهما عمود اعتلته إشارة مثلث مروري في داخله رقم (66). وكأن هذا الرقم جاء شاهداً على نكبتنا أو استقلالهم، وما بينهما يبقى هدير شلال الذكرى هادراً..!.