الجاعوني: طبعت خطاب عرفات في الأمم المتحدة !
الف- عبد الباسط خلف-
يفتح حراك أيلول ذاكرة نعمتي الجاعوني على مصراعيها كما تقول، لتقص أسرار أول خطاب فلسطيني يصعد إلى منصة الجمعية العامة.
تسترد شريط ذكريات عتيق عمرة 37 عاماً: "طبعت الخطاب المؤلف من ثلاث صفحات خلال عملي في الممثلية العمانية، بعد أن أخذت أذناً من المسؤولين عني".
ولا زالت الجاعوني تتذكر الطابعة رمادية اللون المائلة إلى الأحمر، من طراز "أولفتي".
التي استضافت حروف الخطاب، لكنها أعادت المهمة أكثر من عشرين مرة، بفعل التعديلات المتلاحقة التي أدخلت على النص الرسمي الأول والشهير الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في الثالث عشر من تشرين أول 1974.
تقول: "عملت فترات طويلة في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في نيويورك، والممثلية العُمانية في المنظمة الدولية للأمم المتحدة، ولا أنسى ذلك الخطاب الشهير. الذي كان باللغة العربية، ولم يكن مُشكلاً، وحوت نسخته الأولى مشاكل عديدة. وعمل على إنتاجه طاقم كبير، وكان سعادات الحسن وقتها يرأس الوفد الفلسطيني في نيويورك. ولا زلت أحتفظ بنسخة منه."
حينما التقت الجاعوني، التي ولدت في القدس العام 1939، بالرئيس عرفات في المنظمة الدولية، صافحته وقالت له إنها هي التي طبعت الخطاب، الذي كتبه محمود درويش مقاطع منه، وتألف من 5115 كلمة، أشهرها: "لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون مع بندقية ثائر. فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي. الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين."
جلست الجاعوني في أروقة المنظمة الدولية، لتستمع الخطاب الذي لا زالت تستذكر نهايته الشهيرة، والوقت الطويل الذي احتاجته لإكمال المهمة.
وكان النص الفلسطيني الأول في المنظمة الدولية قد أستهله الراحل أبو عمار بالقول: "أشكر لكم دعوتكم منظمة التحرير الفلسطينية لتشارك في هذه الدورة من دورات الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة. وأشكر كل الأعضاء المحترمين في هيئة الأمم المتحدة الذين أسهموا في تقرير إدراج قضية فلسطين على جدول أعمال هذه الجمعية وفي إصدار قرار بدعوتنا لعرض قضية فلسطين".
وأضاف: "إنها لمناسبة هامة أن يعود بحث قضية فلسطين إلى هيئة الأمم المتحدة. وأننا نعتبر هذه الخطوة انتصار للمنظمة الدولية كما هو انتصار لقضية شعبنا. وإن ذلك يشكل مؤشراً جديداً على أن هيئة الأمم اليوم ليست هيئة الأمم أمس، ذلك لأن عالم اليوم ليس هو عالم الأمس. فقد أصبحت هيئة الأمم اليوم تمثل 138 دولة وأصبحت تعكس بصورة نسبية أوضح إرادة المجموعة الدولية، ومن ثم فقد أصبحت أكثر قدرة على تطبيق ميثاقها ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وأكثر قدرة على نصرة قضايا العدل والسلام."
ومما ورد فيه: "إننا نعيش في عالم يطمح للسلام والعدل والمساواة والحرية، يطمح إلى أن يرى الأمم المظلومة الرازحة تحت الاستعمار والاضطهاد العنصري وهي تمارس حريتها وحقها في تقرير المصير، يطمح إلى أن يرى العلاقات الدولية بين الدول كافة تقوم على أساس المساواة والتعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وتأمين السيادة الوطنية. إن العالم بحاجة إلى أقصى الجهود من أجل تحقيق مطامحه في السلم والحرية والعدل والمساواة والتنمية وفي مكافحة الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها بما فيها الصهيونية لأن هو الطريق الوحيد لتحقيق آمال الشعوب كافة بما في ذلك شعوب الدول التي تعارض هذا الطريق. أنه طريق لتكريس مبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان . إما بقاء الوضع الحالي فلن يفعل أكثر من أن يبقى العالم معرضاً لأخطر الصراعات المسلحة ، للكوارث الاقتصادية والإنسانية والطبيعية".
وأردف الرئيس الراحل:" إننا حين نتكلم من على هذا المنبر الدولي فإن ذلك تعبير في حد ذاته عن إيماننا بالنضال السياسي والدبلوماسي مكملاً معززاً لنضالنا المسلح وتعبير عن تقديرنا للدور الذي يمكن للأُمم المتحدة أن تقوم به في حل المشكلات العالمية، بعد أن تغيرت بنيتها في صالح أماني الشعوب وفي حل مشكلتنا التي تتحمل فيها المؤسسة الدولية مسئولية خاصة."
ومما تتذكره الجاعوني التي صارت ممنوعة من زيارة مسقط رأسها بالقدس عن الخطاب: "إن عدد سكان فلسطين عند بداية الغزوة عام 1881 وقبل قدوم أول موجة استيطان حوالي نصف مليون نسمة كلهم من العرب، مسلمين ومسيحيين ومنهم حوالي عشرون ألفاً من يهود فلسطين يعيشون جميعاً في كنف التسامح الديني الذي اشتهرت به حضارتنا، وكانت فلسطين أرضاً خضراء معمورة بشعبها العربي الذي يبني الحياة في وطنه ويغني ثقافته. وفقد منح قرار التقسيم المستوطنين الاستعماريين 54 % من أرض فلسطين. وكأن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة إليهم، فشنوا حرباً إرهابية ضد السكان المدنيين العرب واحتلوا 81 % من مجموع مساحة فلسطين وشردوا مليون عربي. مغتصبين بذلك 524 قرية ومدينة عربية. ودمروا منها 385 مدينة وقرية تدميراً كاملاً محاها من الوجود. وحيث فعلوا ذلك أقاموا مستوطناتهم ومستعمراتهم فوق الأنقاض وبين بساتيننا وحقولنا."
تختتم الجاعوني التي تعيش متنقلة بين عمان ونيويورك إلى أن أستقر بها المقام قبل سنة في شنغهاي الصينية، وترتبط بالدبلوماسي السابق سليم فحماوي الذي ذاق أيضاّ مرارة النكبة: "لم يكن العمل في بعثة منظمة التحرير سهلا، فقد تعرضنا لهجمات واعتداءات من جمعيات يهودية في قلب مكتبنا، لكن للعمل الدبلوماسي نكهته الخاصة، وأتمنى أن أطبع أول خطاب لبلدي بعد أن تتخلص من احتلالها."
يفتح حراك أيلول ذاكرة نعمتي الجاعوني على مصراعيها كما تقول، لتقص أسرار أول خطاب فلسطيني يصعد إلى منصة الجمعية العامة.
تسترد شريط ذكريات عتيق عمرة 37 عاماً: "طبعت الخطاب المؤلف من ثلاث صفحات خلال عملي في الممثلية العمانية، بعد أن أخذت أذناً من المسؤولين عني".
ولا زالت الجاعوني تتذكر الطابعة رمادية اللون المائلة إلى الأحمر، من طراز "أولفتي".
التي استضافت حروف الخطاب، لكنها أعادت المهمة أكثر من عشرين مرة، بفعل التعديلات المتلاحقة التي أدخلت على النص الرسمي الأول والشهير الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في الثالث عشر من تشرين أول 1974.
تقول: "عملت فترات طويلة في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في نيويورك، والممثلية العُمانية في المنظمة الدولية للأمم المتحدة، ولا أنسى ذلك الخطاب الشهير. الذي كان باللغة العربية، ولم يكن مُشكلاً، وحوت نسخته الأولى مشاكل عديدة. وعمل على إنتاجه طاقم كبير، وكان سعادات الحسن وقتها يرأس الوفد الفلسطيني في نيويورك. ولا زلت أحتفظ بنسخة منه."
حينما التقت الجاعوني، التي ولدت في القدس العام 1939، بالرئيس عرفات في المنظمة الدولية، صافحته وقالت له إنها هي التي طبعت الخطاب، الذي كتبه محمود درويش مقاطع منه، وتألف من 5115 كلمة، أشهرها: "لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون مع بندقية ثائر. فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي. الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين."
جلست الجاعوني في أروقة المنظمة الدولية، لتستمع الخطاب الذي لا زالت تستذكر نهايته الشهيرة، والوقت الطويل الذي احتاجته لإكمال المهمة.
وكان النص الفلسطيني الأول في المنظمة الدولية قد أستهله الراحل أبو عمار بالقول: "أشكر لكم دعوتكم منظمة التحرير الفلسطينية لتشارك في هذه الدورة من دورات الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة. وأشكر كل الأعضاء المحترمين في هيئة الأمم المتحدة الذين أسهموا في تقرير إدراج قضية فلسطين على جدول أعمال هذه الجمعية وفي إصدار قرار بدعوتنا لعرض قضية فلسطين".
وأضاف: "إنها لمناسبة هامة أن يعود بحث قضية فلسطين إلى هيئة الأمم المتحدة. وأننا نعتبر هذه الخطوة انتصار للمنظمة الدولية كما هو انتصار لقضية شعبنا. وإن ذلك يشكل مؤشراً جديداً على أن هيئة الأمم اليوم ليست هيئة الأمم أمس، ذلك لأن عالم اليوم ليس هو عالم الأمس. فقد أصبحت هيئة الأمم اليوم تمثل 138 دولة وأصبحت تعكس بصورة نسبية أوضح إرادة المجموعة الدولية، ومن ثم فقد أصبحت أكثر قدرة على تطبيق ميثاقها ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وأكثر قدرة على نصرة قضايا العدل والسلام."
ومما ورد فيه: "إننا نعيش في عالم يطمح للسلام والعدل والمساواة والحرية، يطمح إلى أن يرى الأمم المظلومة الرازحة تحت الاستعمار والاضطهاد العنصري وهي تمارس حريتها وحقها في تقرير المصير، يطمح إلى أن يرى العلاقات الدولية بين الدول كافة تقوم على أساس المساواة والتعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وتأمين السيادة الوطنية. إن العالم بحاجة إلى أقصى الجهود من أجل تحقيق مطامحه في السلم والحرية والعدل والمساواة والتنمية وفي مكافحة الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها بما فيها الصهيونية لأن هو الطريق الوحيد لتحقيق آمال الشعوب كافة بما في ذلك شعوب الدول التي تعارض هذا الطريق. أنه طريق لتكريس مبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان . إما بقاء الوضع الحالي فلن يفعل أكثر من أن يبقى العالم معرضاً لأخطر الصراعات المسلحة ، للكوارث الاقتصادية والإنسانية والطبيعية".
وأردف الرئيس الراحل:" إننا حين نتكلم من على هذا المنبر الدولي فإن ذلك تعبير في حد ذاته عن إيماننا بالنضال السياسي والدبلوماسي مكملاً معززاً لنضالنا المسلح وتعبير عن تقديرنا للدور الذي يمكن للأُمم المتحدة أن تقوم به في حل المشكلات العالمية، بعد أن تغيرت بنيتها في صالح أماني الشعوب وفي حل مشكلتنا التي تتحمل فيها المؤسسة الدولية مسئولية خاصة."
ومما تتذكره الجاعوني التي صارت ممنوعة من زيارة مسقط رأسها بالقدس عن الخطاب: "إن عدد سكان فلسطين عند بداية الغزوة عام 1881 وقبل قدوم أول موجة استيطان حوالي نصف مليون نسمة كلهم من العرب، مسلمين ومسيحيين ومنهم حوالي عشرون ألفاً من يهود فلسطين يعيشون جميعاً في كنف التسامح الديني الذي اشتهرت به حضارتنا، وكانت فلسطين أرضاً خضراء معمورة بشعبها العربي الذي يبني الحياة في وطنه ويغني ثقافته. وفقد منح قرار التقسيم المستوطنين الاستعماريين 54 % من أرض فلسطين. وكأن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة إليهم، فشنوا حرباً إرهابية ضد السكان المدنيين العرب واحتلوا 81 % من مجموع مساحة فلسطين وشردوا مليون عربي. مغتصبين بذلك 524 قرية ومدينة عربية. ودمروا منها 385 مدينة وقرية تدميراً كاملاً محاها من الوجود. وحيث فعلوا ذلك أقاموا مستوطناتهم ومستعمراتهم فوق الأنقاض وبين بساتيننا وحقولنا."
تختتم الجاعوني التي تعيش متنقلة بين عمان ونيويورك إلى أن أستقر بها المقام قبل سنة في شنغهاي الصينية، وترتبط بالدبلوماسي السابق سليم فحماوي الذي ذاق أيضاّ مرارة النكبة: "لم يكن العمل في بعثة منظمة التحرير سهلا، فقد تعرضنا لهجمات واعتداءات من جمعيات يهودية في قلب مكتبنا، لكن للعمل الدبلوماسي نكهته الخاصة، وأتمنى أن أطبع أول خطاب لبلدي بعد أن تتخلص من احتلالها."