مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

دينا شريف ... 37 عاماً على نكبتها وما تزال تحلم بالوقوف

فراس ماهر أبو عيشة
معاناةٌ يوميةٌ تعيشها تلك الفتاة ، التي تعجزُ عن الوقوفِ والمشي على قدميها ، وتسير من خلال كرسي مُتحرك وأُخرى كهربائيّ ، فملامحُ وجهها تدُل على المعاناة ، وفي تجاعيدها حكايةٌ لقصةِ كفاحٍ بُطوليةٍ ، تروي تفاصيلَ حادثةٍ ذات وهلةٍ مفاجئةٍ ، وفي عينيها دُموعٌ يملؤها القهر والانكسار ، وفي ابتسامتها يتجلى ألمٌ يُدمي القلوب ، وفي بوح كلماتها حشرجةٌ في الصوت ، فلا شيء سوى بقايا من الصبر والأمل للعودة كما كانت من قبل ، ورُغم ذلك هي صامدةٌ ولم ولن تستسلم .

الشابة دينا شريف ، من قرية بيت وزن الواقعة غرب مدينة نابلس ، في الخمسينيات من العمر ، تُعاني من إعاقةٍ جسديةٍ وحركيةٍ منذ أكثر من ثلاثين عاماً ، ففي ذكرى يوم النكبة الـتاسعة والعشرين ، عندما كان عمرها في الأول من العقد العشرين ، أُصيبت بتلك الإعاقة والحادثة .

وتستهل دينا شريف حديثها : " كانت حياتي قبل الحادثة طبيعية جداً ، فأنا كنت الوحيدة بين إخوتي ، وعلاقاتي الإجتماعية والعائلية مُمتازة ، ودراستي كذلك ، ولكن أهلي وعائلتي كانوا فوق كل شيء " .

وبكلماتٍ يملؤها الأسى تروي قصة حادثتها : " ما حدث يوم 15-5 من عام 1977م في ذكرى تشريد الشعب الفلسطيني الـتاسعة والعشرين ، وفي العاشرة صباحاً ، عُدت إلى المنزل بعد المشاركة في إحدى المسيرات الطلابية إحياءً لهذه الذكرى ، وقُمت بترتيب غرفتي ، وعندما أمسكت بـِفراشِ سريري كي أُرتبه ، بدأت أشعر بارتخاءٍ في رجلي اليمُنى ، واستهترت بالموضوع على أنه أمر طبيعي ، ولكنها جاءت تلك اللحظة والثانية " .

وتصف شريف أن ما حصل في ذلك اليوم وتلك اللحظة يومٌ كارثيّ ، وما يحصل في الأيام الأخرى يوم إعتياديّ .

وتنوه شريف قائلة : " في الفترة الأولى من الحادثة ولمدة 15 عاماً وأكثر ، كُنت أخجل وأرفض الخروج إلى الشارع ، رُغم كل الضغوط التي كان يُمارسها الأهل والعائلة لخروجي من بين جدران المنزل " .

وتُضيف : " أنني لم أترك أي مستشفى أو أي طبيب ودكتور في فلسطين ، وحتى مدينة الحسين الطبية في الأردن ، وبقيت أبحث عن الأمل لعلني أصل له ، ولكن بلا جدوى " .
وتقول شريف : " أن الأطباء وصفوا حادثتها على أنها جاءت بسبب حالةٍ نفسية بفعل الإحتلال وأفعاله ، ولكنها ستزول بالقريب العاجل ، وأنه كما جاءت اللحظة في ثواني ، فستأتي لحظة أُخرى للعودة كالسابق " .

ومكثت دينا شريف في مستشفيات مدينة الحسين الطبية لأكثر من ستة شهور ، وتحليلات وأقوال الأطباء لم تتغير أبداً على طيلة تلك الفترة .

وتُوضح أن الأطباء في مدينة الحسين الطبية طمأنوا والدتي بأنني لا أُعاني من أي شيء ، وفحصوا كل الشرايين والأعصاب ، وكانت سليمة 100% ، ولكن ما الذي حصل ؟ ، لا أعلم .

وتُكمل شريف أنها قالت للأطباء وركزت على إصابتها بشلل وبالتحديد " شلل الأطفال " ، وكان ردهم أن هُناك إبرة موجودة لدينا تأتي من أمريكا ، وإذا كنتِ مُصابة بشلل فلن تستطيعي الوقوف والمشي ، وإذا كان العكس فسوف تستطيعين الوقوف .

وتُبين شريف أنها أخذت الإبرة ، وبعدها استطاعت أن تمشي بمقدار خمس خطوات ، رافقها دوار شديد ، ومن تلك اللحظة إلى الآن بلا أي خطوة غير على الكرسي المتحرك والكهربائي .

وتُضيف : " الأطباء أجمعوا على أنني لا أُعاني من شلل ، مؤكدون على أنني لو كنت أُعاني من الشلل لم أستطع الوقوف للحظة واحدة ، أو المشي بخطوة واحدة " .

وتصف شريف أن الأطباء إرتكبوا خطأ بحقي وحق الحادثة التي أُعاني منها ، ألا وهي أنهم لم يتطرقوا لموضوع العلاج الطبيعي ، وممارسة بعض التمارين الرياضية على الإطلاق .
ورفضت دينا شريف فور عودتها من مدينة الحسين الطبية إلى مسقط رأسها في قرية بيت وزن في مدينة نابلس أن تستخدم الكرسي الكهربائي ، بل كانت تستخدم الكرسي المتحرك ، بالإضافة إلى أنها تقوم حتى الآن بالأعمال المنزلية من طبخ وغسل وتنظيف ، وتُدير أعمالها بنفسها .

وبعد عشر سنوات تقريباً ، أسست مركزاً للاتحاد العام للمعاقين الفلسطينيين ، وطالبت بالتعديل السكني ، وسهولة المواصلات والحركة ، ودمج المعاق في المجتمع .

وتقول شريف : " تلا ذلك زيارة شاب من الإتحاد ، طلب مني الذهاب إلى جمعية أصدقاء المريض – مركز خليل أبو رية للتأهيل في مدينة رام الله للعلاج ، ولكن رفضت لأن الأمل بات مفقود " .

وتُوضح أنها وبعد فترة وافقت للذهاب إلى مركز التأهيل الذي كان يعتمد على التمارين الرياضية والعلاج الطبيعي ، وشعرت بتحسنٍ كبير ، ولكن بعد أن بدأت عضلاتي بالموت البطيء ، بمعنى أنها أصبحت لا تستجيب .

وتُشير إلى أنه تم نقلي إلى مستشفى هداسا الإسرائيلي ، وتم فحص أعصابي ، وفي حينها أكد لها أحد الأطباء أن أعصابها قوية ، وأنها لا تُعاني من شلل أو أي مرض أو فيروس .

وبعد ذلك جاءني شاب يُدعى " مصطفى عمر " من جمعية الشبان المسيحية ، والذي كان له الفضل الكبير في تأسيسي للاتحاد العام للمعاقين ، وقدم لي التشجيع الكافي في مجالات الحياة .

وتُعرب شريف عن فرحها بمشاركتها في العديد من الدورات بالرغم من حالتها ، ومن هذه الدورات : الخياطة ، والتنجيد ، والرسم على الزجاج والنحاس ، والخيش ، والصنارة ، والخرز ، وغيرها .

وُتشير إلى أنها كانت تُمثل الإتحاد الذي أسسته في الإجتماعات والمؤتمرات والدورات التي كانت تُعقد في مدينة رام الله ، وهي عضو فيه حتى الآن ، بالإضافة إلى أن أول قرار لإستلام وتخفيض الجمارك على سيارات المعاقين هي من استلمته ، وأنها عضو فعَّال ودائم في الجمعية النسوية في قرية بيت وزن إلى يومنا هذا .

وتستكمل حديثها : " وفي عام 2012م تقريباً ، زارني مجموعة شبابية من الشركة الوطنية للتجارة العادلة – عدل ، وأنشأوا لي العديد من المعارض ، كان أولها منفرداً في كلية فلسطين التقنية في رام الله ، وكان الإقبال شديداً عليه ، حيث حضرته وغطته الصحافة الأجنبية ، وآخر معرض لي في دولة قطر مع بداية شهر نيسان من هذا العام ، ولكنني وبسبب وضعي الحالي لم أستطع الذهاب إليه ، بالإضافة إلى العديد من المعارض الجماعية في جامعة النجاح الوطنية وغيرها " .

وتُعبر دينا شريف عن ألمها من عبارة " مسكين " و " يا حرام " ، التي يُرددها أبناء الشعب الفلسطيني عند مشاهدة حالات من ذوي الإحتياجات الخاصة ، فتصفها أنها كالخناجر والسكاكين التي تضرب الجسد وتبقى مغروسة فيه .

وتُضيف : " ربي قد حرمني من نعمةِ الوقوف والمشي على القدمين ، ولكنه أكرمني بأعمالي التي أتميز بها ، وامتلاكي لعائلة تقف معي في كلِّ مسرةٍ ومحنةٍ ، واعتمادي على نفسي بشكلٍ كامل ، في الحركة وفي الأعمال المنزلية " .

وتستعرض شريف قصة حصلت معها ، بزيارة إحدى الفتيات مع السنوات الأولى من الحادثة ، حيث قالت لها : " علة الموت ما إلها دوا " ، فكانت كالسهم الذي يطعن الشخص حتى الموت .

وتشعر شريف بالألم عند خروجها من المنزل ، ورؤيتها للبشر يسيرون على أقدامهم ، ولا يُقدرون تلك النعمة ، ولكن أنا لا أشعر بأي نقصان ، وأحمد الله على كل شيء .

وتستذكر أنها في الماضي وقبل الحادثة ، كانت تقود العديد من المسيرات الطلابية ، وكان أول خروج لها من المنزل بعد الحادثة للمشاركة في مسيرة تضامنية بمناسبة يوم المعاق الفلسطيني ، مُبينةً أنه وفي تلك اللحظة انهارت أعصابها ، مُبديةً فرحةً امتُزجت بالدموع ، لقدرتها على قيادة مسيرةِ مع من هم من أمثالها ، بالرغم من حالتها الصعبة .

وتُنهي دينا شريف حديثها أن وضعها في الوقت الراهن كما هو ، ولكن بدأ يظهر عليها المضاعفات التي تتكاثر بشكل تدريجي ، وذلك بعد 37 عاماً من الحادثة دون أي جدوى .

فهذه هي قصة وحكاية المعاناة والنكبة لتلك الفتاة الشابة ، التي تحلُم إلى يومنا هذا ، أن تعود وتقف على قدميها كشجرةٍ شامخة ، وتسير كباقي البشرية ، فمفاتيحُ القدرة والقوة بيدِ الله ، ولكنها ما زالت تثق بأن مالك المُلك معها ، ولذلك فهي تتشبث وتتمسك ببقايا من الأمل والتفاؤل الذي بات شبه معدوم .

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024