عاطف عبد العال لموقع "فلسطيننا": عرقلة إعمار نهر البارد حرب سياسية بامتياز لضرب المجتمع الفلسطيني
حوار: شرين سليمان/ لكل مخيم حكاية، ولنهر البارد أيضاً حكاية، فمن نكبة إلى نكبة، شتات جديد ومنفى جديد، سبع سنوات مرت على حرب مخيم نهر البارد، ولم يُنجَز سوى ثلث المخيم، سبع سنوات من الظلم والقهر والتشريد، وما زال المخيم ينزف وجرحه لم يلتئم، وما زال الأهالي ينتظرون العودة إلى منازلهم، ولكن لا عودة إلى المخيم قريباً.
أهالي نهر البارد كانوا ضحية الأيادي السوداء، خسروا تجارتهم وأموالهم وسياراتهم ومؤسساتهم، وتهدَّمت منازلهم، وتضرّرت مساجدهم، ودُفِّعوا ثمناً باهظاً مقابل لا شيء.
وللإطلاع على ما آلت إليه الأمور في هذا الملف المعقد، كان لنا هذا اللقاء مع مسؤول حركة "فتح" في الهيئة العليا لمتابعة ملف نهر البارد، عضو قيادة إقليم حركة "فتح" في لبنان عاطف عبد العال.
إلى أين وصل العمل في عملية إعمار المخيم بعد مرور 7 سنوات على نكبته؟ وما هي العراقيل التي تحول دون إتمام الإعمار؟
إثر النكبة التي ألَّمت بمخيم نهر البارد في 20/5/2007، تدمَّر المخيم القديم كاملاً، وتضرّر المخيم الجديد، فعُقِد اجتماع في فيينا عام 2007، شاركت فيه السلطة الفلسطينية، والدولة اللبنانية، والدول المانحة، والأونروا، وتمَّ الاتفاق على اعتبار مخيم نهر البارد "حالة طوارئ" لحين الانتهاء من إعماره، وعودة جميع السكان إليه، وأُقرَّ مبلغ لإعادة إعمار المخيم، والتعويض على الأهالي والتجار، والالتزام بدفع الإيجارات والطبابة والإغاثة.
ولكن ما حدث في الحقيقة هو أن عملية الإعمار كانت بطيئة جدًا. وبعد مرور 7 سنوات، لم يُنجَز من المخيم القديم، الذي قُسِّم إلى 8 رزم، سوى 4 رزم فقط، وقد وُضِع تصميم للرزمتين الخامسة والسادسة، ولكن للأسف الشديد لم يوضع حتى الآن تصميم للرزمتين السابعة والثامنة.
ولدى سؤالنا عن سبب البطء في الإعمار، كان تبرير الأونروا هو نقص الأموال اللازمة، وهنا أنوّه إلى أننا،كهيئة عليا لمتابعة الإعمار، كنا على اطلاع فقط على حجم الأموال التي كانت تصل من الدول المانحة، وليس على طريقة توزيعها. ولكن باعتقادي فإن السبب الحقيقي وراء بطء الإعمار هو التبذير والهدر الكبير في الأموال وسوء توظيف أماكن صرفها من طرف الأونروا والمتعهدين، إلى جانب التباطؤ في العمل.
ما الدور الذي تؤديه الهيئة العليا لمتابعة الإعمار لمعالجة هذه المشكلة؟ وكذلك الأمر بالنسبة لإشكاليات أخرى كقضية التعويض على تجار الجوار اللبناني دون تجار المخيم؟
نحن نسعى، كهيئة ملف وفصائل الفلسطينية ولجان الشعبية- وهي المرجعية السياسية لنا جميعاً- مع كل المعنيين، لحل مشكلة الإعمار وحث الدول المانحة على عقد مؤتمر جديد على غرار مؤتمر فيينا لتوفير أموال كافية لاستكمال بناء الرزم الأربع الباقية، والاستمرار بخطة الطوارئ التي تشمل الطبابة والإغاثة ودفع بدل الإيجارات لحين انتهاء الإعمار، خاصةً أن ما رُصِد من أموال لا يكفي سوى لتغطية 51% من عملية إعمار المخيم. وسنواصل تحركاتنا باتجاه الضغط على الجهات الرسمية والدول المانحة والدولة اللبنانية والأونروا لاستكمال الإعمار.
أمَّا بالنسبة لقضية التجار، فالجميع يعلم أن المبلغ الذي رُصِد في مؤتمر فيينا لإعمار المخيم كان يتضمَّن ثلاثة بنود وهي إعمار المخيم، وخطة الطوارئ، والتعويض على التجار وأصحاب الأملاك، وعند وصول الأموال استلمتها الدولة اللبنانية ووزعتها للجوار اللبناني، والفلسطيني لم يعوّض بشيء. وكردة فعل، قمنا، بالتعاون مع السفارة الفلسطينية، بمتابعة هذه المسألة مع الدولة اللبنانية، وأبلغناهم أن هذا القرار يُعدَّ قرارًا تعسُّفيًا، ولكننا لم نأخذ إلا الوعود، لذلك فنحن مستمرون بالتحركات السلمية المطلبية تحت قرار سياسي موحَّد حتى يأخذ التجار وجميع من لهم حقٌ حقَّهُم.
لماذا لم تتم معاملة المخيم الجديد أسوة بالمخيم القديم؟ وما هي حقيقة مسألة البيوت التي لم يشملها المسح في المخيم الجديد؟
الأونروا عدَّت نفسها مسؤولة عن المخيم القديم لأن الأرض ملك لها، وأخلَت مسؤوليتها من المخيم الجديد باعتبار أن الأرض ملك للأهالي، وبالتالي لم تتكفَّل به لكونه من مسؤولية الدولة اللبنانية. ولكن حين حلَّ وقت التعويضات، أخذ الجوار اللبناني الأموال من صندوق المهجَّرين، في حين لم يحصل أهالي المخيم الجديد على تعويضات رغم التضرر الذي أصابه.
وبالنسبة لمسألة البيوت التي لم يشملها المسح، فهذا يعود إلى أن شركة خطيب وعلمي، مسحت المناطق التي استطاعت أن تدخلها أثناء تطويق الجيش اللبناني للمخيم، وبالتالي فعندما جاءت الهبة الإيطالية صُرِفت الأموال للمناطق التي شملها المسح. ولكننا نعمل على مسح جديد للمباني التي لم تستطع الشركة مسحها، وسنكون ملتزمين بها بالنسبة للهبة الايطالية التي ستشملها.
ما هو تعليقكم على ما أُثير حول عشوائية توزيع الهبات؟
بالفعل كانت هناك عشوائية في توزيع الهبات، ولا سيما الهبة الايطالية التي واجهتنا معها مشكلة، إذ كان من المفترض أن تشمل 502 منزل، ولكن الأموال لم تكفِ سوى لـ300 منزل. إلا أن الرئيس أبو مازن تعهّد بإرسال مبلغ قيمته مليون دولار أمريكي لاستكمال الـ200 بيت المتبقية.
أمَّا بالنسبة للهبة اليونانية الخاصة بالبُنى التحتية، فقد كانت متعلّقة بالعقار 39، ونحن رفعنا رسالة للسفارة اليونانية ولكننا لم نتلقَ جوابًا حتى الآن.
ما هو مصير بعض المسائل العالقة كأرض صامد، والسيارات المدمرة، والتضييقات الأمنية على أهالي المخيم، وغيرها؟
بالطبع تبقى بعض الأمور العالقة مثل أرض صامد التي يسكنها الجيش، وقد حاولنا كثيرًا استرجاعها، ولكن الدولة اللبنانية ما انفكّت تتذرّع بطلب أوراق إثبات لملكية الأراضي، ونحن أخذنا الإفادات العقارية، ولكن الدولة تطلب صاحب الـمُلك الأساسي، ونحن ننتظر ورقة تثبيت ملكية الأرض.
وبالنسبة للإجراءات الأمنية، فتنبغي الإشارة بدايةً إلى أن نظام التصاريح أُلغي بعد اتصالات كثيفة مع قيادة الجيش والحكومة اللبنانية منذُ سبعة أشهر تقريبًا، وأصبح بإمكان أي شخص يحمل بطاقته الشخصية أن يدخل المخيم، ولكن هناك بطبيعة الحال تفتيش على مداخل المخيم، والمخيم لا يزال محاصراً عسكرياً.
من جهة أخرى رفعنا للدولة اللبنانية أكثر من مرة موضوع أصحاب السيارات الذين ذهبوا إلى النافعة لإتلافها (شطبها)، لئلا يدفع مالكوها الأموال المستحقة على هذه السيارات، ولكن لغاية الآن لم يتم التجاوب معنا ولم يُحَل الموضوع ولم تتلَف أية سيارة، رغم أن هناك كشوفات متواجدة مع أمين سر فصائل "م.ت.ف" وحركة "فتح" في لبنان فتحي أبو العردات وسعادة السفير أشرف دبور.
إلى أين توصلتم في موضوع خطة الطوارئ من خلال تشاوركم كمنظمة تحرير وحركة "فتح" وهيئة متابعة الملف مع الأونروا؟
في 1/9/2013 أخذت الأونروا قراراً بوقف خطة الطوارئ عن نهر البارد تحت ذريعة نقص الأموال، ووجود عجز قيمته 8 مليون دولار بحجة أزمة نزوح الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان. لذا نظَّمنا تحركات، ومسيرات، واعتصامات أمام مكتب الأونروا في بيروت استمرت حوالي 80 يوماً، تخلّلها ضغط كبير وكامل على الأونروا، وكانت هناك مشاركة من القيادة الفلسطينية السياسية على صعيد الساحة، وعلى صعيد فصائل "م.ت.ف"، والقوى الوطنية جميعاً، والسفير أشرف دبور، وتوّصلنا إلى عقد جلسة مع الأونروا وتم التفاهم على صرف من 70 إلى 80% من قيمة الاستشفاء، بعد أن كان قبل وقف خطة الطوارئ 100%.
كما تم الاتفاق على تأمين أدوية الأمراض المستعصية شهرياً، ودفع بدل إيجارات للعائلات التي لم تُبنَ بيوتها بعد، والمشكلة أن الأونروا عند التنفيذ، نفذت الشق المتعلّق بالاستشفاء فقط، ولغاية الآن لم تُورِّد لنا أدوية لعيادات الأونروا في الشمال حسب الاتفاق، علماً أن لدينا 86 حالة سرطان، و500 حالة أمراض بالقلب، و650 حالة سكري وأعصاب، وبالتالي فما اتفقنا عليه كفصائل فلسطينية مجتمعة مع الأونروا وما وقعناه بقي حبرًا على ورق.
أما بالنسبة للإيجارات، فهناك 3800 عائلة تستفيد من الإيجارات، والأونروا كانت تعتزم شطب 500 عائلة، وقد حاولت إيهام الأهالي بأن الفصائل الفلسطينية موافقة على ذلك، وهو كلام عارٍ من الصحة، بهدف افتعال إرباكات وإحداث شرخ بين الأهالي والفصائل الفلسطينية، والاستفراد بالقرار لنفسها، وهذا أمر مرفوض لأن الأونروا بوصفها "شريكًا" في مؤتمر فيينا فذلك لا يعطيها الصلاحية لاتخاذ أي قرار فردي، وإنما ينبغي أن يكون القرار أو الإجراء المزمع إلغاؤه بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية والدولة المانحة.
ونحن قمنا بإعداد بيان لمقاطعة الأونروا كلياً في حال لم تلتزم بما تمَّ الاتفاق عليه بعد 1/9/2013، باستمرار خطة الطوارئ. واليوم تم اقفال مكاتب الأونروا في البارد، وسيكون هناك مزيد من التصعيدات في حال لم تدفع الأونروا الإيجارات الكاملة لمستحقيها.
وماذا عن غير المشمولين بخطة الطوارئ كالأهالي الذين يسكنون البركسات الحديدية، ومرضى غسيل الكلى؟
بدايةً لا بد من الإشارة إلى أن قرابة 500 عائلة يعيشون في "بركسات" حديدية، وهم من أهالي المخيم القديم الذين لم يستكمَل إعمار بيوتهم بعد. ولكن المشكلة أن الأونروا لا تمنحهم بدل إيجار باعتبارهم يسكنون بيوتًا، علمًا أن هذه البركسات لا يصلح أن تسمى بيوتًا أصلاً لكونها غير صالحة للسكن، فهي باردة شتاءً وحارة جدًا صيفًا علاوة على الحشرات والقوارض التي تنتشر فيها في الأيام الحارة.
أمَّا مرضى الكلى، وهم 18 في المخيم، فإن الأونروا قد رفعت يدها عنهم، ووزارة الصحة اللبنانية هي التي تكفّلت بالحالات حتى الآن، ولكن هناك مصاريف والتزامات على المرضى كبدل مواصلات، وفواتير الدواء، ومصاريف أخرى لا تدفعها الأونروا، وتكبّد المرضى أعباء مالية هائلة.
ماذا قدَّمت السلطة الفلسطينية للأهالي؟ وما الدور الذي يؤديه سيادة الرئيس محمود عباس في بناء المخيم؟
في بداية الأزمة عام 2007 ساهم سيادة الرئيس بإرسال مساعدة عاجلة لكل أبناء مخيم نهر البارد بقيمة 1000$ للعائلة الواحدة، وكذلك تصلنا شهريًا مساعدات مالية تُوزَّع بالحد الأدنى للحالات الطارئة في المخيم.
من الناحية السياسية، فإن الرئيس أبو مازن كان في كل زيارة له إلى لبنان يلتقي رئيس الجمهورية اللبنانية، ويضع ملف نهر البارد في أولويات اللقاء، وفي آخر لقاء له كان يتكلم عن قضايا جديدة ظهرت بعد أزمة البارد وهي التي ساهمت في تعطيل موضوع المخيم مثل الأزمة السورية.
كذلك فالسلطة الفلسطينية تعمل أقصى جهدها لحل مشكلة البارد، ونحن أرسلنا رسالة إلى سيادة الرئيس أبو مازن لطلب عقد مؤتمر فوري للدول المانحة من أجل استكمال أموال انهاء الاعمار، ولا ننسى أن سيادة الرئيس على مدة ثلاث سنوات متواصلة كان يرسل مساعدات لطلاب الجامعات والمعاهد، إضافةً إلى المساعدة التي أرسلها سيادة الرئيس لـ110 عائلات في حي المهجرين، وهي عبارة عن مبلغ 1500$ "بدل أثاث"، وقد تمَّ توزيع الشيكات على الأهالي الذين كانوا شاكرين لسيادته.
من جهة ثانية، فنحن يوجد لدينا لجنة في الهيئة العليا تشمل جميع الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية، والمرجعية السياسية للساحة اللبنانية، تتابع مع الأخ فتحي أبو العردات والسفير أشرف دبور والمدير العام للأونروا السيدة آن ديسمور مجريات الأمور كافةً، ونتواصل معهم يومياً ولن نسكت حتى يعاد إعمار نهر البارد كاملاً.
هل برأيكم سيعود النشاط الاقتصادي إلى سابق عهده في المخيم؟
الكل يعلم بأن مخيم نهر البارد كان بوابةً اقتصادية ومركزًا تجاريًا ليس لأهالي المخيمات فحسب، وإنما للجوار اللبناني وللتجار اللبنانيين عمومًا. لذا ففي حال أُعيد إعماره حسب الوعود، وعاد التجار إليه، وفُتِح الجوار اللبناني على المخيم، ورُفِعَت الحالة العسكرية عنه، فليس من البعيد أن يعود لسابق عهده.
لكن التأخير والتسويف في قضية الإعمار يطرح عدة مخاوف. وباعتقادي فإن الحرب التي ألـمَّت بالمخيم، وهذا التأخير في الإعمار، يوجد وراءه هدف سياسي بامتياز لضرب المجتمع الفلسطيني، وتشتيت العقل الفلسطيني داخل المخيم، أي إنهاء التجمع الفلسطيني، وإنهاء قضية اللاجئين وحق العودة، ولا أبالغ إذا قلت أن الأونروا شريكة في هذا الموضوع مع بعض الجهات الخارجية لإلغاء حق العودة إلى المخيمات، ولكننا نحن كفصائل فلسطينية مجتمعة أخذنا قرارًا بأن يبقى المخيم بعقل واحد، وقرار واحد، ونفس واحد، ونحن متمسّكون بحق العودة ومرجعيتنا القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس أبو مازن.
وقد طلبنا إلى السفير أشرف دبور مؤخَّرًا أن يحدد لنا موعدًا مع مدير عام الأونروا في لبنان لأن الوضع قابل للتفجير في المخيم إذ لم تفِ الأونروا بوعودها.