مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

سامي مهدي يدرس تجربة توفيق صايغ الشعرية- احمد دحبور

كعادته، يركب الشاعر العراقي سامي مهدي مركبا صعبا، فيتصدى بالدراسة، وهو الشاعر القومي الملتزم بالخط العروبي، لشاعر اشكالي ظل مثار اختلاف بين النقاد والدارسين حتى يوم رحيله. ذلكم هو الشاعر الفلسطيني توفيق صايغ، صاحب اول مجموعة شعرية خارج الوزن في التجربة العربية الحديثة، واشكالية صايغ تتجاوز الشكل الفني الذي اختار، الى فرادته الوجودية ومواقعه الخلافية، سواء أكان ذلك في الرؤيا ام في التعبير، حتى لاغامر باعتباره ذا تجربة رائدة مركّبة، قائمة ركائزها على ثلاث: الفلسطينية، والمسيحية، والاوديبية، فهو فلسطيني بما هو مسيحي، اي بما يتعدى الانتماء الوطني الديني الى صيغة تربط الوطن بكونه منبت السيد المسيح، فهذا الذي رأى النور اول مرة عند بحيرة طبريا، لم ينس لحظة علاقة هذا المكان المقدس بأرومته الروحية، ما يشده الى السيد المسيح، بما يبدو اعمق من الالتزام الديني - وهو للمناسبة، ابن قس بروتستانتي - بل ان علاقته بالبحيرة المقدسة تتجاوز الانتساب الى المكان، ليصبح المكان جزءا مكملا لشخصيته، فهو مسيحي بما هو فلسطيني وهو مرتبط بشخصية الام، حتى لتتضح نزعته الاوديبية في التماهي الروحي بين علاقته بأمه وعلاقة يسوع بالسيدة العذراء، والى ذلك فهو المحروم المطرود من حضن الام وتربة الوطن.
انه لامر مثير للاعجاب والاعتراف حقا، ان يتصدى مثقف بعثي مرتبط بالفكرة العربية مصيريا، لشاعر تعرض لاتهامات قاسية حول خطه السياسي، مع اني ارجح سداد بوصلة سامي مهدي، من حيث وقوعه على الشخصية الملائمة وان تفاوتت فيها الآراء، ودليلنا على ذلك، ما وصل اليه في هذا الشأن من خلاصات واستخلاصات تضمنها كتابه هذا حول تجربة توفيق صايغ الشعرية ومرجعياتها الفكرية والفنية.
مسيرة خاصة
خلال سنواته التي لم تبلغ نصف قرن، لم يصدر عن توفيق صايغ كثير من الشعر، اذ لم يترك غير ثلاث مجموعات، هي على التوالي: ثلاثون قصيدة - القصيدة ك - معلقة توفيق صايغ وامكن جمع قصائده التي لم يضمها كتاب، في مجموعة لاحقة اختير لها عنوان احدى قصائده فهي «صلاة جماعة ثم فرد» وهذا يعني انه لم يكن مكثرا، بل كان يؤثر النوعية على الكمية، على ان هذا القليل الذي تركه، قد حظي بعدد كبير من الدراسات والمراجعات، لعل اهمها ما ظهر في كتابين: «توفيق صايغ - سيرة شاعر ومنفى» للفلسطيني محمود شريح، و«تجربة توفيق صايغ الشعرية» للشاعر العراقي سامي مهدي، وكانت الشاعرة سلمى الخضراء الجيوسي من اشد المتحمسين لتجربته الفنية.
الا ان الاهتمام النوعي بهذه التجربة قد جوبه، من جهة ثانية باعتراضات وانكارات كانت تبلغ احيانا حد التجريح الشخصي، والطريف ان توفيقا كان يسخر - او يستخف - بمنتقديه حتى انه كان ينشر تهجماتهم عليه وكأنها اعلانات لصالحه!! ذلك انه كان يخوض واعيا معركة الاختلاف، بدليل انه عاد فنشر بعض الشهادات الايجابية في شعره كالتي كتبها بدر شاكر السياب وخليل حاوي وخليل خوري وانس الحاج وغيرهم من دعاة الحداثة.
ويذكر لهذا الشاعر انه ألف كتابا شديد الاهمية، يقرأ فيه جبران بحساسية ورهافة مختلفتين، بعنوان «اضواء جديدة على جبران» مع انه - للمفارقة - كتب في تعريفه لهذا الكتاب انه ليس جبرانيا، وللمناسبة فقد ارتبط اسم صايغ بمجلة «حوار» التي اصدرها وكان يديرها في بيروت، وقد تلقى من الاتهامات السياسية، جراء هذه المجلة، ما ينوء بحمله اساطين الادب، الى ان فاجأ القراء ذات يوم بايقاف حوار، مشيرا الى انه يشتبه بالمؤسسة العالمية للثقافة التي كانت وراءها، وراح يناشد الموسرين المتنورين ان يدعموه ليواصل نشر المجلة بعيدا عن المؤسسة العالمية، الا ان احدا لم يستجب لندائه، وتوفي توفيق صايغ في مصعد، عام 1971 في الولايات المتحدة الامريكية، لتنطوي بذلك تجربة نادرة لشاعر نادر، وهي تجربة تستدعي المزيد من البحث واعادة النظر في هذا الذي كان يصف نفسه بأنه كسيح وما من مسيح..
شاعر حداثة؟
ينطلق سامي مهدي، في كتابه حول «تجربة توفيق صايغ الشعرية» من ان توفيقا شاعر حداثة، لا بمعنى التجديد المتواصل وحسب، بل بما احدثه من قطيعة مع الخطاب الشعري السائد، وهو يتسلح لتوضيح هذا الرأي بعدد من الكتب والابحاث النظرية، مثل «حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر» لكمال خير بك و«الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي» المعاصر للدكتور عبد الحميد جيدة، و«الحداثة في الشعر العربي المعاصر بيانها ومظاهرها» للدكتور محمد حمود و«الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث» للشاعرة د. سلمى الخضراء الجيوسي، وهو لم يحشد هذه الشواهد عبثا بل بهدف الاشارة الى وقوع صايغ في صلب الحداثة الشعرية العربية، وهو الذي تعرض لنوع من الانكار بسبب من اختياره المبكر، بل الرائد، لكتابة الشعر بالنثر!! ثم يختار مهدي ثلاثا من اهم الدراسات التي ناقشت هذه التجربة، وهي الدراسات التي كتبتها د. سلمى الجيوسي، والشاعر خليل خوري والموسوعي جبرا ابراهيم جبرا، فيأخذ على الاخير انحيازه المطلق الى صايغ بسبب الصداقة التي تربطهما. والواقع ان الامر يتعدى الشأن الذاتي الى تشابه التجربة بين الرجلين، فهما فلسطينيان مسيحيان التزما بالقصيدة غير الموزونة منذ البدايات، وما الاشارة الى هويتيهما الا لتوكيد معنى التماهي بين الشخصية والاثر الفني في التجربتين، ولهذا كان طبيعيا ان يستقبل جبرا، وهو الناقد المتمرس، نتاج توفيق صايغ باحتفالية لافتة.
ويستوقفه في دراسة هذا الشاعر ما كتبه صايغ في وقت مبكر نسبيا حول شاعرية ابي العلاء المعري الذي رأى فيه صايغ شاعرا سوريا، في اشارة الى مرور توفيق صايغ بتجربة حزبية مع السوريين القوميين الاجتماعيين ومع اني لم اكن احيط بهذه المعلومة من قبل، الا انني اعرف ان توفيقا من اسرة قومية، فشقيقه الاكبر د. فايز مر بدور قيادي في الحزب، وقد استمعت شخصيا الى حوار مع د. انيس صايغ يقول فيه انه مر بهذه التجربة، بل انه يكن تقديرا خاصا لانطون سعادة مؤسس الحزب القومي وزعيمه الاول..
ويذهب سامي مهدي الى ان فكر الحزب القومي كان من عوامل تكوين شخصية توفيق صايغ الثقافية، فهو شاعر حداثة لا لانه من رواد قصيدة النثر العربية الحديثة وحسب، وانما لانه وجد في فكر هذا الحزب تلك البدايات التي تصنع الشخصية ثم ترافقها بقية العمر..
المشروع والمرجعيات
يرى سامي مهدي في توفيق صايغ، شاعرا سوريا مسيحيا بامتياز، وهو لم يصل الى هذه البدهية لان شاعرنا مولود في خربا - من اعمال حوران السورية، ولا لانه ابن رجل دين مسيحي، ولكنه استقرأ تاريخه ونزعته الايديولوجية، فاستوقفه اهتمام صايغ بفكر الحزب السوري القومي من جهة، اضافة الى انه شقيق د. فايز صايغ الذي كان صديقا لانطون سعادة ومن ألمع محازبيه، وان كشفت التطورات اللاحقة عن اختلافه مع الرجل والحزب معا، الا ان هذا موضوع آخر، على ان ما يهمنا منه هو ان «مسألة التجديد عند صايغ، كانت مسألة ايديولوجية قبل ان تكون مسألة فنية» وعلى هذا يبدو سامي مهدي متحمسا لهذا الرأي، حتى ليختلف مع الشاعر ادونيس في اعتبار يوسف الخال هو فاتحة التجربة المسيحية في الشعر العربي، ذلك انه يعطي لتوفيق صايغ هذا الحق، مع ان الامر يتعدى الاسبقية الزمنية الى جوهر التجربة، وهذا الجوهر يؤكد مسيحية صايغ لا لانه ابن رجل دين، بل لان شخصية السيد المسيح قد شغلته الى حد التماهي معها، ويؤكد ذلك ما كان يؤثر عن الشاعر من اهتمام خاص بالتوراة كأدب، بل ان المدققين يجدون له بحثا بهذا العنوان «التوراة كأدب» كان قد انشأه فترة اندفاعه الثقافي ايام فجر الشباب.
ومن متابعة سامي مهدي لسيرة صايغ الشخصية، نلحظ ان مكونات مشروع هذا الشاعر هي: الثقافة المسيحية وفي طليعتها التوراة، والادب الاجنبي ولا سيما الانكليزي منه، وقد شغف صايغ بتصوير علاقته الروحية بالمسيح، بوصفها علاقة الصياد بالطريدة، فالمسيح هو الذي اصطاده اما هو فطريدة روحية لهذه التجربة الميتافيزيقية، واخذ هذا الطراد عنده شكل الجدل بين البراءة والتجربة، متخذا من محنة النبي ايوب مثالا للصبر والقبول بحكم الخالق - المحبوب. ويلحظ سامي مهدي نمو هذا الوعي الشعري المسيحي لدى صايغ من خلال مجموعاته الثلاث التي اصدرها خلال عمره القصير نسبيا، ليصل الى ان هذا الشاعر لم يكتب شعرا مسيحيا وحسب بل عاش تجربة المسيحي المؤمن بالمصدر نفسه.
وخلص مهدي من هذا البحث الى ان توفيقا قد اتخذ من نصوص التوراة مرجعا روحيا وفكريا، وانه ادخل على نتاجه تحويرات وتغييرات توراتية ليطوعها للمعاني التي يريد.
ولا يستطيع مهدي ان يتجاهل الغموض الاليم الذي يحيط بشعر توفيق صايغ، ويعيد ذلك الى خصوصية المرجع المسيحي غير المتوفر للقراء العاديين «بحيث لا يستطيع ان يفهم قصائده فهما عميقا الا العارف بالتوراة ونصوصها وقصصها واشخاصها» وعندي ان هذا الرأي فيه بعض التزيد، على اهمية السياق الذي ورد فيه، فليس النص المسيحي مغلقا او غامضا الى هذا الحد، بدليل ان قارئا مثلي قد استوعب الكثير منه مع اني قرأته وانا في بداياتي المعرفية، لا انكر اني افدت من المدرسة المسيحية، الغسانية، حيث درست لكن مفاتيح الشاعر كانت متاحة لي ولامثالي من المتابعين..
لغة الشاعر
للاحاطة بهذا الموضوع المركّب، اخرج بعض الشيء عن خطة سامي مهدي الصارمة في تعقب لغة توفيق صايغ، فأركز على اثنتين فقط من الملاحظات التي اوردها سامي في هذا الشأن. الاولى تتعلق بافادة الشاعر من لغة الكتاب المقدس، وبالتحديد من الترجمة العربية السائدة للتوراة والاناجيل، وهي ترجمة جمعية الكتاب المقدس في الشرق الادنى، بما فيها من تقابل او ازدواج، كما جاء في سفر الامثال: توكلي على الرب بكل قلبك، وعلى فهمك لا تعتمد. او اسلوب التقديم والتأخير في الكلام، كما جاء في ترجمة الكتاب المقدس كذلك، مثل «ذكراً وانثى خلقتهم - سفر التكوين» او ظاهرة الاكثار من استخدام الافعال الثلاثية المزيدة بحرف واحد، او ادخال زيادات على بعض الافعال الثلاثية بطريقة غير مألوفة في اللغة العربية، اضافة الى التركيبات اللغوية الوعرة التي لجأ اليها مترجم الكتاب المقدس بشكل ملحوظ، فهو يقول مثلا: انت المحيري، والى اين ايها الشبح الملازمي، بدلا من الصياغة السهلة: انت الذي تحيرني، والى اين ايها الشبح الذي تلازمني، كما استخدم صيغة المفعول المطلق التي استخدمها مترجم التوراة مثل: اغتصب اغتصابا - او: حياة يحيا - او ليذبح ذبحا. واذا كان مترجم الكتاب المقدس يظن انه يتوخى الدقة الحرفية باختياره هذا النوع من الصياغة القلقة، فماذا يلجأ شاعر حديث كتوفيق صايغ الى هذه الصياغة غير تعمد التأثر بالانجيل ما يضفي على لغته - كما يظن - رونقا يتسم بالقدسية والروحانية.
ويتعقب سامي مهدي، لغويا، مؤيدي توفيق صايغ في استخدام اللغة حسب ترجمات الكتاب المقدس، فيركز على حماسة كل من جبرا ابراهيم جبرا وسلمى الخضراء الجيوسي لاسلوب صايغ اللغوي، واللافت ان كلا من صايغ وجبرا والجيوسي هم من المثقفين الفلسطينيين الذين اوتوا حظا كبيرا من الثقافة الانكلوامريكية، ويذهب سامي مهدي الى ان جبرا بلغ به الاعجاب بلغة صايغ «في صهر اللغة قديمها وحديثها» وكذلك الجيوسي، الى حد محاكاة هذه اللغة احيانا.
وقد بلغ التزيد عند مهدي في هذا الشأن، حد الاشتباه السياسي بأسلوب صايغ، ولكنه صاغ اشتباهه بلغة ذكية بعيدة عن التجريم والاتهام، وان لم يغفر له استخدامه بعض المفردات العامية.
ابتكارات غريبة
وكثيرا ما يتفق للناقد، وهو هنا سامي مهدي طبعا، ان ينشغل بألاعيب صايغ اللغوية وابتكاراته الغريبة فقد «جوّز لنفسه ما لا يجوز، فكان في حصاد لغته الكثير من الافعال الشاذة والمغلوطة سواء نجم الشذوذ والغلط عن اجتهاد محض، او عن سهو، او عن غير هذا وذاك» ولا عجب في ذلك مع شاعر جعل من اللعب باللغة اسلوبا في التعبير، ولا يعجز ناقدنا عن التقاط عدد من الامثلة التي يتصيدها الشاعر، ربما لتأكيد فرادته ومذهبه المختلف في التعبير، فقد تقع في بعض شعره على كلمة عامية، مثل الصقوعة، او هنوات، او السوى، وهو يقصد البرد والزلات والآخرين، مشتقا قاموسه الخاص من العامية الدارجة حينا ومن انزياح المفردة حينا، بل انه قد يستخدم صيغة لا تقرها اللغة السليمة، كأن يصف الصيادين بـ «الرشاق» ويقصد الرشيقين، او يستخدم كلمة هجينة مثل «الاخصياء» ويقصد الخصيان، وقد يقع في خطأ لا مسوغ له، كاستخدام كلمة «صرعى» وهو يقصد صريعة.. ومثل ذلك ملحوظ في لغته! ولكن المشكلة في ان «اجتهاده» قد يوقعه في الخطأ حينا، كأن يخاطب قدميه بلغة الرفع، او يستثني كلمة من غير ان ينصبها: الا يداها!! او يلتبس عليه الامر لابتعاد الحرف المشبه بالفعل ان عن الاسم مع الابقاء على الرفع، مثل «ان عليّ مشوارا» فضلا عن ان كلمة مشوار بحد ذاتها غير فصيحة، وانما هي من السقط اللغوي الذي تورط فيه بعض الصحفيين البسطاء، ناهيك عن استخدام كلمة «بضع» خارج النظام الذي يثبتها في خانة الاعشار، كأن يقول: بضع عصافير بينما الصحيح ان يقول: بضعة عصافير..
ويرجح سامي مهدي ان يكون صايغ قد حاول محاكاة الايقاع حتى بعد تخليه عن الوزن، فوقع في اخطاء طفيفة كان في غنى عنها. بل انه لزم احيانا مبدأ القافية مع انه لم يعتمد الوزن فكانت النتيجة ضربا من السجع غير المستساغ، ويبدو ان الشاعر - والكلام لسامي - قد ادرك اخفاقه في هذه المحاولات فكف عنها، او كان عليه ان يكف عنها..
بل ان الشاعر للمفارقة «حاول ان يبني لشعره نظاما ايقاعيا بديلا، او ان يفيد من الجوازات التي منحها العروض للشاعر الذي يعتمد الوزن مع ان شعره غير موزون.. وقد اوقعته هذه التجارب العبثية في اخطاء ساذجة، ما كان لشاعر متمرس مثله ان يقع فيها..
مزيد من التأثر
ويلحظ سامي مهدي، برهافة من يفهم الوزن، وقوع صايغ في عثرات ايقاعية، نتيجة بحثه الضاري عن ايقاع يعوض عن الوزن الذي لا يستخدمه واضيف: ولا يطيقه كذلك.. الا ان الانصاف يقضي تتبع ما ذهب اليه مهدي من مسيرة نوعية لهذا الشاعر الذي اندمج في الرؤيا المسيحية روحيا، ولاذ بثقافته الغربية الواسعة، ولا سيما الانكليزية منها، حتى ليمكن العثور على شيء من التناص، بين بعض شعره، ونتاج الشاعر الانكلوويلزي ريتشارد ستيوارت توماس، من غير ان يكون بعيدا عن التأثر باليوت، لا سيما ان الرؤيا المسيحية تشكل عنصر جذب لهذا الشاعر الذي يمكن وصفه - والتعبير على مسؤوليتي - بأبرز الشعراء المسيحيين العرب، بل ان نغمة الخلاص والمخلص وما الى ذلك من قاموس الشعر المسيحي هي من العلامات الفارقة في التجربة الشعرية العامة لدى توفيق صايغ.
على ان هذا التأثر «المشروع بمعنى ما» لم يمنع موضوعية سامي مهدي من الاعتراف بتوفيق صايغ رائدا من رواد الحداثة في الشعر العربي بل انه كما يؤكد سامي «صاحب مشروع شعري خاص به ومتميز عن غيره، واذا كان لي ان اضع خطا نوعيا تحت عبارة المشروع الشعري، فلأن هذا الشاعر - كما ارى ويرى كثيرون غيري - هو شاعر فلسطيني - مسيحي - اوديبي، وقد نجح في ادارة صياغة هذا التركيب المتميز، بحيث لا يمكن للمؤرخ الادبي المنصف ان يمر عليه مرورا عاديا، حيث لا بد من التوقف الطويل عنده والاعتراف بخصوصيته.

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024