مكتب البريد لـ تشارلز بوكوفسكي
عن دار الجمل، صدرت حديثا ترجمة رواية “مكتب البريد” للأديب الأمريكي تشارلز بوكوفسكي (1920-1994).
تعتبر الرواية التي قامت الشاعرة والمترجمة الفلسطينية ريم غنايم بترجمتها والتقديم لها، أول الأعمال الأدبية التي يتناول فيها بوكوفسكي سيرته الذاتية، والتي تعرض لمرحلة عمله موظفا في مكتب البريد عبر شخصية البطل هنري تشيناسكي.
تغطي الرواية أعواما من حياة بوكوفسكي: من عام 1952 حتى استقالته من مكتب البريد عام 1955، ثم عودته في عام 1958 حتى عام 1969. وفي هذه الأعوام، نكتشف حياة بوكوفسكي كما عاشها: من غراميات، إلى سباقات الخيل، إلى عالم الكحول والجنس والتشرد والوحدة، إلى عالم الخدمة البريدية الذي لم يخل هو الآخر من شخوص مجنونة.
تتطرق المترجمة في تقديمها المطول للرواية، إلى خصائص الكتابة الأدبية لدى بوكوفسكي، وتحاول الكشف عن المكنونات النفسية والعوامل الاجتماعية التي صقلت هذه الكتابة الروائية والشعرية والقصصية الجريئة، فتقول: “مكتب البريد هي أول أعماله الروائية التي تناولت جزءا من سيرته الذاتية، وهي أول رواية من سلسلة روايات رسم فيها [بوكوفسكي[ حياة هنري بأسلوب نثري ابتكاري بسيط كبساطة شعر بوكوفسكي.
حققت الرواية شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم، وقد ترجمت إلى خمس عشرة لغة”.
يسرد بوكوفسكي عبر بطله هنري تشيناسكي تاريخ علاقته مع مصلحة البريد على مدار سنوات، وضمنها نتعرف على عالم متكامل الأطراف، يعج بالفضائح، والبيانات والأسرار. من علاقاته الإشكالية مع المؤسسة ومع مرؤوسيه في الخدمة، وعرضه لنماذج متنوعة من الموظفين: هذا بادوفيل، وذاك متثاقف، وثالث نصاب، فضلا عن جحيم علاقاته الجنسية والنسائية الفاشلة، وولعه بالوحدة، والشرب، والتسكع. في هذا العمل الأدبي، تنكشف أمام القارىء فسيفساء تعكس العفونة والرداءة في أعمق أشكالها، واشتغال عميق على معنى التخييل الذاتي وبراعة السير في الأرض المجهولة.
ينجح الكاتب في هذه الرواية في تحويل الواقع الرتيب والعمل القاتل للوقت في مكتب البريد إلى موضوع مثير لكتابة رواية، وهذا هو أكبر إنجاز حققه في مشروع كتابة هذه الرواية. يتعامل بوكوفسكي، مع الواقع الرتيب بطريقة مكثفة، باردة، ساخرة، يصف أحلك المشاهد وأكثرها حزنا على عجل، ويتأنى في وصف أكثر الأشياء رتابة، ولعل هذه الصفة في الكتابة هي ما تجعل منه أحد أكثر الكتاب إثارة وخصوبة. ويفاجئ بوكوفسكي القارئ، كما تقول المترجمة، ويتركه متعطشا، فيضحك فجأة، ويشتم فجأة، ويصمت في الأحداث التي تتطلب منه رد فعل. إنه ببساطة كاتب على عكس كل التوقعات.