ثلاثة ينابيع تقهر الصحراء
أسامة العيسة - لا يبدو عودة محمد إرميلية، مجرد حارس على نبع الديوك، في قرية الديوك، قرب أريحا، وإنما تربطه علاقة خاصة بالنبع الذي يتدفق من أسفل الجبال الشاهقة، التي تقف على حوافها الحجارة الضخمة، وبعضها اقترب أكثر من اللازم من المنازل السكنية، مشكلا خطرا مؤجلا عليها.
على هذه الجبال، يمكن مشاهدة الصوامع التي حفرها الرهبان الذين سكنوها يوما ما، وعليها أيضا، ينتصب دير قرنطل الشهير، الذي أقيم لذكرى التجربة التي عاشها السيد المسيح عليه السلام، في المكان.
تتخذ القرية موقعها أسفل الجبال المطلة على أريحا، ومن موقعها تبدو وكأنها تحرس مدينة القمر، الواحة الخضراء في أخفض منطقة على وجه الأرض.
نبع الديوك، يجاوره نبع النويعمة، ونبع أصغر يسمى الشوصة، ورغم ان هذه الينابيع تتدفق من مصدر واحد، ولا يفصلها سوى جدران حجرية وضعت لتحديد حدود ما، إلا ان لكل منها قصة ومسارا مختلفا لتجمعات سكانية، استوطنت المنطقة بفضل هذه المياه.
وانهمك إرميلية، مع أحد أبنائه في جمع نباتات نمت بفضل المياه التي حولت الأرض الصحراوية الجافة، إلى واحة شهدت تعاقب حضارات عديدة عليها.
وعلى نبع الديوك، تظهر ما فعلته اليد البشرية، من بناء جدران حجرية على طرفي القناة التي تسير فيها المياه منذ تدفقها من تحت الجبل، ثم تنقسم إلى قسمين: جزء من المياه تسير في قنوات طويلة وعديدة تروي أراضي المواطنين وتصل حتى ما يعرف بالديوك التحتا، والجزء الآخر، يشرف عليه إرميلية بشكل مباشر، ويمزجه بالحصص المقررة من الفلور وهو مخصص للشرب وللاستخدام المنزلي.
وتشرف البلدية على شبكة المياه الحديثة، ولكن نظام الري الخاص بالأراضي قديم ومتوارث كما يقول إرميلية.
ويضيف: "هناك خمس حمائل في الديوك، لكل حمولة عدد ساعات معينة من المياه، مقسمة على أفراد الحمولة، على مدار 365 يوما في السنة".
وحول السكان الجدد الذي يشترون أراضي في المنطقة، يقول إرميلية: ان نظام توزيع المياه مقتصر على الحمائل في الديوك، وأي مزارع جديد يستطيع شراء الماء من أي شخص آخر له حصة، أما مياه الشرب والمخصصة للاستخدام المنزلي، فيمكن لأي مواطن الحصول عليه بالاشتراك في شبكة المياه.
يزهو إرميلية، بماء العين، وكأنه يراها للمرة الأولى، ويقول: "لا أستطيع ان اغيب كثيرا عنها، انها تعطي الحياة لهذه الأرض، وتمنح حياتي معنى".
وتحافظ العين على قوتها على مدار العام تقريبا، إلا انها كما يقول إرميلية تخف في شهور الصيف بنسبة 1-2%. ونفس الأمر ينطبق على عين النويعمة المجاورة، والتي تنبع من نفس مكان عين الديوك، ولكن لها مسار مختلف، إذ تروي أراضي عائلات قرية النويعمة.
وتختلف حكاية العين الثالثة (الشوصة) وهي الأصغر، في انها ملكية خاصة لعائلة الدجاني، وتساهم ايضا في ري بعض البساتين، وتحويل الأرض الصفراء إلى خضراء مزروعة بالبرتقال والموز ومحاصيل مختلفة.
وتقع قريتا النويعمة والديوك إلى الشمال الغربي من مدينة أريحا. وبلغ عدد سكان الديوك عام 1945 نحو 730 نسمة، وفي عام 2004 أصبحوا نحو 800 نسمة. أما سكان النويعمة، فبلغ عددهم عام 1945 نحو 240 نسمة، وفي عام 2004، أصبحوا نحو 1144 نسمة.