تحقيق صحافي: اللاجئون الفلسطينيون بين النزوح والتشتت منذ أكثر من ستة عقود
لم يجد اللاجئ عبدالهادي الشنتف سوى "البؤس والحياة الصعبة" في كل مرة كان يتنقل فيها من مخيم للاجئين الفلسطينيين إلى آخر منذ ولادته قبل (50 عاما). ولا تفارق عبارة أن "تولد لاجئا فإن النزوح والتشتت قدرك لذي لا مفر منه" لسان الشنتف للتعبير عن معاناته التي عاشها منذ طفولته في مخيم النبطية للاجئين الفلسطينيين في لبنان وحتى اليوم.
وفي كل مرة أجبر فيها الشنتف على ترك مخيم باتجاه آخر كان ذلك يزيد اليأس لديه إزاء تحقيق حلم حياته بالعودة إلى مدينة يافا في شمال إسرائيل حيث كان منزل عائلته. وهذا المنزل لم يبصر الشنتف النور فيه، بل في إحد أزقة مخيم (النبطية) في لبنان الذي نزحت إليه عائلته عند وقوع النكبة الفلسطينية في العام 1948 وإعلان قيام إسرائيل. يقول الشنتف الذي يسكن حاليا بالإيجار في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين في شمال قطاع غزة بنبرات متقطعة، "ولدت لاجئا وشاهدا على النزوح والبؤس ، منذ اليوم الأول لحياتي لم أشعر بالوطن إلا بالإشارة لمكان بعيد لا يمكنني وصوله".
وفي طفولته داخل مخيم النبطية لا يوجد الكثير مما يذكره الشنتف سوى الحاجة والحرمان داخل منزل شبه متهالك ملاصق لعشرات المنازل الشبيهة لمنزل ذويه. وفي بداية شبابه غادر الشنتف المخيم الفلسطيني في لبنان غاضبا من واقع البطالة والفقر المفروض عليه وأمثاله من اللاجئين الفلسطينيين، قاصدا مخيما آخر في سوريا.
ففي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين القريب من العاصمة دمشق وجد الشنتف فرصة عمل وفرت له فرصة للاستقرار النسبي وتكوين عائلة، وإن كان بطعم النزوح والتشتت الذي عاد وألقى بظلاله عليه مجددا. لكن بعد عام من بدء أزمة سوريا في مارس 2011 نزح الشنتف وعائلته هذه المرة إلى الحدود اللبنانية هربا من واقع القتل والدمار من جهة والفقر والجوع الذي لاحق سكان المخيم الفلسطيني من جهة أخرى.
وتسببت أزمة سوريا في نزوح نحو 250 ألف فلسطيني عن منازلهم في مخيمات اللجوء، لاسيما مخيم اليرموك الرئيس، حيث حظوا على مدار عقود بحياة أفضل مقارنة بمخيمات أخرى خارجها. وشرد 120 ألف من هؤلاء إلى خارج سوريا للإقامة حسب المناطق القريبة منهم في مخيمات مؤقتة على حدود لبنان وتركيا والأردن تصف الأمم المتحدة أوضاعها بالبائسة. والبؤس ذاته يعيشه الشنتف الذي وجد نفسه مع عائلته المكونة من خمسة أفراد، في نهاية رحلة النزوح الجديدة في قطاع غزة الذي لجأ إليه من لبنان مرورا بمصر. فهو يجد نفسه حاليا في مخيم مكدس بآلاف اللاجئين، من دون أن يجد فرصة عمل ثابتة توفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة. وفي "اليوم العالمي للاجئين" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر عام 2000 ويصادف يوم غد الجمعة، فإن مرارة العيش وحدها تسيطر على الشنتف وهو يردد بحزن "كأن اللجوء خلق لنا وخلقنا نحن له ".
ويعتبر رئيس لجنة اللاجئين في المجلس التشريعي الفلسطيني عاطف عدوان في تصريحات لـ"شينخوا"، أن حياة اللاجئين الفلسطينيين تمثل قضية "معاناة مركبة" بداية بالنزوح ونهاية بالتشتت الحاصل. ويشير عدوان، إلى أن اللاجئين داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها يعانون في سبيل ما يصفه "بترويض قضيتهم وتمسكهم التاريخي بالعودة إلى أرضهم التي هجروا منها قسرا". وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني "فقد طرد ونزح من الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل عشية حرب عام 1948 حوالي 957 ألف فلسطيني، أي ما نسبته 66 في المائة من إجمالي الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في "فلسطين التاريخية" آنذاك.
ويقدر الإحصاء عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأمم المتحدة مع بداية العام الحالي بنحو 5.4 مليون لاجئ يتوزعون بنسبة 16. 8 فى المئة في الضفة الغربية، و24.1 في قطاع غزة، و39.7 في الأردن، و8.9 في لبنان، و10.5 في سوريا. ويقول عدوان، إن أجيال اللاجئين على ما تعانيه من تشتت ونزوح متعدد فإن "الوعي لديها زاد بشدة بالتمسك بالحق في العودة ورفض أي خطط لشطب هذا الحق أو تعويضه بالتوطين البديل". ويضيف أن الثابت في قضية اللاجئين هو "أن حق العودة غير قابل للتنازل حتى بعد مرور 66 عاما على النكبة والنزوح إذ أنه لا بديل عن الوطن الأصل وأي خيار بديل مرفوض وغير قابل للنجاح ".
ويظل ملف اللاجئين وحق العودة الذي يطالب به الفلسطينيون وترفضه إسرائيل أكثر ملفات عملية السلام تعقيدا بين الجانبين اللذين فشل الحوار بينهما طوال السنوات الأخيرة. ولم يجد الملف أي تقارب في الأفكار بين الجانبين في مفاوضات السلام التي أجريت على مدار تسعة أشهر برعاية أمريكية وانتهى سقفها الزمني الذي حدد مسبقا في 29 أبريل الماضي من دون أي اتفاق.
وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال فترة المفاوضات، أنه لا يريد إغراق إسرائيل باللاجئين، لكنه شدد على أن حل تلك القضية يجب أن يكون عادلا ويتضمن عدة خيارات تتاح أمام اللاجئ نفسه. وحدد عباس هذه الخيارات باعتبار أن عودة اللاجئين هو حق شخصي، ويجب أن يخير اللاجئ إما بالعودة إلى إسرائيل وحمل جنسيتها مع التعويض، أو البقاء حيث هو مع التعويض، أو الذهاب إلى دولة أخرى بالاتفاق معها مع التعويض.
ويستند عباس في مطالبه إلى القرار (194) الصادر في ديسمبر عام 1948 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص باللاجئين الفلسطينيين وينص على إقرارها "بوجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم". وبهذا الصدد يقول عدوان، إن استطلاعات عديدة للرأي أجريت للاجئين فلسطينيين داخل وخارج فلسطين أظهرت "تمسك أغلبيتهم الساحقة بالعودة إلى أرضهم ووطنهم". ويوضح أن "نحو 90 في المائة من اللاجئين وفق نتائج تلك الاستطلاعات، يريدون العودة ولا يقبلون أي حل آخر من شأنه التعسف بهذا الحق التاريخي".
ومع التمسك بالحق التاريخي في "العودة" والتأكيد عليه، فإن النتشف وغيره من ملايين اللاجئين يأملون في تحسن ظروف معيشتهم وأن يحظوا بحد أدنى من الحياة الكريمة على الأقل كغيرهم من اللاجئين في العالم.