مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

محاولة تدارك الرواية وأسطورة الحكاية ..قراءة في رواية ( فرس العائلة ) لـ محمود شقير- عبدالرحيم زايد

أميلُ إلى القول النقدي السائد، بأن الرواية في الأصل ( لعبة زمان) أكثر منها لعبة مكان، بمعنى أن مِن سمات الرواية الجيدة أن تقطع بك حاجز الزمن أولاً فتضعك فيه بسلاسةٍ وبلا مقدمات، ومنهُ ستتكيف مع المكان مهما كان، وستنسجم مع الأحداث والإنسان، وأميلُ من هنا أيضاً إلى المفتاح الآخر في الأدب والذي يقول بأن دراسة خلية اجتماعية واحدة، تعطي نتائج عن ملايين الخلايا الاجتماعية، وليس بالضرورة دراستها ومعرفتها جميعاً، فالإنسان هو الإنسان. وككاتبٍ متمرسٍ ومثقفٍ مجرب، كان محمود شقير هكذا في عملهِ الروائي الأول، وهذا ما يحسب لهُ في هذا العمل ( فرس العائلة) ولهُ أيضاً ما يبرره. 

فهو يكتب القصة القصيرة منذُ زمن بعيد، وقد تكون مجموعتهُ ( خبز الآخرين) نموذجهُ القصصي والأيديولوجي وبوصلةً اعتمدها طويلاً، تقوم دائماً على الميل للفقراء والبسطاء، والهرب إلى القرية دائماً والاحتماء بالناس من ضيم الأغنياء (والبكاوات) الذين لا يثق بهم.
أمام هذا العمل، " فرس العائلة" أصابتني الحيرة الكبيرة، في اختيار محاور القراءة في نص حاول التنوع، وتعامل مع إنسان ولحم ودم، واحداث حقيقيةِ تمس شعباً مكافحاً، كنص ( فرس العائلة). وانتابني نوعٌ من التوتر في الجزم بجنس هذا العمل، أو انتابتني حالة من المراوحةِ ما بين وصفهِ بالقصة القصيرة (الطويلة جداً)، أم الحكايات الشعبية الموروثة، أم السيناريو التلفزيوني القائم على المقاطع، التي يتم صفها وترتيبها كلوحة ( اللوجو) بمشاهد وحلقاتٍ تريد أن تؤدي غرضاً درامياً معيناً.وحيَّرني أيضاً بطئ الإيقاع وتكرار الفكرة والمشهد من غير تكثيف في بعض الأحيان. وسيطرة الأيديولوجيا في الكثير من المشاهد والمحاور والشخصيات، فقد انتصرت ( الرواية) في بعض الأحيان للتسطيح او عدم التعمق على حساب الفن – وهذا طبيعي، لأن الإيديولوجيا في ظني إن طفت إلى سطح بعض المشاهد تخرجها من إطار الفن-، ولذلك قد نلاحظُ انتصار الإصرار على التسجيل والتأريخ والشعارات على حساب الفن أحياناً في هذا العمل، أو جاءت بنوعٍ التوجيه الأيديولوجي نحو فكرة ما يُريدها شقير ويُركِّزُ عليها دون غيرها..!. 
(ففرس العائلة تتحدثُ عن البدو ( كحامل موضوعي للقدس) أو ( قبيلة فلسطينية) بدوية، ارتحلت لتقيم على مشارف القدس وما حولها، كعرب جبل المكبر واجزم بأنهم المقصودين من التعامرة، أو السواحرة وغيرهم، في العقود الأولى من القرن العشرين، وقصة انتقالهم من البداوة إلى الحياة المدنية، ومن التنقل والصراع والغزو إلى الاستقرار. وتبدأ الحكاية بشيخهم منان الذي يتخذ قرار الرحيل، وتصاغُ بعض جوانبها كالفانتازيا والمحاولات الملحمية أو الأسطورية التي حاولت من خلالها الحديث عن قضية القدس واهميتها. وبعدها الفلسفي الاجتماعي هو قوة الجنس كطاقة حياة وبناء.... عملٌ شيقٌ فعلاً واقترب من الأسطورة والواقعية السحرية، وادخلنا عوالم عريضة وعميقة منا) ولكنها كانت محاولات للوصول وما وصلت في ظني لأسباب متعددة تلمسها في فرس العائلة، مع الأسف. 
نعم فالوقوف على خط سردي واحد برؤيةٍ واحدة يكون أقرب إلى سيطرة روح القصة منها إلى سيطرة الرواية، خاصةً أن طول النفس الروائي يختلف عن النفس القصصي طولاً وعرضا، وفي فرس العائلة لمسنا المراوحة الطويلة جدا عند نقطةٍ واحدة، أقحمت نقطة أخرى ( الرحيل.. القدس) 
وكما قلتُ سابقاً، الرواية الجيدة زمانياً تبدأ بك من المنتصف أو النهاية، ثم تعود بك – بأحداثك- إلى الخلف، ثم تتابع معها كقارئ إلى الأمام حتى تصل إلى النهاية. وهذا بلا شك ما فعلهُ محمود شقير ككاتب متمرس في فرس العائلة، ولكنهُ راوح في خطٍ واحد. 
وقد اختار شقير لعمله (فرس العائلة) قضية كبرى وهي ( القدس). ولكن.... ثمة فارق كبير ما بين الكتابة عن القدس، والكتابة للقدس، والكتابة من القدس. فثمة فارق بين الكتابة عن القدس كمدينة، كأي مدينة، مثل دمشق أو بغداد أو القاهرة .. وما بين الكتابة عن القدس كمكان تاريخي ومدينة مقدسة لأديان التوحيد، والكتابة عن القدس، كمدينة تحت الاحتلال. وكثيراً ما نلمحُ الخلط والتوتر في الأدب، خاصة الأدب السردي الفلسطيني بهذا الشأن، وكثيراً ما يتم إقحام القدس إقحاماً في الكثير من الأعمال الروائية والقصصية. واعتقدُ أن بإمكاني استثناء الشعر من حالة التخبط في موضوع القدس، لأن للشعر مساحتهُ الأكثر حساسية والأعلى تجريداً، فقد يكون قد تمكن الشعر الفلسطيني من خلال أكثر من شاعر من الكتابة عن القدس، أما في السرد، فأجزم بأنه ولغاية الآن لم يتمكن الأدب الفلسطيني من الحديث عن القدس حتى بما فيها العمل الذي ما بين أيدينا وهو (فرس العائلة) رغم الدعاية والمحاولة والأساس الذي قام عليه العمل، ليكون حول القدس كما اشارت الكثير من المقالات بإعجاب !، وكما أشار شقير نفسه في اكثر من مناسبة!، وكأن كبر القضية أو العنوان، أو كبر اسم الكاتب، هو ما يضمنُ نجاح المشروع وقوته!. 
فقد تحدث عن قبيلة تعيش على مشارف القدس وحولها، قبيلة تنتمي إلى البر، تنتمي إلى الحياة البدائية، أو إلى البداوة، وتتخذُ من البداوة وطناً ، ومع أنه تحدث في الرواية عن امتلاكهم لأراضٍ وبساتين متاخمة للقدس، ولكنه أظهر تعاملهم معها ( مع املاكهم في القدس أعني) وكأنها مجرد أملاك مسخرة بأمرهم كمحظية أو امرأة، وحتى حين قرروا الجنوح للاستقرار فيها فقد عادو بذات السيكولوجية البدوية القبيلة القابلة للارتحال والتنقل في كل لحظة، تماشياً مع ظرفهم وواقعهم الاقتصادي الاجتماعي، وبل أستطيع القول أنه أشعرنا بنوعٍ من التيه والذوابان لهم في الحياة المدنية . (ولا أعرف ان كان قصدها محمود شقير ام لم يقصدها) فقرار (منان) شيخ القبيلة، بالرحيل كان قراراً بانتحار البداوة. 
ففي ظني بأن الحديث عن البدو، تماما كرمال الصحراء يغريك بنعومته وسهولته وطواعيته، وقد يكون فيه المصيدة والجحيم، والحديثُ عن البدو خطيرٌ خاصة بالنسبة للواقع الفلسطيني، الذي يقتضي المزاج السردي العام فيه، الحديث عن الاستقرار والثبات والتلاحم مع الأرض( وذلك هو الشعر البعيد عن اسس الفن الذي اظن الأستاذ شقير حاولهُ) بوعيه فأوصلنا بلا وعيه إلى عكسه- فالفن ارادة حياة-. فهل هذا نقص معلومات عن البداوة أم تدخل قصري للأيديولوجيا في الفن..!؟ 
فمع أنه بالفعل ، تحدث بشكلٍ جميل وسردٍ امتاز برصد حركة المجاميع الهادرة والبطل المجموع، حين تحدث عن واقعهم البدوي سابقاً ولاحقاً، إلى درجةِ تسيرها اسطورة فنياً، وكتب ذلك الرصد اليومي بلغةٍ شاعرية شفافة، تقترب في بعض شؤونها من الملحمية، إلا انه – مثلاً- لولا معلوماتي بأنهم مثلا كانوا يبيعون الملح في مرحلة من مراحل حياتهم لشاهدت بأنها عملية رقع هنا وهناك صيغت على عجل، فمثل تلك المعلومات ردتها إلى واقعها الفلسطيني . ولكن حيرني ما ذهب هنا البعض لتسميته بالواقعة السحرية في السرد حول البدو، ولنقف هنا عند نقطة (الواقعية السحرية) ( ولاحظوا ودققوا عند نقطة أن هذا الوصف لأدب أمريكا اللاتينية، وتحديداً لروايات ماركيز، وايزابيل اليندي، وباولو كويلو.... إلخ) 
فصخبُ الروايةِ ومعمارها الفني، وبنيتها وعرضها وشخوصا وأحداثها – ليعذرني أستاذنا محمود شقير- لو قلتُ جازماً، وكأنها محاولة لإعادة كتابة النسخة الفلسطينية البدوية من مئة عام من العزلة ..!. فحتى لحظة الحوار حول فكرة الرحيل، بدأت أيضاً كبداية مئة عام من العزلة، والأم في مئة عام من العزلة، هي ذات الأم في فرس العائلة، والمحاولات الأسطورية هي ذات المحاولات الأسطورية، وحتى ذلك الذي كان يغيب ويعود لهم باختراع عجيب نكتشف مرة أنه ( بابور كاز) ومرة سراج، ومرة ملابس مدنية. وحتى صورة الأم التي كانت اساس الحكاية وبوصلتها، والغجر هناك في مئة عام من العزلة وجودهم تماماً لنفس الغرض الدرامي، وبعض حالات الحب المحرم والعشق والشبق تجاه الأخ، وحرمة كل عقود زواجهم . وفي الأحداث، انتهى البر الذي كانوا فيه وحياة البداوة، رغم كل الصخب والحياة، كما انتهت مع ماركيز قريتهُ وكأنها لم تكن!..الخ . ولأقف هنا للأهمية.
وأمرٌ آخرٌ لا بد من الإشارة إليه، ماركيز كان يرد الأسطورة لأساسها الواقعي، ولكن محمود شقير كان يتعامل مع الأساطير وكأنها حقيقة علمية لا أساس واقعي لها. فالرواية اسمها فرس العائلة، والأسطورة اساسها (فرس)، قُتل صاحبها وفارسها الجد محمد، وسمي ( صريع الماء) في ومضةٍ سريعة لم تعمق، ثم أصبحت هذهِ الفرس، تراوحُ بين الحقيقة والخيال في ضمير ووجدان القبيلة، تأتيهم كلما ألم بهم شيء، محذرة، ناقمة، راضية، أو مشيرةً إلى خير أو شر. كانت معادلاً رمزياً لضمير القبيلة، قلبها ونبض حياتها – وهنا الأسطورة والجمال-، كان ثمة صورٍ وسورٍ لإرادة الحياة وفكرة الجنس، حتى لو ظهرت بوهيمية، على شكل رقص مجوسي، وحتى لو ظهرت فكرة الجنس كغاية ومنطلق فيما رددهُ منان : ( يله خلي الكون يعمر) فهنا لا ضير ولا اعتراض، والصور الراقيةُ الرائعة حتى لمن يخرج شبقها وحيضها من فرجها كتبر الذهب، وحتى حين تبدأُ القبيلة بقبول المتغيرات المدنية، حتى في طريقة ممارسة الجنس، وعادات الزواج، إلخ. ولكن الأستاذ شقير تركنا معلقين، ما بين أحداث أسطورية لم يردها إلى اساسها الواقعي كما لمست، فقد انهيت الرواية ولم اعلم ان كانت الفرس هاجساً يراه الجميعُ أم حقيقةً..!؟، ولم نعلم ان كانت ليلة النار رمزاً أم موضوعاً، ولم نعرف، إن كان لزاماً علينا ان نبقى في مساحة الحلم والأسطورة ونعايشها، حتى باعتبار القبيلة اسطورية( وهذا بلا شك، مقبول وجميل وشفاف)، إن كان مقصوداً، ولكن الأستاذ شقير، كان كمن يلطمنا على وجوهنا حين يتحدث عن السكاكيني والحسيني واحداث فلسطين واشخاص القدس ومناضليها ومفكريها، وكأنه يقدم ريبورتاجاًتأريخياً أو درساً في منهاج ثانوي..!!، وهذا ما كان يحيِّرني جداً، تلك المراوحة ما بين البرودة الشديدة والسخونة الحارة. ومن هنا أشير الى النقطة الواردة آنفاً، حول التسجيل، والمباشرة التي كانت تفسد الكثير بصراحة. 
وحيرتي إن كانت أساطيرنا واحاديث جداتنا وذاكرتنا الشعبية التي تسير كل شيء أسطورةً، لتسيرهُ فناً شعبيا راقياً، هو ما نقلهُ لنا الأستاذ شقير في هذهِ الرواية محاولا تطويعهُ روائياً، كمن يُعبئُ في كيسٍ جميل، مقتنياتٍ عزيزة موروثة، قد يُفسدها إن لم يعالجها درامياً، وقد يفسدها أكثر أن أقحم في ذات الكيس آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا، كالتسجيل والإيديولوجيا والرأي الشخصي، وضرورة دهان الرواية بكلمة ( القدس) لنمنحها أهمية أكبر !. 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024