الصحفيون في الخليل .. بحث عن الصورة في ثنايا الموت!
وسام الشويكي- يدفع المصورون والمراسلون الصحفيون الميدانيون في الخليل، خلال تغطياتهم المتواصلة للعملية العسكرية الاحتلالية في المحافظة، ثمناً باهظاً لنقل الحقيقة الى المجتمع المحلي والعالم الخارجي، على حساب أرواحهم وأوقاتهم وجهدهم الذي يبذلونه لوضع العالم في صورة الاعتداءات التي تنفذها قوات الاحتلال في الخليل منذ 11 يوماً لبدء العدوان.
لكن الايمان والولاء للرسالة التي يتمسك بها هؤلاء الصحفيون، بنقل الحقائق ومجريات الأحداث كما هي، تجعلهم يؤدون مهامهم الصعبة بـ «استبسال وقوة»، تتبدد معهما المخاوف التي قد تراودهم في أية لحظة، خاصة تلك التي تجعلهم مضطرين وتحت «الحاجة المهنية المُلحة» للقرب من بؤرة الأحداث وفي دائرة الخطر.
ويبذل المصورون والمراسلون، قصارى جهدهم، بالسهر والمتابعة ثم النزول الى الميدان، كي لا يفوتوا «حدثاً ذا وزن ثقيل»، وهي مهمة يصفها مصور «وكالة الأنباء الفرنسية» حازم بدر، بأنها «فاتورة قد تصل في أوقات عصيبة الى ثمن باهظ التكاليف»، خاصة في تلك الأحداث التي تشهد اجتياحات من الاحتلال، مثل هذه الأيام العصيبة التي تمر بها الخليل. ويتجمع عدد من الصحفيين، خاصة مراسلي الفضائيات والوكالات الأجنبية، داخل مكتب احدى المؤسسات الاعلامية بالمدينة، ويعملون كخلية نحل في غرفة عمليات متكاملة تتابع الأحداث لحظة بلحظة، وحولوا ليلهم الى ما يشبه النهار.
ويوضح المصور الصحفي بدر، أنه عند وصول معلومات باقتحامٍ أو حدث معين، تتحرك مجموعة الصحفيين الى المكان بشكل جماعي وفي أقل عدد من السيارات لتغطية الحدث، وذلك بعد التأكد من صحة المعلومات الواردة اليهم، والتي عادة ما تكون مصادرهم من المواطنين مباشرةً عبر الهاتف أو وسائل اعلام أخرى. ويبين بدر، أن هذه المهمة الصعبة للصحفيين تتجلى خطورتها في أوقات الليل، والتي يصعب خلالها التنقل والحركة بسهولة، وتستلزم مزيداً من الحذر والاثبات للجنود الاحتلاليين بأنهم صحفيون، لكن رغم ذلك تعرضوا لمضايقات في التغطيات ولمواقف صعبة خاصة في ظروف ومواقف تبدو فيها مشاعر الخوف على الجنود أنفسهم.
وأوضح المصور بدر، أنه عادةً ما يؤخذ وضع طبيعة المنطقة المتوجهين اليها للتغطية او التصوير في الحسبان، من حيث واقعها الجغرافي وظروفها، بما يسهل على الصحفيين التعامل مع الأحداث والمواقف التي قد تحصل، خاصة الخطرة منها.
ومنذ بدء الحملة العسكرية على محافظة الخليل، للبحث عما تدعيه سلطات الاحتلال بـ «فقدان ثلاثة مستوطنين قرب الخليل»، يحرص مصور «وكالة رويترز العالمية» يسري الجمل، على التواجد في «غرفة عمليات الصحفيين» على الدوام، رغم محاولاته العديدة التي باءت بالفشل للتسلل نحو البيت لأخذ قسط من الراحة، والتي عادة ما يضطر للعودة مباشرةً الى الغرفة لمتابعة مجريات الأحداث والتأهب للعودة الى الميدان. ويصف الجمل أكثر اللحظات التي تعرض فيها هو وزملاؤه للخطر، لحظة اعتقال النائب د. عزيز دويك، عندما سلط جنود الاحتلال اضاءات «الليزر» المثبتة على الأسلحة النارية، نحو رؤوسهم وصدروهم والتهديد باطلاق النار عليهم، وذات الموقف الذي تكرر مع نفس الصحفي الجمل وزملائه عندما أطلقت قوة من الاحتلال النيران فوق رؤوسهم أثناء تغطيتهم اعتقال أحد الشبان في المدينة.
هذه الظروف الصعبة التي يمارس فيها الصحفيون الميدانيون مهامهم في الخليل، لا تبتعد كثيراً عن مثل المواقف الخطرة التي عادة ما يدفع الصحفيون الميدانيون الثمن الباهظ والذي يصل في أحيان عديدة، الى المخاطرة بحياتهم، وأقلها التعرض للضرب أو مصادرة المعدات الصحفية وتكسيرها.
لكن هذه «الخطورة الشيقة» كما يصفها مراسل فضائية فلسطين في الخليل ساري العويوي، تدفعه الى التواجد في الميدان باستمرار ونقل الحدث من أرض الواقع، «كي تصل الرسالة الحية بقوة الى المواطنين المتعطشين الى معرفة ما يجري أولاً بأول، والى العالم لمعرفة تفاصيل المعاناة الحقيقية التي يتكبدها شعبنا جراء عمليات الاحتلال العدوانية». ويلخص المراسل العويوي، أبرز معالم الظروف التي مر وزملاءه فيها أثناء تغطيتهم للأحداث، خاصة في ساعات الليل والساعات الأولى من الفجر، بالقول: «لقد سحب الجنود أقسام السلاح علينا، ووضُعت النقطة الحمراء (الليزر) بين أعيننا.. حملنا أرواحنا على أكفنا وخرجنا في أصعب الظروف.. في كل ليلة ونهار كنا نتعرض للموت.. كنا لا نخلد الى النوم سوى ساعة أو ساعتين، والنوم في المكاتب طبعاً». ويعزز هذا المشهد ما يذهب اليه الصحفي في «راديو الرابعة» المحلي، رياض خميس، الذي يؤكد ملاحقته لآليات الاحتلال من بيت لبيت ومن منطقة لأخرى لنقل حقيقة الأحداث وواقع المجريات الى المستمعين.
ويقول خميس: «خلال الأيام الـ11 الفائتة لم نعرف للنوم مذاقاً. فتحنا موجات مباشرة على مدار الساعة للتواصل مع المواطنين ونقل الأخبار منهم واليهم. وتنقلنا بين مناطق الخليل لنصف الواقع أثناء الليل والنهار». ويقر الصحفي خميس بصعوبة هذه المهمة التي اعتبر «الحرية وقول الحقيقة» هدفها الأسمى، مشيداً بالأداء الذي يبذله الصحفيون في سبيل هذا الهدف، والذين عكسوا القدرات المهنية العالية التي يمتلكونها.
ويتفق عثمان ابوالحلاوة، الصحفي في راديو «منبر الحرية» المحلي، مع صعوبة هذه المهنة، خاصة في الظروف الملتهبة التي تشهدها الخليل حالياً، والتي عادةً ما يبذل الصحفيون أقصى درجاتهم المهنية التي قد تكبدهم جزءاً من حياتهم. ويصف هنا الصحفي ابوالحلاوة تعرضه أكثر من مرة للخطر أثناء عرقلته من الاحتلال واحتجازه لأكثر من ساعة، رغم قلة ساعات النوم.
وأوضح ابوالحلاوة أن من بين أكثر اللحظات التي وجد نفسه في دائرة الخطر، هي عندما كان ينقل مباشرةً على الراديو، ما يجري في منطقة «وادي ابوكتيلة» غرب المدينة في ساعات منتصف الليل، وسرعان ما وجد نفسه بين قوة من جنود الاحتلال تحيط به من كل جانب.. «حينها شعرت بالرعب والخطر من احتمال التعرض للاعتداء».
كما يذكر مصادرة جنود الاحتلال، لأكثر من مرة، ذاكرة كاميراته ومسح الصور الملتقطة بداخلها.
وكما يبدي الصحفيون حرصاً على أرواحهم، لا سيما في المواقف الصعبة، فانهم على نفس القدر الذي يبذلون فيه حرصاً شديداً على «صورهم ورسائلهم» ولو على حساب الأولى !.