مبنى البريد وسط القدس قاب قوسين أو أدنى من التهويد الكامل
(راسم عبد الواحد)
بات مبنى البريد، الذي يمثل معلما مقدسيا بارزا وسط المدينة، وقُبالة أسوار البلدة القديمة التاريخية من جهة باب الساهرة، والمُفضي إلى شارعي صلاح الدين والسلطان سليمان الرئيسيين في المدينة، قاب قوسين أو أدنى من التهويد الكامل.
محاولات السيطرة الكاملة على المبنى وتهويده ليكون جزءا من المشهد التلمودي للمدينة -الذي تسعى إليه سلطات الاحتلال الرسمية وأذرعها من جمعيات ومنظمات دينية تلمودية- بدأت منذ اليوم الأول لاحتلال مدينة القدس عام 1967.
الحكومة الأردنية شيّدت المبنى قبل احتلال القدس ببضع سنين، واستخدم كبريد لخدمة أهل القدس، وقد وضعت سلطات الاحتلال يدها على المبنى عقب احتلال المدينة من خلال ما يدعى بـ'حارس أملاك الغائبين'، وحوّلت المبنى بعد ذلك إلى كل من: سلطة البريد والاتصالات الإسرائيلية، وقامت الأخيرة -قبل ثلاثة أشهر- ببيع حصصها بالمبنى لجمعية 'عطيرت كوهنيم' المتطرفة التي تعمل حاليا على تحويل الجزء الذي اشترته في المبنى إلى مدرسة دينية تلمودية، أطلقت عليها اسم 'بيت صهيون'.
وجاء في رسالة بعث بها المدير التنفيذي لجمعية 'عطيرت كوهانيم' حيث صفقة البيع، 'إن المبنى سيستخدم كمركز تعليمي مع مقر إقامة لطلاب المعهد الديني في الجمعية والذين يلتحقون بالمعهد قبل الانضمام إلى الجيش'.
وجاء في نصها حينها: 'الجمعية اشترت أكثر من ألف متر في بناية كبيرة جدا واستراتيجية تقع مقابل البلدة القديمة'، تمكنت الجمعية الاستيطانية من شراء العقار من خلال تبرع سخي لأحد المانحين اليهود الداعمين للاستيطان في القدس.
وجديد التطورات بدأت حينما أصدرت سلطة بريد الاحتلال، أمس الأول الأحد، عطاء لبيع حصتها من المبنى الذي سيطرت 'عطيرت كوهنيم' اليهودية على جزء منه، بعد أن باعت شركة اتصالات الاحتلال 'بيزك' هذا الجزء في صفقة أُعلن عنها قبل بضعة أشهر من خلال رسالة الكترونية نشرها المدير التنفيذي لـ'عطيرت كوهنيم' دانيال لوريا وجهها في حينه إلى مؤيدي الجمعية مباركا لهم نجاح الجمعية في السيطرة على عقار استراتيجي في قلب شارع صلاح الدين التجاري.
وقال الباحث الميداني في القدس أحمد صب لبن لمراسلنا 'إن العطاء 'الإسرائيلي' الذي نشر في الصحف العبرية، الأحد، يفتح المجال أمام الجمهور 'الإسرائيلي' لتقديم عروض الشراء أو الاستئجار لحصة سلطة البريد بالمبنى والتي تبلغ مساحتها وفقا للعطاء 1660 مترا مربعا، وستكون أمام الجمهور فرصة لتقديم عروضهم حتى منتصف شهر تموز المقبل، ووفقا للعطاء يشترط على من سيتقدم له وضع كفالة بنكية بقيمة 100 ألف شيقل، فيما أعلنت سلطة بريد الاحتلال بأنها لن تبحث في تفاصيل العروض التي ستقدم لها إن لم تتجاوز قيمة الشراء المطروحة الثمانية ملايين وأربعمائة ألف شيقل.
وعن وضع قسم البريد الذي يقدم خدماته للجمهور المقدسي فقد أوضحت سلطة البريد أن صفقة البيع ستتضمن استمرار عمل مكتب البريد الذي يقع في الطابق الأرضي من المبنى، وتبلغ مساحته 389 مترا، حيث ستتضمن الصفقة عقد إيجار لسلطة البريد لضمان استمرار عمل الفرع.
ولفت صب لبن إلى أن الحصص المراد بيعها في المبنى موزعة في كل من الطابق الأرضي الذي يقع به قسم البريد، وتبلغ مساحتها 772 مترا مربعا، بالإضافة لحصة سلطة البريد في الطابق الثاني والتي تبلغ مساحتها 728 مترا مربعا، فضلا عن الطابق السفلي حيث توجد لسلطة البريد حصة تبلع 160 مترا مربعا.
وأوضح صب لبن أن من شأن هذه المدرسة التلمودية أن تعمل على تعزيز الوجود 'الإسرائيلي' في شارع صلاح الدين التجاري، وهو أحد أبرز المعالم التجارية في القدس من جهة، وفرض المزيد من التضييقات على المواطن المقدسي، تمهيدا للسيطرة على المزيد من العقارات والمباني في هذا الموقع الحساس من المدينة المقدسة.
وكان عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية رئيس دائرة شؤون القدس أحمد قريع، حذر من مخاطر قيام ما تسمى بـ'سلطة البريد' التابعة للاحتلال بنشر عطاء لبيع ما تبقى من مبنى البريد في القدس.
ووصف قريع هذا الإجراء بالخطير، وأنه يقود إلى إشعال الأوضاع في المدينة المقدسة، مؤكدا أنه انتهاك صارخ على أحد العقارات الاستراتيجية في مدينة القدس.
وأضاف، في بيان له بهذا الخصوص، إن هذا الاعتداء يأتي في إطار عملية التهويد والتطهير العرقي الذي تسير عليه حكومة الاحتلال، وتصر على هذا النهج الاستيطاني الاستعماري العنصري من خلال الاستيلاء على الأراضي والبيوت، وعلى واحد من أهم العقارات في مدينة القدس في مسعى منها للسيطرة الكاملة على المدينة المقدسة .
واعتبر قريع أن هذه الانتهاكات الصارخة وحملة الاستيلاء والنهب التي تقوم به حكومة الاحتلال تمهد لعمليات نهب أخرى في مدينة القدس، موضحا أن هدف الجمعيات التهويدية من عمليات الاستيلاء على المباني في مدينة القدس هو استكمال المخططات التوسعية الاستيطانية، بالتالي تطويق مدينة القدس وتهويدها.
وطالب رئيس دائرة شؤون القدس بضرورة وقوف المجتمع الدولي على مسؤوليته تجاه ما يجري في مدينة القدس من تهويد غير مسبوق، وما تقوم به سلطات الاحتلال من سرقة ونهب لعقارات مهمة في مدينة القدس، داعيا الأمتين العربية والإسلامية إلى الالتفات إلى ما يجري من تطورات تنذر بأخطار جسيمة تحدق بالمدينة المقدسة ما لم يتم وقف كامل الإجراءات والانتهاكات الفظة على مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، الذي يدنس يوميا من قبل قطعان المستوطنين.
تجدر الإشارة إلى أن قيادة شرطة وحرس حدود الاحتلال تستخدم منذ عدة سنوات قسما من هذا المبنى الاستراتيجي.