نجاح فلسطيني باهر في استغلال لحظة نادرة
أحمد سيف
نجح الفلسطينيون في استغلال لحظة تاريخية نادرة، وفرتها الثورات العربية، والانحدار المتواصل في مكانة القوة العظمى، وتمكنوا من إعادة قضيتهم إلى قمة الأجندة العالمية محملة بتفاصيل الرواية الفلسطينية، ونظّفوا ما لحق بها من تشويه إسرائيلي، بل وأكثر من ذلك، وعلى صعيد عملي، نجحوا في تغيير قواعد التفاوض، بعد أن أصبح مصطلح "عملية السلام" يقترن باستمرار بالوهم والخداع.
ويقول السفير الفلسطيني مانويل حساسيان على هذا الصعيد، ويؤيده عدد كبير من كبار المعلقين، إن قواعد اللعبة تغيرت بعد أن فشلت المفاوضات، وثبت أن واشنطن منحازة كليا لإسرائيل، وأن على أوروبا والعالم أن يجدوا صيغىة أخرى، وأسسا جديدة تقود إلى حل عادل وقيام دولة فلسطين.
إن الثقة الوافرة وغير المعهودة في كلام السفير وفي الخطاب الفلسطيني "المحدث"، لم يكن ثمرة نجاح الدبلوماسية الفلسطينية فحسب، بل يعكس سأم العالم من المناورات والخداع، واتجاه عالمي تكرس في السنوات الأخيرة لمساندة قضية فلسطين، كجزء أساسي في معارك الأجيال الجديدة، من أجل الإنصاف والعدل السياسي والاقتصادي، وفي وقت تتجه فيه الحكومات إلى تجاهل رغبات الشعوب.
ويمكن للمتابع هنا، أن يلمس تأييد غير معهود في وسائل الإعلام وفي الشارع للمطالب الفلسطينية، أما موقف الحكومة البريطانية فمسألة أخرى لا زالت بعيدة عن موقف الشارع، بل عادت لتقترب من مواقف واشنطن مجددا.
ليس هناك من يعارض إقامة دولة فلسطين، والأهم من ذلك، أنه ليس هناك من يؤيد سياسة حكومة إسرائيل، وحتى القلة اليهودية البريطانية الموالية لإسرائيل، باتت تدرك أنها تقترب كثيرا وبسرعة من حشر إسرائيل في مكانة جنوب أفريقيا العنصرية، حيث تلوح معركة فرض المقاطعة الشاملة على إسرائيل في الأفق.
إعلاميا، تؤيد الصحف الرئيسية- الاندبندنت، والغارديان، والفايينشال تايمز- صحيفة النخب الاقتصادية، الدولة والمسعى الفلسطيني، وتقف صحيفة مثل "التايمز"- المعروفة بقربها من إسرائيل، والمختصة بتسريبات أمنية إسرائيلية، تؤيد الدولة، لكن من خلال المفاوضات.
"الديلي تلغراف" باتت أقرب إلى الإنصاف، كما يعكس ذلك تغطية مراسلها في فلسطين أكثر من أي وقت مضى.
في الصحافة المرئية، نرى القناة الرابعة توازن، وتترك مشاهد التصفيق والترحيب بالرئيس، وكذلك فعلت الـ "بي بي سي" إلى حد ما، وتركت للكاميرا قول ما لا يمكن للمذيع المثقل بقيود التعامل مع إسرائيل وفلسطين قوله، والذي تنحى جانبا، وفي العادة، فإن قيود "الموضوعية والتوازن" متبعة في تغطيتها... تماما كما تفعل الحكومة البريطانية عندما تقترب من المسألة الفلسطينية.
"لقد خاب ظن كثيرون اعتقدوا أن بريطانيا بصدد تغيير جوهري في سياساتها"، بعد تجربة بوش وبلير المأساوية في العراق وفي أفغانستان، وإضاعتهما وقتا ثمينا في فلسطين وإسرائيل لعقدين من المفاوضات، وبعد كلام كثير من الزعيم الشاب كاميرون، ووزير خارجيته غير التقليدي وليم هيغ، عن الثورات العربية، بل واعتذار عن مواقف بريطانيا وأخطائها تجاه العرب.
الأسوأ من ذلك، لجوء حكومة المحافظين بناء على طلب أميركي، إلى توني بلير رئيس الوزراء السابق عن حزب العمال، لصياغة موقف المحافظين من فلسطين في الأمم المتحدة، رغم تبني بلير سياسات إسرائيل. وأثمر ذلك، عن رفض كاميرون المقترحات الفرنسية والانحياز إلى الموقف الأميركي، الأمر الذي دفع بصحيفة مثل "الاندبندت" إلى توجيه انتقاد حاد لحكومة كاميرون اليوم، وطالبتها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على الأقل– كما تقول الصحيفة: "لأسباب تاريخية" منها تقصيرها في بناء الحكومة الفلسطينية فترة انتدابها قبل النكبة.
هنا أيضا، أفاق العالم على يوم جديد لا يشبه الأمس... لم يفق الفلسطينيون على دولة ولم يتوقعوا ذلك، غير أنهم ورئيسهم كسبوا في جولة نادرة لم تكلفنا دما كثيرا، معركة إعادة فلسطين إلى قلب الأمور، إلى قلب الشرق النابض، وقالت بصوت مدوّ واضح: "إن ربيع العرب هو أولا... ولكن ربيع فلسطين قلبه... ولا مهرب من ذلك".
ــ