من يحارب "البطيخ" الفلسطيني؟
رومل السويطي - فيما تحاول مؤسسات وشخصيات فلسطينية رسمية وشعبية دعم ومساندة المنتجات الزراعية المحلية خاصة في ظل إغراق سوق الضفة بمنتجات زراعية اسرائيلية "مشبوهة"، تظهر محاولات من بعض التجار لضرب المنتجات الفلسطينية عبر ترويج المنتجات الزراعية الاسرائيلية.
المزارع عبد الحكيم مصطفى عبد الرازق من طوباس الذي يملك مع شقيقه عبد الناصر مزارع الفارعة والبقيعة الحديثة، كان من بين المزارعين الذين وضعوا نصب أعينهم الاستثمار الزراعي، منذ سنوات طويلة، فكان قراره زراعة مختلف أنواع الخضراوات على مساحة 1600 دونم في سهل البقيعة من أراضي طوباس وطمون، منها 400 دونم بطيخ. يقول عبد الرازق لـ "حياة وسوق" انه كان بدأ المشروع عام 2010 بزراعة مختلف انواع الخضراوات على مساحة 1600 دونم وبضمنها البطيخ على مساحة 120 دونما، وفي العام الحالي 2014 قام بزراعة البطيخ على مساحة 400 دونم، انفق عليها حوالي خمسة ملايين شيقل، قبل أن يقطف الثمار. واضاف انه كان أنشأ خط مياه طوله 25 كيلو مترا، من الفارعة لسهل البقيعة شرقي طوباس، على نفقته الخاصة ودون مساعدة من أي جهة رسمية، مشيرا الى ان منطقة سهل البقيعة محاطة بمستوطنة بقاعوت، اضافة لثلاثة معسكرات لجيش الاحتلال.
ويشير الى أنه قام بالاستثمار في هذا المجال، مع علمه بأن السوق الفلسطينية تستهلك سنويا من البطيخ الاسرائيلي حوالي 160 مليون شيقل.
وقال: هذا الرقم حسب الجهات الرسمية، لكن الرقم الحقيقي أكثر من ذلك بكثير، معربا عن اعتقاده وحسب معلوماته الخاصة ان السوق الفلسطينية تستهلك ما يقرب من 500 مليون شيقل سنويا، مشيرا الى ان معظم كميات البطيخ الاسرائيلي يتم تهريبها الى السوق الفلسطينية بهدف توفير رسوم التصريح من وزارة الزراعة الفلسطينية. وقال: ان الضرر من ذلك لا يقتصر على المزارعين والعمال فقط، بل وحتى على السلطة التي تخسر رسوم التصاريح.
ويقول: في عام 2010 قمت بزراعة 120 دونما في البقيعة بالبطيخ، وساهمت وزارة الزراعة في نصف ثمن الشتلات. واضاف: المشروع فشل لسببين، الأول من ناحية تقنية والثاني لعدم وجود تسويق كما حصل هذا العام.
وأضاف: في عام 2013 زرعت عشرين دونما، ونجح المشروع من ناحيتي الجودة والتسويق، لعدة اسباب بينها وقوف وزير الزراعة السابق المهندس وليد عساف الى جانب المزارعين بشكل مميز ونوعي، اضافة لدقة العمل العلمي والتقني في مجال زراعة البطيخ. وفي بداية العام الجاري اتفقت مع وزارة الزراعة على حماية منتوجاتي الزراعية والتي تشمل البطاطا والجزر والشمام والبصل، اضافة الى البطيخ.
وتابع: في أول يوم قطاف لهذا العام والذي تزامن مع الاعلان عن تشكيل حكومة التوافق الوطني، كان يوما سيئا على مشروعي، موضحا ان قرار منع البطيخ الاسرائيلي لم يترجم نهائيا، بل حصل العكس، حيث تم اغراق السوق الفلسطينية بالبطيخ والشمام والجزر الاسرائيلي.
وأشار الى ان الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل لاقى جميع المزارعين محاربة من جانب تجار البطيخ الفلسطينيين، معربا عن اعتقاده بأنه لو افترض حسن النية عند اولئك التجار، فإن محاربتهم للمنتجات الفلسطينية جاءت بفعل الضغوط الاسرائيلية، مستذكرا ما كتبه الوزير السابق عساف على حسابه على الفيس بوك حول اجتماع بعض تجار البطيخ مع الجانب الاسرائيلي شرق نابلس ما يضع علامات استفهام كبيرة.
وأوضح ان بعض التجار أغرقوا سوق الضفة بالمنتجات الزراعية الاسرائيلية خاصة البطيخ بأسعار متدنية، منوها الى أن سعر الكيلو في اراضي الـ 1948 يبلغ (شيقل و20 أغورة) فيما تم بيعه للتجار في نابلس وباقي مدن الضفة بـ 20 أغورة. وتساءل: "ماذا يعني ذلك؟". وأضاف: قام تجار بمنع تزويد المزارعين بحاويات البطيخ أو ما يعرف باسم "المخالات" وفي حال وصول المنتج للسوق يقوم التجار بأخذ كميات برسم البيع، ثم يقومون بإخفائها حتى تتلف، ليقولوا بعد ذلك لوزارة الزراعة وللمستهلكين انه لا يوجد بطيخ فلسطيني في السوق. وكشف عبد الرازق عن قيام بعض التجار باستعمال ملصق مزارع البقيعة "الليبل" في لصقه على بطيخ فاسد، بهدف تشويه سمعة البطيخ الفلسطيني.
وفيما يتعلق بالاعتداء الذي وقع في البيرة على شاحنة البطيخ القادمة من سهل البقيعة، قال عبد الرازق: بعد نجاح بيع حمولة كاملة في مدينة نابلس والتعاون الكبير الذي أبدته بلدية نابلس وجمعية حماية المستهلك ونقابة العاملين في الزراعة والصناعات الغذائية، تم التنسيق بين جمعية حماية المستهلك في رام الله من خلال رئيسها صلاح هنية، والنقابات الزراعية في رام الله مع بلدية البيرة والشرطة ووزارة الزراعة والسوق المركزية في البيرة لبيع حمولة شاحنة في البيرة، بهدف تشجيع المواطنين على شراء البطيخ الفلسطيني. وقال: بعد وصول الشاحنة الى السوق المركزية في البيرة بحوالي خمس دقائق، فوجئ بتجار يهاجمون الشاحنة والقائمين على الفعالية.
واضاف انه وزملاءه عادوا بعد بضعة أيام الى مدينة رام الله ووضعوا الشاحنة في احدى الساحات التابعة للبلدية وقاموا ببيع حمولة الشاحنة بالكامل.
وحول خسائره، قال عبد الرازق ان تكاليف زراعة ورعاية ومتابعة البطيخ لموسم 2014 بلغت مليون و600 ألف شيقل، وكان يتوقع ان تكون المبيعات من مليونين الى مليونين و300 ألف شيقل، لكن ما حصل أنه حتى الآن لم تصل المبيعات الـ 200 ألف شيقل.
وتساءل: من المسؤول عن كل هذه الخسائر، وكيف سيتم تعويض المتضررين؟". وطالب السلطة بتطبيق الوعود التي قطعتها بحماية المنتجات الزراعية والضرب بيد من حديد على العابثين بالاقتصاد الوطني.
واعلن عبد الرازق عن استعداده وجميع زملائه المزارعين لاعادة الكرة في الموسم القادم لكن بعد تلقي ضمانات من الحكومة وكافة الجهات ذات العلاقة وضمان عدم تكرار خسائر هذا العام والناتجة عن محاربة تجار للمنتج الوطني.
وقال اياد عنبتاوي لـ "حياة وسوق" ان هناك تعطشا من جانب المستهلك الفلسطيني للمنتجات الزراعية المحلية معربا عن اعتقاده ان البطيخ الفلسطيني ذو جودة العالية والسعر المقبول، انتصر على الاسرائيلي الأقل جودة وان هناك ضرورة للوقوف الى جانب المزارع الفلسطيني وأن يتم البناء على فكرة تسويق المنتجات الزراعية كما حصل في نابلس ورام الله.
وأكد ان كافة المؤسسات التي تعاونت معها جمعية حماية المستهلك مثل نقابة العاملين في الزراعة والصناعات الغذائية وبلدية نابلس ورام الله، كان لها دور واضح في محاولة انجاح هذه المبادرات.
أما عبد الكريم دويكات رئيس نقابة العاملين في الزراعة والصناعة الغذائية عضو الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، فقال لـ"حياة وسوق" انه ومن خلال جولات طواقم النقابة الميدانية في منطقة البقيعة تبين لها ان هناك ضررا كبيرا لحق بالعمال نتيجة محاربة البطيخ الفلسطيني، وعلى اثر ذلك، قامت النقابة بعقد عدة اجتماعات ووضعت اقتراحات للخروج من الأزمة، مشيرا الى انه لاحظ عدم تعاون من تجار بحجة ان البطيخ الفلسطيني جودته سيئة. وقال ان النقابة اطلعت بنفسها على البطيخ في أرضه، ولاحظت ان المنتوج اكثر من رائع. وأشاد دويكات بجهود وزير الزراعة السابق وليد عساف الذي كان واقفا مع المزارعين بشكل مميز طيلة فترة توليه الوزارة.
من جهته، قال وزير الزراعة السابق المهندس وليد عساف لـ "حياة وسوق" ان مصير البطيخ الفلسطيني في سهل البقيعة وصل الى مرحلة مأساوية، بسبب إصرار مهربي البطيخ علي التعامل مع بطيخ الاحتلال، وبسبب غياب سياسة واضحة لحماية منتج البطيخ الفلسطيني. وأضاف: كل النداءات بإنقاذ موسم البطيخ لهذا العام ذهبت ادراج الرياح بشكل لم يسبق له مثيل، مشيرا الى ان وزارة الزراعة كانت ساندت ورعت المشروع وخسرت عليه حوالي مليون شيقل، بالإضافة لتجارب عدة أعوام وجهود مهندسي الإرشاد فيها.