الموت القادم من السماء
عماد عبد الرحمن - بالأمس القريب كانت شوارع وأزقة ومنتزهات مدن قطاع غزة تعج بالأطفال الفرحين بإجازتهم الصيفية وباستقبال شهر رمضان، لم يخلو شارع أو حارة من صيحاتهم الفرحة.
بالنهار تجدهم كسالى بعض الشيء بفعل حرارة الصيف أو صيام رمضان, وما ان يأتي وقت الإفطار حتى تشحن طاقاتهم من جديد، فيتسارعون نحو محلات البقالة لشراء القليل من السكاكر والمسليات والكثير من الألعاب النارية التي يضيئون بها ليلهم ويملؤون بها الدنيا ضجيجا, لم يدم الأمر طويلا حتى جاءت غربان الموت" طائرات الاحتلال" لتسكت صيحاتهم وتغتال طفولتهم، شوارع غزة اختفت منها الطفولة .. تغير المشهد تماما، بفعل الموت القادم من السماء، احتلت الدموع مكان الفرحة في أعين أطفال غزة وسمعت صرخات الذعر المدوية من أفواههم بدلا من ضحكاتهم, كل ما تراه هذه الأيام عيون أطفالنا معلقة بالسماء تحسبا لأي قصف مباغت يقض مضاجعهم، أذرعهم ملتفة حول أعناق آباء وأمهات بالكاد يستطيعون الصمود أمام صرخات وصيحات أبنائهم.
في مستشفى الشفاء بغزة تجد أباً وأماً يبكيان طفليهما بمرارة وحسرة، تسمع أصواتاً من الجماهير المحتشدة في المكان تقول " راحوا أولاده "، إياد عريف والد الشهيدين الطفلين أمير عريف "13 عاما" ومحمد عريف "10 أعوام", ويقول بحرقة ومرارة "هما رأس مالي، هما اللذان خرجت بهما من الدنيا"، يضرب باب ثلاجة الموتى برأسه مناديا على طفله محمد تارة وأمير تارة أخرى، لكنه لا يجد من يجيب نداءه، أمير عريف وأخيه محمد كل ذنبهما أنهما حاولا أن يعيدا لشوارع غزة الحياة فقررا أن ينزلا للعب في الشارع أمام منزلهما بحي الشجاعية شارع النزال، لكنهما لم يدركا أن هناك غراب موت يحوم في المكان يبحث عن هدف يقتنصه، تصادف وجود الهدف في مكان لعب محمد وأمير، أطلق صاروخاً باتجاه الهدف، ارتقى الطفلان شهيدين، ولم يصب الهدف بأذى.
لم تعد شوارع غزة آمنة على أطفالها بسبب القصف الإسرائيلي العشوائي المتواصل على مدن القطاع، ولم يعد الآباء والأمهات يأتمنون شوارع غزة على أبناءهم .
محمد مصطفى ملكة "4 أعوام" المسجى داخل ثلاجة الموتى في مستشفى الشفاء، أدرك بصغر سنه تلك الحقيقة، قرر أن يحتمي ببيته بكنف والدته وأخته منتظرا أحضان والده الملاذ الوحيد الآمن الذي تبقى له في هذه الدنيا، وما إن دخل والده المنزل حتى انقصفوا، ارتقى محمد ووالدته شهداء وأصيب الوالد والابنة.
لم يختلف المشهد كثيرا في مستشفى ناصر بخان يونس حيث جثمامين أطفال عائلة كوارع محمد وقاسم وباسم "14 عاما" ممدة على الأرض بانتظار تشييعهم الى مثواهم الأخير... فبدلا من ممارسة ألعابهم اليومية في أزقة وشوارع خان يونس اغتالتهم غربان الموت داخل منزلهما مسفرة عن 7 شهداء و25 شهيدا في جريمة يندى لها جبين الإنسانية.