دير البلح: حين تفترش أم ورضيعها الأرض ويلتحفان السماء
- محمد أبو فياض
لجأت المواطنة فاطمة أبو ظاهر ورضيعها الذي لم يتجاوز عمره عشرة أيام، إلى مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين 'الأونروا' على طريق صلاح الدين الرئيس شرق دير البلح، هرباً من آلة الحرب الإسرائيلية.
تقيم فاطمة في المدرسة منذ خمسة أيام، أي أن عمر رضيعها حين لجأت إلى المدرسة، لم يكن قد تجاوز الأيام الخمسة.
فاطمة الآن تفتقد الحد الأدنى من الرعاية الطبية الصحية هي ورضيعها، بل هي محرومة من الغذاء هي ورضيعها الذي يصرخ جوعا، لأنها عاجزة عن توفير الحليب له. فكيف ستوفر له الحليب وهي لا تتغذى ولا تتناول أي شيء؟
فاطمة ووليدها يفترشان الأرض ويلتحفان السماء، حالهما حال عشرات المواطنين الذي تركوا منازلهم شرق دير البلح والقرارة ولجأوا إلى المدرسة هربا من آلة الحرب الإسرائيلية.
هنا في المدرسة يمضي يوم أو يومان دون أن يفطر أي من هؤلاء المواطنين، فهم جوعى وعطشى ولا يحظون بلقمة طعام ولا حتى شربة ماء يفطرون عليها كل يوم، رغم أن أحد المحسنين نجح أول من أمس في الوصول إلى المدرسة وتقديم وجبات إفطار سريعة لعدد من هؤلاء وليس لجميعهم.
فاطمة ورضيعها ليسا وحدهما يعانيان من هذه الظروف، فهنا يمكن رؤية الحاجة هدبة أم عودة التي تجاوزت العقد التاسع من عمرها.
الحاجة أم عودة لا تسمع ولا ترى بسبب كبر سنها، غير أن حفيداتها تكفلن برعايتها، فهي جدتهن وعليهن رعايتها، ولن يتركنها حتى ولا كلفهن ذلك حياتهن.
العديد من المسنين والأطفال والرضع والنساء ومرضى السرطان وضغط الدم والسكر يقيمون حاليا في المدرسة دون توفر الحد الأدنى من الخدمات الطبية، حتى العاجلة منها.
وحسب وكالة 'الأونروا'، فقد تفاقم الأثر الإنساني أكثر خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية في قطاع غزة، وأنه حتى هذه اللحظة، لم يحدث سوى عدد محدود من حالات النزوح ولم يتم رسميا فتح أي ملجأ للطوارئ في هذه المرحلة، إلا أن بعض السكان القريبين قد لجأوا لمنشآت الأونروا بحثا عن الأمن النسبي والمؤقت فيها.
وقالت الأونروا: إن مستويات الاستعداد لدى الأونروا مرتفعة، إلا أن التاريخ يبين أن المنظمة قادرة على إيواء ما يصل إلى 50 ألف شخص مشرد من غزة في مدارسها في حال حدوث عدوان بري. ومع ذلك، فإن المنظمة تحتفظ بمؤونة تكفي لأقل من 35 ألف شخص بسبب شح الموارد المالية التي لم تسمح لنا بتجديد إمدادات الطوارئ بعد الفيضان المدمر في كانون الأول من العام 2013.
وحسب التقارير الواردة من مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية، فقد تأثرت الخدمات العامة الأخرى أيضا بشدة.
من جانبه، حذر مركز الميزان لحقوق الإنسان المجتمع الدولي من مغبة الاستمرار في صمته لأن الكلفة البشرية لهذا العدوان ستكون كبيرة جداً وغير مسبوقة بالنظر لتكثيف قوات الاحتلال هجماتها التي تركز على استهداف المدنيين والمنازل السكنية والمساجد والمدارس والمؤسسات.
وأكد المركز أن ما تقوم به قوات الاحتلال من جرائم يشبه إلى حد كبير تلك التي ارتكبتها خلال عدوان الرصاص المصبوب. وأن أعمال القتل وخاصة قتل الأطفال وجرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال ترتكب تحت غطاء سياسي من قبل المجتمع الدولي، الذي يصمت ويعجز رغم هول وبشاعة الجرائم الإسرائيلية عن التحرك العاجل لوقفها وحماية المدنيين.
ورأى المركز في استهداف المدنيين على هذا النحو أمر خطير يفرض على المجتمع الدولي ولاسيما الأطراف السامية الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة التحرك العاجل لحماية المدنيين ووقف جرائم الحرب الإسرائيلية وتفعيل أدوات الملاحقة والمسائلة عن هذه الجرائم.
وقال: إن المدنيين الفلسطينيين عموماً والأطفال والنساء والمسنين خصوصا، هم من يدفعون من دمائهم ومن آمالهم ثمن العجز الدولي عن مواجهة الجرائم الإسرائيلية التي يبدو وأنها ستتصاعد، لأن شعور المجرمين بالحصانة يفتح شهية القتل ما ينذر بنتائج إنسانية وخيمة لاستمرار هذا العدوان.
أما المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فقد حذر من تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة في ظل استمرار التصعيد، والتهديد بتوسيع تلك العمليات وما يرافقها من إجراءات حصار خانق يمس بكل مناحي الحياة للمدنيين الفلسطينيين.
ودعا المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لوقف جرائم الاحتلال، مجددا مطالبته للأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة الوفاء بالتزاماتها الواردة في المادة الأولى من الاتفاقية والتي تتعهد بموجبها بأن تحترم الاتفاقية وأن تكفل احترامها في جميع الأحوال، كذلك التزاماتها الواردة في المادة 146 من الاتفاقية بملاحقة المتهمين باقتراف مخالفات جسيمة للاتفاقية، علماً أن هذه الانتهاكات تعد جرائم حرب وفقاً للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين وبموجب البروتوكول الإضافي الأول للاتفاقية في ضمان حق الحماية للمدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وطالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق أممية للتحقيق في جرائم الحرب التي تقترفها قوات الاحتلال ضد المدنيين في قطاع غزة، واتخاذ الإجراءات والآليات اللازمة لملاحقة مقترفيها.