شهادات حيّة : الاتصال الأخير .. !
-أسامة الكحلوت
" ما أصعب أن يأتي شقيقي لي فجأة ويخبرني بضرورة مغادرة المنزل دون أن ارتدى عبائتى وملابسي الرسمية للخروج من المنزل كعادتي ، لأجد نفسي أمام أمر عسكري صهيوني يجبرني على مغادرة المنزل بعد اتصالهم بشقيقي الذي حاول إقناعهم أن بيتنا لا يتم بصلة لأحد أقاربنا الذي يعمل مع المقاومة ، وان الموضوع فقط تشابه أسماء معه ، ليصدم بعدها بإغلاق الهاتف من جانب الاحتلال الاسرائيلى ، لنهرول أنا واسرتى واشقائى الأطفال الذين حاولوا اخذ بعض ألعابهم لكن شقيقي الأكبر منعهم ، وكأننا في حلم وصلنا على بعد 100 متر من المنزل لنشاهد بعدها منزلنا يتطاير في السماء أحلامنا وأمالنا فيه قتلت ، وما أصعب أن تشعر باللعنة على منزلك أيضا بعدما أصيب شقيقي بشظايا الركام المتطاير بيده ليتم بترها ، لتكون مأساة مزدوجة تحمل قتل أحلامك في استقرارك بمنزل خاص ، ولعنة على بيتك الذي بتر يدك "
" لم استوعب حتى ألان ما جرى منزلي غرفتي الذي اعتبره عشقي وراحتي ، كيف سأصحو من نومي بعد ألان فليتنى مت قبل أن أرى هذا المشهد ، فطبيعتي أصحو من نومي لنلتقي مع الأسرة في الصالون ثم نتحدث قليلا ، وينطلق كل في عمله ، وكيف سأداعب اغصاب العنب التي تتدلى على شباك غرفتي ، أحلام تحطمت بعدما ذهبنا في اليوم التالي لمنزلنا نحاول الحصول على بعض الملابس الممزقة لنستر فيها أنفسنا ، ويحاول شقيقي الأصغر استعادة بعض ألعابه التي تحولت إلى أشلاء ، يا رباه صبرنا على ما ابتليتنا به ، وعوضنا خيرا عنه ، وجلسنا على الحطام وأغرقنا الركام بدموعنا "
كانت هذه الكلمات لشابة فلسطينية قصف بيتهم بعد أن ابلغهم الاحتلال الاسرائيلى باتصال أخير لهم داخل المنزل بهدمه بعد دقائق من الاتصال ، نشرتها عبر صفحتها على الفيس بوك ، تسرد مشاعرها وحزنها على ما أقدم عليه الاحتلال من حماقة تجاههم .
وأشارت في حديثها أن هناك تشابه أسماء بينهم وبين احد أقاربهم الذين يعملون في المقاومة ، فتم قصف منزلهم دون جدال مع شقيقها الذي حاول شرح الموضوع لضابط الموساد الذي اتصل بهم .
سياسة همجية تعتمدها قوات الاحتلال الاسرائيلى منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بهدم بيوت الآمنين في ظلام الليل الدامس ، حيث تم استهدف منازل يعمل أبنائهم في المقاومة ، والكثير منهم منازل أبرياء ليس لهم صلة بأحد .
ومنذ بداية الحرب قبل خمسة أيام يتعمد الاحتلال بقصف المنازل منتصف الليل ، ويشرد ساكنيها في الشوارع بعد اتصال يبلغهم بضرورة إخلاء المنزل خلال دقائق معدودة لا تتعدى الثلاثة دقائق ، ويمعن الاحتلال بقصف المنزل كعقاب جماعي للأسرة بسماحها لأبنائهم بالعمل في صفوف المقاومة الفلسطينية .
ولم يكن هذا الاتصال من باب الشفقة بأبنائهم المقاومين بل من الحقد الدفين في قلوبهم بعد فشلهم في الوصول للمقاومين ، فيتصل الموساد الاسرائيلى بالأسرة قبل القصف المنزل بعد فشلهم في الوصول لأبنائهم على مدار أيام الحرب السابقة ، ليحمل الأسرة سبب انضمام الأبناء للمقاومة .
فبدأت الحرب بقصف بيوت مقاومين ثم تدرجت لقصف بيوت الأبرياء الذين لا ينتمون لاى فصيل لجعلهم يحقدون على المقاومة الفلسطينية ، ثم امتدت للمساجد وبعض القيادات السياسية في حركة حماس مثل الأستاذ عصام الدعاليس مستشار رئيس الوزراء في الحكومة المقالة سابقا إسماعيل هنية .
أما المواطن محمد أبو عيشة من دير البلح الذي قصف منزله قبل أيام وسط دير البلح قال " للمرة الثانية يقصف منزلي بعد قصفه في الحرب الأولى على قطاع غزة عام 2008 ، وتفأجئت باتصال من الموساد يبلغني بضرورة إخلاء المنزل خلال دقيقة ، أسرعت باتجاه ابنائى وخطفتهم وهم يتناولون طعام الغذاء لأغادر منزلي واصرخ بأعلى صوتي للجيران بضرورة فتح شبابيك منازلهم تجنبا لتكسيرها من القصف ، لأجد الصاروخ سقط على منزلي ودمره دون مرور المدة الممنوحة للإخلاء التي ابلغني بها وهى ثلاثة دقائق "
غادر أبو عيشة منزله كالبرق لينجو بنفسه مع أطفاله وأسرته بملابسهم ، دون أن يحمل اى أوراق خاصة من منزله أو أموال أو اى ممتلكات تعينه على العيش بعد ذلك بعد قصف منزله .
وقد أعاد الاحتلال الاسرائيلى منذ بداية الحرب حتى ألان قصف جميع المنازل التي قصفها في الحرب الأولى دليلا على إفلاسه وعدم وجود بنك أهداف لديه أو معلومات عن المقاومين الفلسطينيين ، في حين أن اغلب المنازل التي قصفت في الحرب الأولى عام 2008 قد تم تشييدها حديثا وإعادة بناؤها ، وقد سكن معظمهم منازلهم قبل أشهر معدودة بعد انتهاء البناء ، ليعود الاحتلال في قض مضاجع الأبرياء والأطفال والمعاقين .
ويشار إلى أن الاحتلال الاسرائيلى قصف عشرات المنازل على رأس ساكنيها دون إنذار مسبق سواء باتصال على الهاتف أو صاروخ تحذيري ، عندما يجد أن هدفه من الشبان المقاومين متواجدين داخل المنزل ، فيقوم بقصف على رؤوس الأطفال والأبرياء والمعاقين والمسنين ، مثل عائلة الحاج في خاني ونس وكوارع والبطش .
وقبل ثلاثة أيام قصفت طائرات الاحتلال الاسرائيلى منزل عائلة الحاج بخانيونس لترتكب مجزرة في خانيونس على رأس الأسرة والجيران الذين تضرروا من القصف بهدم منازلهم جميعا نظرا لتواجد المنازل في أزقة ضيقة ، ليستشهد في هذا القصف سبعة أشخاص من عائلة الحاج نساء وأطفال وفتيات ومسنين ، حيث اتصل الموساد الاسرائيلى في ابنهم الأكبر مبلغا إياه بقصف منزلهم بعد ثلاثة دقائق ، أصيب بحالة هستيرية نظرا لتواجده في غزة بعيدا عن أسرته ، وحاول الاتصال في جميع أسرته منتصف الليل ولم يجيبه احد نظرا لأنهم نائمون ، فتوجه كسرعة البرق بسيارة إلى منزله ليصل إلى أهله وهم شهداء تحت أنقاض المنزل ، ليغمى عليه بعد هذا المشهد .
وللجيران أيضا نصيب فثلاثة دقائق هذا كل ما منحه جيش الاحتلال الاسرائيلى لإحدى العائلات في شمال غزة لإخلاء بيتها من ساكينه لتدميره، بينما كان الجيران يترقبون من على أسطح منازلهم سقوط الصاروخ على ذلك البيت الآمن الذي تحول بين لحظة وأخرى إلى هدف للطائرات الإسرائيلية.
مرت الثواني بسرعة و هي في مرورها تكاد تطبق على تلك العائلة المسكينة، تكاد تنتزع أرواحهم قبل أن تُنتزع بفعل القصف، هاهم يتسابقون نحو الباب ، أطفال نساء رجال و شيوخ، يذرفون دموع على أرواحهم التي زفت إلى مثواها الأخير قبل أن تزف، يحاولون أن يمنحوا الحياة لبعضهم البعض و لكن القصف أنهى حياة الجميع، و أراحهم من فاجعة الفراق، لا احد يبكي على أحد، كلهم ساروا في موكب جنائزي وهم يحملون نعوشهم على أكتافهم، صمت يخيم على المكان، وغبار يتطاير من هنا وهناك،ترى أين ذهب الجميع؟ أين اختفوا ؟أين يمكن أن يكونوا؟
هكذا تساءل الجيران وجيران الجيران،تسلق بعض الشباب ذلك الركام وهم يفتشون عن صرخة تخترق المكان ، عن يد تلوح، عن قدم تتحرك بعد سقوط عدة صواريخ على المنزل ، و لكن ليس هاهنا إلا الركام و الموت ، ليس هناك وسط هذا الغبار إلا ألعاب تشير بوجود أطفال صغار ودعوا الحياة قبل أن يرتشفوا منها رشفة كبيرة، وذلك كرسي لشخص معاق اعتلى الركام وصاحبه تراكمت عليه الأسقف و الجدران، أنها الصورة التي تتكرر في الكثير من البيوت الغزية التي قصفت طائرات الاحتلال أحلامهم قبل أن تقصف بيوتهم .
فمن أين يبدأ هؤلاء الذين نجوا من الموت حياتهم، كيف سيلملموا جراحهم وكيف سيلبسوا أحزانهم ثوب الفرح بعد الآن و قد قصف الاحتلال كل الطرق المؤدية للفرح .
وحسب أخر إحصائية للبيوت التي تم قصفها منذ بداية الحرب حتى ألان هي هدم 358 منزل ، و 2112 غارة إسرائيلية على قطاع غزة ، واستشهاد 157 شخصا اغلبهم من النساء والأطفال ، وإصابة 1127 .
عن دنيا الوطن