مصريات يغادرن غزة مع أسرهن هربا من "موت محقق"
رفح (مصر)- أ.ف.ب- تنفست سهير مسعود وهي مصرية متزوجة من فلسطيني تقيم في قطاع غزة الصعداء بمجرد اجتيازها أمس معبر رفح مع ابنائها الاربعة معتبرة انه "كتب لهم عمر جديد" بخروجهم من القطاع.
وعائلة سهير واحدة من عدد قليل من الأسر الفلسطينية المحظوظة التي تحمل الأمهات فيها الجنسية المصرية أو الأجنبية والمسموح لهن بدخول مصر مع ابنائهن، اذ لا تصرح السلطات المصرية للفلسطينيين بدخول اراضيها باستثناء المصابين الذين يأتون للعلاج.
وقالت سهير لوكالة فرانس برس انها "نجت بأعجوبة من موت محقق" في قطاع غزة الذي يتعرض منذ الثامن من تموز لعدوان واسع.
وأضافت "أشعر انه كتب لي عمر جديد ونجوت من موت محقق. قصف امس (الأول) كان بالدبابات والمدافع ومن البحر. كانت ليلة بشعة لم ننم فيها. المنزل كان يهتز وكأنه سينهار علينا".
وتحيط بمعبر رفح من كل جانب اراض صحراوية نبتت فيها شجيرات خضراء وتناثرت حوله من بعيد بيوت بدائية عشوائية من دور واحد.
ويسود توتر وحذر الطريق المؤدي الى المعبر الذي يمر عبر شوارع نصف ممهدة ملتوية على جانبيها عشرات المنازل التي هدمها الجيش المصري اثناء تدمير انفاق التهريب بين مصر وغزة.
ويسمع دوي الانفجارات في قطاع غزة من معبر رفح بشكل واضح، كما انها تؤدي الى اهتزاز زجاج مباني المعبر الذي تحرسه دبابات ومدرعات للجيش المصري يتحصن في محيطها عدد قليل من الجنود ورجال الشرطة.
وجمعت أسرة سهير مسعود اخف ما تستطيع حمله وهي تغادر القطاع : ثلاث حقائب وبعض الأكياس البلاستيكية التي حوت بعض الأغراض الضرورية.
وبأسى قالت سهير، التي تعيش في مدينة رفح الفلسطينية وهي تنتظر ختم جواز سفرها على بوابة المعبر الحديدية السوداء: "لم أكن أريد ان اغادر منزلي، لكن الليلة (قبل) الماضية كانت صعبة جدا بعد بداية العملية البرية".
وفيما ساد الوجوم اوجه ابنائها قالت ابنتها لمى (سبع سنوات) التي كانت تجر حقيبتها الصغيرة "لا أريد ان أعود الى غزة. الحرب شيء سيئ جدا"، قبل ان تمضي تاركة خلفها دخانا أسود يتصاعد من الجانب الفلسطيني من مدينة رفح الحدودية.
وقال مسؤول أمني في المعبر لفرانس برس ان "السلطات المصرية قررت فتح المعبر يوم الجمعة (أمس) وهو اجازة رسمية لحاملي الجنسية المصرية في غزة والأجانب والمصابين الفلسطينيين". وتابع "عندنا تعليمات ان الاعتبارات الانسانية تأتي قبل الاعتبارات السياسية".
وتراصت خارج المعبر سيارات اسعاف مصرية صفراء اللون بانتظار وصول مصابين فلسطينيين، لكن مراسل فرانس برس لم يلحظ خروج أي مصاب حتى مغادرة السيارات في الساعة الرابعة موعد بدء حظر التجوال في مدن شمال سيناء التي تشهد أعمال عنف بين متشددين اسلاميين والأمن المصري.
وبين الحين والآخر تتوافد أسر تحمل الجنسية المصرية او جنسيات اجنبية على المعبر. وتصطف سيارات الأجرة خارج المعبر لنقل الواصلين من رفح الفلسطينية.
وقالت سيدة مصرية اخرى قالت ان اسمها أم أحمد فيما كان ابنها يتفاوض على اجرة سيارة تقل الأسرة للقاهرة: "عشنا أياما صعبة وحالكة أخيرا في غزة. اصوات الانفجارات لا تتوقف والأطفال لا ينامون الا في احضان امهاتهم من الخوف".
واضافت "الرحلة من البيت للمعبر كانت صعبة جدا. القصف كان عشوائيا من حولنا لم أصدق اننا وصلنا سالمين وسط هذا القصف". وتتابع أم أحمد بحزن وهي تدفع امامها بعضا من حقائب أسرتها "ابن عم زوجي استشهد في المقاومة ولم نحصل على جثته بعد. لا نريد ان تفقد الأسرة شخصا آخر".
وتقول ابنتها سميرة وهي تحمل ابنتها ملك التي تبلغ من العمر سنتين "أشعر ان عمرا جديدا كتب لي. القصف لم يكن يفرق بين مدنيين ومقاومة. لم نكن نستطيع ان نخرج من البيت اساسا". وتضيف سميرة وهي تسترجع الأيام الماضية "الانفجارات كانت حولنا في كل مكان. كنا نتجمع في غرفة واحدة حتى نموت سويا بالقرب من بعضنا البعض".
ويقول مصعب شقيق سميرة الذي يعمل محاسبا في شركة دهانات في غزة فيما كان يستجمع قواه بعد مغادرة القطاع "لم ننقطع عن الدعاء وقول يا رب طوال الطريق" واضاف في توتر "لقد كانت اياما صعبة وستزداد سوءا على اهلنا الذين تركناهم خلفنا في غزة للأسف".
ويقول سائق التاكسي محمد ابو قشطة الذي ينقل الأسر من الأحياء الفلسطينية الى معبر رفح "الطريق للمعبر طريق موت. أصل للمعبر ولا أعرف هل سأعود مجددا أم لا".
الخروج من غزة كان له وقع الفرح عند أسر اخرى غير مصرية حزمت كل حقائبها ربما لرحيل نهائي من القطاع.
وفي نقطة التقاء علمي مصر وفلسطين في المعبر، تقول الهام أبو دغما الخمسينية الجزائرية بفرح بالغ وهي تحمل حقائبها "اشعر براحة نفسية للمغادرة. اصوات الانفجارات لا تزال تدوي في اذني"، قبل ان تشكر ضابطا مصريا قائلة وكأنها لا تصدق انها غادرت القطاع "رحمتونا رحمتونا".
وتخطط الهام المتزوجة من فلسطيني للاقامة الدائمة في بلدها بعد ذلك وتقول: "جئت الى غزة من سبعة شهور لكن الحياة هناك اصبحت لا تطاق. لا كهرباء ولا ماء ولا غذاء. سأعود للجزائر".