سعد صايل: فتى كفر قليل وجنرال بيروت!
نابلس -ألف-عبد الباسط خلف:
تسكن الأحزان قلب أبو هاني صايل، ابن عم الشهيد سعد صايل، بالرغم من مرور 29 سنة على اغتياله، فيما تشتبك الدموع على شغل حيز لها في عيونه، مثلما تنتقل إلى ذاكرته.
يقول: "كان سعد ابن عمي وأخوي في وقت واحد، فبعد وفاة والدي نادر سلمان، حضّنا وربانا أنا وأخوتي عمي صايل (أبو سلمان). وعشنا في بيت واحد، وكنا نأكل في نفس الصحن، ونتقاسم الملابس، ونذهب معاً إلى المدرسة، ولا يزال بيت العائلة على حالة في بلدنا".
يتابع بصوت يتخلله البكاء: " كنا نلبس نفس الملابس، ونتشارك في كل شيء. ويكبرني الشهيد سعد (أبو الوليد) بخمس سنوات، فهو من مواليد 30 أيلول 1932، وكانت طفولتنا هادئة، ولم نشعر بأننا أيتاما، فعمي وأولاده: سلمان وسعد، وجدتي، وشقيقاتي، وجدتي كنّا نموذجاً للعائلة الفلسطينية التي تعيش على الحلوة والمرة. وكان عمي، الذي عمل في الأشغال العامة زمن الاحتلال البريطاني، يشتري الأرض ويسجلها مناصفة لنا ولأولاده".
وتبعاً لرواية أبو هاني، فقد كان سعد يذهب إلى مدرسة عورتا في صفه الأول، ثم انتقل إلى المدرسة الهاشمية، والصلاحية بنابلس. وحينما انتقل إلى الجيش الأردني، ظل (أبو الوليد) يتنقل بين الزرقاء وكفر قليل، وبعد النكسة انقطع عنا، وظل في الأردن إلى أن التحق بالثورة الفلسطينية في أحداث أيلول الأسود.
يسترد أبو هاني: "تزوج أخوي وحبيبي وابن عمي من ميّسر نجم عبد الجبار، وأنجبا 5 أولاد وأربع بنات: وليد، ومحمد، وبسام، وفراس، ومنير، وفردوس، وفاتن، ونهى، وفدوى. ويتوزع الأبناء بين الخليج وسوريا ورام الله وكفر قليل. فيما يعاني بسام وفراس وفدوى الصم والبكم منذ الولادة".
ولا يكف أبو هاني عن استذكار "مارشال الثورة"، ويقول: "اشتري سيارة (رينو) من الأردن قبل خروجه إلى سوريا، وكان يسدد ثمنها على أقساط، وحينما انتقل إلى الشام، ظل ملتزماً بتسديد أثمان إقساطها إلى الشركة الأردنية. وأخر مرة التقى مع (أبو الوليد) كانت في الشام في 19 نيسان 1979، ولكنني لا أصدق بعد أنه رحل عنا، فصورته وضحكاته ومزاحه وقلبه الطيب لا زال بيننا".
يستذكر الشاب علي محمد، الذي يسكن كفر قليل وتسكنه، ما كتبه ممدوح نوفل قبل رحيله عن ابن بلدته: "في مثل هذه الأيام من شهر أيلول 1982 نجحت يد عربية فلسطينية غادرة في اغتيال القائد سعد صايل "أبو الوليد". وباستشهاده فقدت الحركة الوطنية احد رموزها وصناع تاريخها المشرف وهي في أمس الحاجة إليه ولأمثاله، ولا بد من تخليد ذكرى رجل لم يلوث الزمن مبادئه الأصيلة. عاش 52 عاما من أجل فلسطين، واستشهد دفاعا عن حقوق أهلها واستقلالية قرارهم".
فيما تقول أدبيات (فتح) التي وصل أبو الوليد لجنتها المركزية خلال المؤتمر الرابع في دمشق: "بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 وجد سعد صايل روحه فيها، ونسج علاقة مبكرة مع روادها. وبعد هزيمة حزيران 1967 لم يجد طلائع "فتح" الأوائل صعوبة في ضمه لصفوفهم وأصبح العميد أبو الوليد ابن قرية كفر قليل، المجاورة لمخيم بلاطة، احد أبنائها. وقبل أحداث أيلول 1970في الأردن كان ضباط وجنود "لواء الحسين مشاة" المتمركز في كفرنجة والأغوار محط اهتمام قيادة الحركة والقيادة الفلسطينية، فقائده العميد سعد صايل جعل من اللواء بكامل إفراده ومعداته الحربية قوة مساندة للثورة في عملياتها ضد الاحتلال وفي وجه كل سوء يمكن أن تتعرض له. ورغم ملاحظاته الكثيرة حول المواقف السياسية المتطرفة والمسلكيات الخاطئة لبعض قيادات وكوادر الفصائل إلا أن أبو الوليد ميز الأخطاء التكتيكية الضارة عن الأخطاء الإستراتيجية المدمرة. وعندما جد الجد في أيلول 1970 لم يتردد لحظة في إعلان انحيازه للثورة الفلسطينية في مواجهة مخطط تصفية وجودها. والتحق هو ومعظم ضباط وأفراد لوائه بقوات الثورة الفلسطينية. ومنذ انخراطه في الثورة تميز أبو الوليد، بحنكته القيادية، بين أبنائها وفصائلها، وكان الوفاء لفلسطين والعمل من اجلها مقياسه الوحيد. امتاز بمواقفه الوطنية الوحدوية الصلبة، وكره "الفزلقة" وتنميق الكلام وكره التعصب الحزبي والفصائلي. وميز الوفاء لفلسطين عن الوفاء لحزب أو تنظيم أو زعيم. وبين المقاومة القائمة على العلم والإخلاص عن تلك التي يقودها الجهل والنفاق والارتزاق."
واغتيل أبو الوليد في 27 أيلول 1982 في سهل البقاع اثناء تفقده للقوات الفلسطينية المتموضعة هناك بعد الخروج من بيروت. ويعتبر سعد صايل من أبرز القيادات العسكرية الفلسطينية والتي لعبت دوراً هاماً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي حيث كان القائد الميداني لمعركة صمود بيروت بالعام 1982 من خلال قيادته للقوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية وكذلك قيادته لغرفة العمليات المركزية.
وقالت اللجنة الإعلامية لحركة "فتح" في بيان اليوم، "إن الشهيد سعد صايل رجل لم يلوث الزمن مبادئه الأصيلة ومدرسة عسكرية ثورية بحد ذاتها، حيث لعب إلى جانب القائد الرمز الشهيد ابو عمار الدور الأبرز في اتخاذ قرار الصمود في بيروت في أطول حرب عربية إسرائيلية استمرت 88 يوماً. وكان خلال مسيرته صمام الأمان في الحفاظ على وحدة الثورة الفلسطينية متمسكا ومدافعا عن القرار الوطني الفلسطيني المستقل ومن أجل ذلك كله تم اتخذ القرار في اغتياله بعد ملحمة بيروت الأسطورية واستكمالاً لمجزرة صبرا وشاتيلا."