النكسة.. احتلال رابض على مقدرات الفلسطينيين
وفا- زلفى شحرور
يرسم رئيس معهد الدراسات الاقتصادية "ماس" سمير عبد الله سيناريو لما كان يمكن أن يكون عليه الوضع الاقتصادي لفلسطين اليوم لو لم يكن هناك احتلال للأرض الفلسطينية عام 1967.
ويقول عبد الله لـ"وفا" في حديث بذكرى النكسة: "كان يمكن للاقتصاد الفلسطيني أن يكون في مستوى الاقتصاد اللبناني، وأضعاف حجم قوته الآن، ويكون الناتج المحلي في حدود لا تقل عن 20 مليار دولار، ونصيب الفرد من الناتج المحلي لا يقل عن 3 آلاف دولار للفرد.
ووصل حجم النمو الاقتصادي لهذا العام حسب الجهاز المركزي للإحصاء 9.3 %، وهو يقارب بهذا الرقم نسب النمو التي حققها الاقتصاد عام 1999 قبل الانتفاضة، أي أن الاقتصاد الفلسطيني خسر عشر سنوات من فرص النمو الاقتصادي بسبب الإجراءات الإسرائيلية، وخسر نحو 70% من قدراته الحقيقية خلال العام 2002 باعتباره العام الأصعب في تاريخ الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 383 دولارا أميركيا خلال الربع الرابع من عام 2010.
ويقول عبد الله: "تاريخيا وحتى اللحظة قام الاحتلال بسرقة مواردنا، وظل الجزء الرئيسي منه محرما علينا استخدامه وحولته للاستخدامات الإسرائيلية مثل المياه، والأراضي، والبحر الميت، كما كان للاقتصاد الفلسطيني شريك تجاري في الصادرات والواردات، وما بقي لنا من الموارد فرضت علينا قيود كبيرة في استخدامها".
ويباهي الفلسطينيون بقدرتهم الاقتصادية على الصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي، والمتمثلة بقدرة هذا الاقتصاد على التأقلم والبقاء رغم كل إجراءات الاحتلال سواء بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية أو قبلها، والتي عملت على بقائه ملحقا بإسرائيل لأسباب اقتصادية وسياسية في الوقت ذاته.
ولعل تجربة أوسلو وقيام السلطة الوطنية، شكلتا أفضل نموذج لما كان يمكن أن يكون عليه الوضع، رغم كل الإجراءات الإسرائيلية في مواجهة هذا الاقتصاد وعلى الأخص في فترة الانتفاضة.
ويمكن الاستدلال على ذلك بمثال القطاع المصرفي للسوق الفلسطينية، إذ ارتفع عدد البنوك العاملة، منذ أوسلو في فلسطين لحوالي 18 بنكا، وبلغ حجم ودائعها حوالي 6.8 مليار دولار أميركي وأصبح هناك سوق للأوراق يضم 46 شركة مدرجة، عدا عن الضخ المالي من قبل الدول المانحة لدعم السلطة الوطنية التي بلغت موازنتها خلال العام الجاري لحوالي 3 مليارات دولار.
ويؤكد عبد الله ذلك بالقول: "كان يمكن لتطورنا أن يكون أكثر تنظيما مما هو عليه، وجودة البيئة وشبكة المواصلات أفضل مما هي عليه، كما كان يمكن لاقتصادنا أن يكون متنوعا، وألا يظل اقتصادا تقليديا بسيطا".
ويضيف: "بعد قيام السلطة دخلت قطاعات اقتصادية كبيرة للعمل، ودخلت على الاقتصاد عمليات الأتمتة والجودة العالية، كما توسعت صلاتنا التجارية مع أوروبا وأميركا".
ويرى عبد الله أن موانئ في غزة كان يمكن لها أن تشكل بديلا عن موانئ حيفا وأسدود في تجارة الأردن مع العالم الخارجي.
وقال: "بعد قيام السلطة الوطنية دخلت قطاعات اقتصادية كبيرة في سوق العمل، ودخلت على الاقتصاد عمليات الأتمتة والجودة العالية، كما توسعت صلاتنا التجارية مع أوروبا وأميركا".
وأضاف: "دمر الاحتلال الإسرائيلي إنشاءات البناء في ميناء غزة البحري في العام 2002، ومطار عرفات في قطاع غزة، واللذين كانا يمكن لهما أن يشكلا منفذا لفلسطين على العالم الخارجي.
ويقول رئيس غرفة تجارة وصناعة رام الله والبيرة صلاح العودة: "يكفي أن نكون تخلصنا من العبء السياسي للاحتلال، لأن أخطر ما يواجه الاقتصاد الفلسطيني هو التحديات السياسية". و"يضيف لا يمكن رسم صورة محددة دون معرفة طبيعة النظام القائم وسياساته الاقتصادية".
ويؤكد خبراء الاقتصاد أنه لولا الاحتلال وعمليات التهجير لكان حجم السوق الفلسطينية أضعاف حجم السوق الحالية، وسيلعب عدد السكان دورا كبيرا في تطور قطاع الصناعة والزراعة لتلبية احتياجاتهم.
وتشير أرقام الجهاز المركزي للإحصاء أن عدد سكان الأرض الفلسطينية وصل بعد الاحتلال الإسرائيلي في حزيران عام 67 لحوالي المليون، في حين بلغ عدد النازحين حوالي 400 ألف نسمة.
وعن ذلك، يوضح عبد الله: "بالتأكيد سيكون حجمهم أكبر من القائم، فالأرض الفلسطينية لم تشهد زيادات في السبعينات من القرن الماضي بسبب الهجرة، التي كانت تمتص نسب النمو الطبيعي بحوالي 4%".
ويضيف: "بعد الحرب العراقية الإيرانية والإحباط الذي أصاب التنمية في دول الخليج، تغيرت الصورة وتراجعت نسب الهجرة إلى الخارج".
وقال: "كان يمكن للقوى العاملة في فلسطين أن تحتل مواقع متقدمة، وخاصة في قطاعي المعلومات والخدمات، خاصة وأن علاقة فلسطين بالعلم والتعليم كانت متقدمة في حينها".
وتوقع عبد الله أن تكون أماكن العمل متوفرة أضعاف ما هي عليه ثلاث مرات، ولن تكون عندنا نسب الفائض الذي خلق في الأيدي العاملة وتحول إلى الهجرة والبطالة وخاصة بالنسبة للمرأة، التي لم يكن هناك محفزات لدخولها إلى سوق العمل، وكان يمكن أن تكون نسب مشاركتها حوالي 25%.
ويعتبر عبد الله ومعه الكثير من الاقتصاديين أن قطاع السياحة كان يمكن له أن يساهم بصورة كبيرة في الناتج المحلي، مستشهدين بما كان عليه وضع السياحة قبل العام 1967، حيث كانت تستقبل رام الله حينها عشرات الآلاف من السياح، وكان يمكن أن تكون السياحة الخليجية قوية، ومصدرا مهما في الدخل إضافة إلى الصفة المميزة لفلسطين بتنوع مصادر السياحة الدينية ووجود أماكن أثرية مهمة فيها.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء فإن السياحة شكلت حوالي 15% من الناتج القومي الفلسطيني في العام 2010.
وحول السياحة، يوضح رئيس الوزراء سلام فياض: "تشكل السياحة أحد أعمدة اقتصادنا الوطني، ومصدرا هاما للدخل القومي، وهي رافعة أساسية لآفاق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، وهي أيضا نافذة لشعبنا وثقافته وحضارته على ثقافات العالم وحضاراته".
ويشير فياض إلى تمتع فلسطين بموقعٍ جغرافي استراتيجي، يؤهلها أن تكون بلدا سياحيّا بامتياز وقال: "رغم الممارسات الإسرائيلية التي ألحقت الكثير من الأذى بقطاع السياحة فقد تمكن القطاع السياحي في فلسطين من الصمود أمام هذه التحديات، وساهمت حالة الاستقرار الناجمة عن نجاح السلطة الوطنية، خلال السنوات الأخيرة، في توفير الأمن والأمان في زيادة تدفق السياح".
ويقول عبد الله: "لا نستطيع القول حتى الآن إن هناك موردا معينا يشكل قطاعا قياديا للاقتصاد، وذلك بسبب التنوع الذي يتمتع به الاقتصاد الفلسطيني في موضوع السياحة التي تضم نقاط جذب سياحية ودينية وثقافية، كالقدس وبيت لحم وغور الأردن والقوى البشرية المتعلمة منذ وقت مبكر".
ويضيف: "يمتلك الاقتصاد الفلسطيني ميزة زراعية خاصة متمثلة بغور الأردن، الذي يمتلك قدرات زراعية فريدة تختلف عن الدول العربية، فهو يشكل دفيئة طبيعية تمكن من الإنتاج في فترات لا يمكن الإنتاج فيها في الدول المجاورة دون تدخل بشري".