دماء على المخدة
سامي أبو سالم
مع ساعات الفجر الأولى، كان العائلات الهاربة من الموت على أهبة الاستعداد للقاء يوم آمن جديد في مدرسة بنات جباليا الابتدائية (أ) شمال قطاع غزة، لكن مدفعية الاحتلال الإسرائيلي خيبت آمالهم فدكت غرف الفصل موقعة خمسة عشر شهيدا وتسعين جريحا على الأقل، جلهم من النساء والأطفال وفقا للمصادر الطبية.
وقفت جميلة غبن في جمود وأحاطت وجهها بيديها، أفاقت قليلا لتنفجر قائلة: 'جابونا عالمدارس عشان يقتلونا فيها.. ليش ما قتلونا في بيوتنا.'
غبن، التي هربت من بيتها في بلدة بيت لاهيا الحدودية شمال غزة، قالت إنها هربت من الموت إلى الموت.
'هربنا من بيوتنا نبحث عن الأمان. انهالت القذائف على الأطفال وهم نيام على مخداتهم، قتلوا أولادنا ولم يستطع أحد إنقاذنا من شدة القصف'.
وقال أحمد علوان (23 عاما) أحد الناجي، إنه قام يتوضأ لصلاة الفجر فضربت القذيفة الأولى سقف الحمامات مسببة فتحة بقطر متر، قبل أن تتوالى قذائف أخرى.
'توقعت أنها قذيفة طائشة فاختبأت والتصقت بالجدار الخلفي، فسقطت قذيفة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة، وبعد انقشاع الغبار وجدت جثث الأطفال والناس وقد تحولت لأشلاء'.
ويخلد الأطفال والنسوة للنوم داخل غرف الفصل، فيما يفترش الرجال ساحة المدرسة وأرصفة الفصول، لكن القصف طال الطرفين كما قال عوض عوض أحد من هبوا للنجدة.
'سمعنا صراخ النسوة يطلبن المساعد، ذهبت هناك فرأيت جثث الأطفال والنساء داخل الفصل فيما الرجال في الخارج.. الرؤية صعبة من الغبار وأعتقد أنني دست أطراف بعض الشهداء وأنا أتفقدهم' قال عوض لـ'وفا'.
شابان يحملان كيسين بلاستيكيين يلملمان قطع اللحم البشري من بين الفرشات الممزقة والمخدات المخضبة بالدم، يحذر أحدهم المواطنين من الدوس على أشلاء لم تصلها أيدي المسعفين.
أرغفة الخبز تلونت الأحمر بعد أن تناثرت عليها دماء الأطفال، وأطعمة معلبة تناثرت في أرجاء المدرسة وأحذية الضحايا تدوسها أقدام الأهالي الذين هبوا لنجدة الضحايا.
وطال القصف البيوت المحيطة بالمدرسة، ما أدى إلى استشهاد 4 مواطنين على الأقل، وهم الشقيقان باسم وثائر النجار، والشقيقان بلال وعبد الله العامودي.
وتحتمي في المدرسة 515 عائلة بمجمل 3137 فردا لجأوا إليها منذ حوالي أسبوعين من مناطق شمال القطاع، سيما بيت لاهيا وبيت حانون، وفقا لإدارة 'مركز الإيواء' المدرسي.
وأشار المسؤولون في المدرسة إلى أن بعض العائلات غادرت قبل القصف، منها عائلة تيسير حماد الأسير المحرر من طولكرم، حيث غادرت زوجته وأولاده وبقي هو ليستشهد في القصف.
الفوضى والرعب سيطرا على المدرسة، صراخ النسوة ونحيب الرجال، امرأة تجري وتهذي بحثا عن ابنها، فيما مجموعة من النسوة أحطن بامرأة تصرخ ألما على فراق ابنها.
أبو عماد سويلم كان هائما في باحة المدرسة يصرخ متسائلا 'وين نروح يا الله وين نروح'، أكد لـ'وفا' أن قصف المدرسة مقصود ومتعمد. خمس أو ست قذائف سقطت على المدرسة، ليست واحدة'. 'قالوا لنا أن نخرج من بيت لاهيا وها قد خرجنا وجئنا إلى هنا، الموت جاءنا هنا أيضا، أين نذهب؟، قال وهو يبكي قبل أن يدير وجهه.
وقصفت قوات الاحتلال عدة مدارس في قطاع غزة، منها مدرسة بيت حانون الإعدادية التابعة للأونروا التي لجأت إليها عشرات العائلات ما أدى إلى استشهاد 16 مواطنا، وجرح ما يزيد عن 200 آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء الخميس الماضي.
بعض العائلات لملمت أشياءها القليلة وبدأت بالرحيل إلى أماكن أخرى كالأقارب والأصدقاء، وآخرين ذهبوا إلى لا مكان، فيما اضطر البقية إلى البقاء في المدرسة، فلا خيار لهم سواها.
من وسط الزحام يخرج فتيان يحمل كل منهما ملابس ومخدة وقد لفوهما على عجل وهما يقصدان باب المدرسة. أحمد زياد أحمد ابن الـ14 عاما، قال إنه وعائلته سيغادرون المدرسة بلا عودة.
'نحن عائلة من 9 أفراد غادرنا بيتنا في أبراج الندى (شرق بيت لاهيا) هربا من الموت وأتينا هنا وجدنا أيضا موت. لم نقرر بعد أين سنذهب' أضاف الفتى.
وبلغ عدد الشهداء الذين قتلهم الاحتلال 1288 فيما تجاوز عدد الجرحى السبعة آلاف في العدوان الذي تشنه قوات الاحتلال على قطاع غزة لليوم الثالث والعشرين على التوالي.