"غزة الصغيرة".. قلعة فلسطينية في القدس
عيسى الشرباتي - اذا كان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق رابين يتمنى ان يستيقظ ليجد البحر قد ابتلع غزة, فان شرطة الاحتلال في القدس تتمنى هي الاخرى ان تلحق بلدة العيسوية "غزة الصغرى" بالسلطة الوطنية, وألا تكون جزءا مما يسمى القدس الموحدة الخاضعة للدولة العبرية.
يسميها السكان " غزة الصغرى " اما الاسرائيليون وجنود الاحتلال الذين اصابهم الاحباط مما واجههوه فيها فيطلقون عليها بالعبرية "ميني غزة" والحديث يدور عن بلدة العيسوية شرقي القدس, والتي تعتبر رأس الحربة في النضال الوطني الفلسطيني في القدس.
تقع البلدة التي يقطنها اكثر من 30 الف فلسطيني في الجهة الشرقية من القدس ويحيطها من كل جوابنها معسكرات اسرائيلية ومؤسسات مختلفة منها مستشفى هداسا, والجامعة العبرية, ومستوطنة التلة الفرنسية, ومعسكر "قلعة ادوميم" من الناحية الشرقية, وهي البلدة الوحيدة المنعزلة عن أي تجمع فلسطيني في المدينة كما هو حال غزة الكبيرة, وللبلدة مدخلان فقط احدهما من داخل مستوطنة التلة الفرنسية من الجهة الغربية, ومدخل آخر من الجهة الشرقية.
تميزت "غزة الصغيرة" خلال الهبة الشعبية الاخيرة بعد جريمة حرق الفتى الشهيد محمد ابو خضير من شعفاط, بموجة غير مسبوقة من الاحتجاجات والغضب, والتي تميزت بأعنف المواجهات وابتكار اساليب جديدة في المواجهة مع قوات الاحتلال, والتي تستخدم افضل وحداتها في المواجهة.
يقول الناشط في المقاومة الشعبية ولجان مناهضة الاستيطان محمد ابو الحمص من سكان العيسوية "ان غزة الصغيرة والتي يفتخر سكانها بهذا اللقب, لا يتأخرون اية لحظة لاداء الواجب الوطني, في كل مناسبة او حدث هام, كما كان سابقا في حملات التضامن مع الاسرى الفلسطينيين, او ما يتعرض له المسجد الاقصى, لكن ما ادخل تلك المواجهات في نمط جديد هو جريمة حرق الفتى ابو خضير والحرب العدوانية على قطاع غزة".
لم تنجح اجراءات الاحتلال وأجهزة أمنه من خلال الاعتقالات التي طالت المئات من سكان البلدة خلال السنوات الاخيرة, او اصابة المئات خلال المواجهات, او العقوبات الجماعية والمخالفات, في خفض وتيرة التحدي, فغزة الصغيرة لا يمكن ان تسمح لاي دورية اسرائيلية ان تدخل أراضيها بسهولة.
ويشير ابو الحمص "الى ان البلدة رغم انها معزولة عن باقي التجمعات الفلسطينية ويحيطها كثير من المواقع الامنية والمستوطنات, الا انها تؤرق الاحتلال الذي طالما تمنى وأراد عزلها وفصلها من خلال تسريبات وخطط حول فصل احياء من القدس الشرقية وعلى رأسها العيسوية والحاقها بالسلطة الفلسطينية".
تمثل غزة الصغيرة نموذجا نضاليا يتمتع بالكثير من صور التحدي, فليس هناك مواجهات ان اشتعلت تنتهي في دقائق, وليس هناك ما يشير الى انكسارها امام شراسة الاحتلال, حتى ان كاميرات القنوات الفضائية لا تجد صعوبة في اظهار قوة المواجهات وهروب جنود الاحتلال "وافضل عناصر وحداته" من ساحات المواجهة والتي تتركز في اغلبها في المدخل الغربي للبلدة, واحيانا في المدخل الشرقي.
يقول خليل 24 عاما وهو من شبان البلدة والمحسوب على الجبهة الديمقراطية " ان ابناء البلدة وقبل المواجهات يعدون الخطط للمواجهة, كما ان طبيعة البلدة والتي تتميز بتماسك عائلاتها وتكاتفهم يساعد الشبان كثيرا خلال المواجهات, والتي تمتد لساعات طويلة يعجز فيها الاحتلال عن دخول البلدة.
وعن تلك المواجهات يقول خليل "استمرت المواجهات اكثر من ستة ساعات لم يتمكن فيها الاحتلال من وقف الغضب, رغم استخدامه للغاز والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي وسيارة المياه العادمة, لكن ما فاجا الاحتلال هو كمية الزجاجات الحارقة "المولوتوف" والتي تمكن الشبان من استخدامها ضد عشرات الجنود وافراد الوحدات الخاصة وسياراتهم عند المدخل الشرقي للبلدة.
وقدر البعض ما القاه الشبان خلال تلك المواجهات ما يقرب من 200 زجاجة حارقة, خلال اربع ساعات, ونتيجة تلك المواجهات وشدتها اطلق الجنود اكثر من 100 قنبلة غاز مرة واحد, بهدف الانتقام من سكان البلدة والذين يقفون مهللين او للاستهزاء بالجنود عند هروبهم.
ويلفت الناشط ابو الحمص والذي سبق وان تعرض للاصابة والضرب عدة مرات والاعتقال "الى ان الاحتلال استخدم جميع الوسائل فلم تنفعه كلابه المدربة والتي كان يطلقها خلال المواجهات لمواجهة الشبان والحاق الاذى بهم, لكن الشبان والذين اكتسبوا خبرة طويلة في المواجهات, يقومون باصطياد الكلاب المهاجمة بالحجارة, ومنذ اصابة بعضها توقفت شرطة الاحتلال عن استخدامها".
واضاف ابو الحمص "جربوا الخيالة وهي وحدات من الشرطة التي تستخدم الخيول وقد فشلت في المواجهة, كما استخدموا وحدات المستعربين والتي كان يتم اكتشاف اكثر محاولاتها لاعتقال الشبان وكان يتم ضربها وافشال مهمتها, ولذلك لجا الاحتلال الى الانتقام من الحاضنة الشعبية عبر استخدام الغاز الكثيف ورش المياه العادمة والتي تستمر رائحتها الكريهة حوالي اسبوع, الى جانب وضع شرطة وتحرير مخالفات بحق السكان اثناء دخولهم وخروجهم وتعكير الحياة الطبيعية للسكان من خلال تلك الاجراءات".
على مدخل البلدة ترتفع لافتة كبيرة "لن ترفع غزة الراية البيضاء ولن تسقط غزة الصغيرة".