في غزة .. الأموات والأحياء يتزاحمون
أكرم اللوح - مشهدان متوازيان ومؤلمان يتصارعان في غزة الجريحة, شهداء أطفال تكدست بهم ثلاجات المجمدات والخضراوات, يتزاحمون حتى في الموت, فثلاثة اطفال اشقاء تتراوح أعمارهم بين السادسة والعاشرة وقد كفنوا ووضعوا بجانب بعضهم “طولا” في ثلاجة للمرطبات خوفا من تعفنهم, أما شقيقهم الذي لم يبلغ العامين فقد رافقهم في نفس الثلاجة ولكن لصغره وضع بجانب رؤوسهم المحطمة “عرضا”.
فهو المشهد الأول كأنك تنظر إليهم وهم نيام فتخشى أن يوقظهم ضوء “فلاش” الكاميرا, ويكتمل المشهد بطفل يخرج رأسه من وسط الركام لبيت إنهار دون سابق إنذار, ويداه تنزفان, ولسانه يصرخ وعيناه تشخصان نحو إشارة البنان وتقول “أنقذوني من وسط الركام”, وشقيق له يرقد بجانبه وقد سقط حجر كبير على جزئه العلوي فلم يظهر منه سوى القليل دون أي حراك توحي بأنه على قيد الحياة.
المشهد الآخر في غزة, هو مأساة الأحياء, فالعشرات يركضون خلف عربة مياة يتساقط بعض الأطفال الحاملين لـ«غالونات» فارغة يصاب بعضهم ويصرخ آخرون ولكن صاحب العربة لا يبالي فيفر مسرعا خشية الإمساك به ليروي ظمأهم من حاجة قال فيها جل جلاله «وجعلنا من الماء كل شيء حي».
نساء وأطفال وشيوخ ولكن «أحياء» يصطفون في طوابير طويلة أمام مخابز المدينة ينتظرون دورهم في عدد معلوم مسبقا لـ»أرغفة الخبز» ليعودوا بها لمنازلهم, وهنا مواطن مسن يتصارخ مع صاحب «سوبرماركت»، والسبب غلاء الأسعار واحتكار التجار للمواد الغذائية.
المسن قال في شجاره مع صاحب الـ «سوبرماركت» أيعقل أن يصبح غالون الماء بخمسة شواقل بعد أن كان شيقلاًواحداً, والبيض ارتفع من 14 شيقلاً إلى أكثر من 20 شيقلاً, وحتى أسعار المشروبات الغازية اختلفت أسعارها فالعادي منها ارتفع ثمنه للضعف أما البارد والمثلج فزاد لضعفين أو ثلاثة».
الصحافي محمد عوض يقول : «عندما يصبح ايجار الشقة في غزة 600$ بدلاً من 150 دولاراً وطبق «الفول والحمص» بـ3 شواقل أمام مجمع الشفاء استغلال للعائلات التي تركت منازلها في شرق غزة, وعندما تشحن بطارية الهاتف المحمول بشيقلين في إحدى البقالات بمخيم الشاطئ, وتصبح تعبئة المياة العذبة بـ30 شيقلاً بدلا من 9 شواقل فاعلم أن قدسية الإنسان قابلة للطمس وإنسانيتنا دفنت تحت التراب».
عوض والذي يغطي الحرب الإسرائيلية من مستشفى الشفاء يصف حياة الأحياء في غزة بالجحيم « فلا ماء ولا كهرباء ولا انترنت وغلاء للأسعار واستغلال للتجار وتمييز حتى في شراء الخبز والسولار».
مواطنون التقتهم «الحياة الجديدة» ناشدوا التجار وأصحاب الأموال « أن يتقوا ربهم ويوقفوا مسلسل الاستغلال للمهجرين والفقراء ويساهموا في رفع معاناة الناس في ظل عدوان بربري لا يستثنى أحداً من قذائفه وحقد نيرانه».
وطالب المواطنون السلطات في غزة بمراقبة الأسواق وتنظيمها ومنع هذا الاستغلال الذي فاق حدود الخيال ومساعدة المواطنين المعزولين في مناطق القتال بتوفير احتياجاتهم الأساسية ليتمكنوا من الصمود والبقاء على قيد الحياة قبل أن يسجلوا في سجلات الوفاة».