في غزة الألم والأمل يتصارعان تحت أنقاض المنازل المدمرة
أكرم اللوح- تعددت الروايات والحكايات والصور في غزة المصابة بجرح ما زال ينزف، شهداء وجرحى وأيتام وأرامل ومشردين ونازحين ومعاقين، ولكن صورتين تلخصان كل معاني الإنسانية والأمل والألم لطفل يرسم صورة شعب يقاتل منذ ستين عاما ويتصارع مع الموت والجوع والقصف ليسترد حريته وكرامته.
ففي الثالث من شهر آب من هذا العام، اجتمع أفراد عائلة الغول في منزلهم المتواضع الكائن بحي "بشيت" بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، فالحديث كان "حاميا" حول الوضع السياسي والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والجدل كان واقعا بين أفراد العائلة حول اجرام الاحتلال واستهدافه للمنازل والبيوت على رؤوس ساكنيها وسقوط الأطفال والنساء والشيوخ شهداء.
لم تعلم العائلة أن مشاهدتها للتلفاز الذي ينقل أخبار المجازر وقصف البيوت دون سابق إنذار، سينقل هو نفسه خبر استهداف منزلهم بعد دقائق، ليصبحوا خبرا عنونه مراسل يركض بين شظايا الصواريخ بـ "مجزرة جديدة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق عائلة الغول في رفح فيسقط ما يقارب التسعة شهداء بينهم أطفال ونساء ويصاب أكثر من عشرين آخرين في قصف إرهابي لمنزلهم".
ففجأة تصبح عائلة المواطن إسماعيل الغول تحت الركام فتتسارع سيارات الإسعاف والدفاع المدني لمكان الاستهداف ويحتشد عشرات المواطنين للمساعدة في رفع الركام وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح ومتاع، فيسقط في القصف تسعة شهداء هم صاحب المنزل ونجلاه محمد ووائل وأطفال الأخير الثلاثة ملك ومصطفى وإسماعيل إضافة لهنادي وأسماء وخضرة وانتشال عشرين إصابة معظمهم من الأطفال.
فهذا الطفل محمد الغول عشر سنوات سمع المواطنين المحتشدين من هول الصدمة حول المنزل المستهدف صراخه من تحت الركام، فتسارعوا لإزاحة الحجارة والركام فوجدوه أسفل لوح من الخشب وغمره الركام كأنه غريق يسبح وسط الحجارة وبقايا الأثاث المدمر والمنهار على جسده الصغير.
تعاون المدنيون وانتشلوا محمد الذي بدا مصدوما لا يعلم ماذا حل به وهل فعلا زلزال ضرب منزله وكيف نجا فصار كعجوز فاته قطار العمر من لون الغبار والجروح التي غطت جسده الصغير. حيث تم نقله إلى المستشفى الكويتي بمحافظة رفح ولكنه يرقد الآن على سرير الشفاء في المستشفى الأوروبي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
تلك هي الصورة الأولى التي عاشها الطفل محمد بما تحمل من ألم وقسوة العدوان، ففيها يجتمع الصراخ والخوف وشظايا القذائف وألسنة اللهب التي تقذفها الطائرات والمدافع الرابضة على الحدود, وبالرغم من هذا القهر "ابتسم محمد" بمجرد أن رأى صور انتشاله من تحت الأنقاض وكيف بدا في الصورة الأولى خائفا مضطربا متألما تغطي الدماء عينيه وجميع أطراف جسده، وفي الصورة الثانية ابتسم ليمحو ذكريات أليمة ولكن يا ترى ماذا تحمل هذه الابتسامة المرسومة على شفتيه وكيف سيواجه مستقبله المجهول وحيدا بعد أن فقد عائلته وعاش للحظات الرعب تحت الأنقاض".