بعد أن خطف شقيقه محمد.. الموت في عيون الطفل أحمد بشارات
عاطف أبو الرب - ما زال تحت تأثر الصدمة... صدمة الموت التي خطفت شقيقه الأكبر في لحظة غفلة... يجلس سارح الذهن وإذا ما سأله أحد عما جرى فإنه يجيب بكلمات مختصرة... يصمت ويعود لحالة الشرود الذهني، وكأنه يحلق في سماء الموت. كيف لا ونجى من موت محقق بانفجار جسم من مخلفات الاحتلال فاختطف شقيقه محمد، وتركه مدرجاً بدماء سالت من مختلف أنجاء جسمه.
أحمد معتصم بشارات ابن لعائلة تعمل في تربية المواشي في بلدة طمون. نصيبه من هذه المهنة الخروج للمرعى مع شقيقه محمد. يخرج في الجبال المحيطة بالبلدة، تارة باتجاه الشمال وتارة باتجاه الشرق، ونادراً ما يخرجون باتجاه الجنوب أو الغرب، حيث مزارع المواطنين ومحاصيلهم في الأراضي الزراعية. والخطر كل الخطر في الشمال والشرق، حيث حول الاحتلال هذه المناطق ومساحات كبيرة من أراضي طمون وطوباس إلى مناطق تدريبات عسكرية. وكما كل العائلات تبقى القلوب معلقة بالأبناء وهم في المراعي، فالخطر يحيط بهم من كل مكان. ولكن عندما يخرج الأبناء غرباً أو جنوباً تكون النفوس أكثر ارتياحاً، اعتقاداً من الناس أن هذه المناطق أراض زراعية، ولا تشكل خطراً على حياة أبنائها.
في يوم الاثنين الحادي عشر من آب، خرج أحمد برفقة شقيقه محمد للمرعي شمال طمون صباحاً، وعادوا عند الظهيرة في استراحة يومية، حيث إن وقت الظهيرة يعتبر فترة راحة للأغنام ورعاتها. في المساء الجولة الثانية من الرعي، ولأن الأراضي الزراعية في هذه الفترة من السنة خالية، قرر الاخوان التوجه إلى مدخل طمون الرئيسي، حيث هناك مساحة من الأرض خالية من المزروعات، وبإمكان المواشي الاستمتاع بساعات من الرعي قريباً من البيت. ولكن يبدو أن القدر كان يلاحق الأخوين، في منطقة تعتبر الأكثر أماناً من وجهة نظر الجميع.
أحمد يقول "سمعت صوت انفجار، أفقت بعدها في المستشفى، وكان عمي بجانبي، ولم أدري ماذا جرى، فقط سمعت صوت انفجار، لم أرى شيء، ولم أعرف أن محمد قد استشهد إلا بعد أن أفقت... أفقت في المستشفى وجسمي يؤلمني، وعرفت لاحقاً أنني أصبت بهذا الانفجار، وأن محمد قد استشهد، رأيته فقط لحظة إنزاله للقبر، حزنت كثيراً، وما زلت خائفاً، فقد مات محمد، وتركني، ولا أدري بالضبط ماذا جرى. وقبل الانفجار كنت ومحمد نحكي بشكل عادي وطبيعي، وفي لحظة نظرت بعيداً عن محمد، يمكن للانتباه للأغنام، وممكن شدني صوت سيارة مرت بالشارع، في هذه الأثناء حدث ما حدث. وأنا ما زلت أعاني من جروح أصابتني في أنحاء جسمي، لكنني لم أمت بعد".
أحمد هذا الطفل ابن العشر سنوات رغم نجاته من موت محقق ما زال يعاني من آثار صدمة أصباته، فأخذت منه الكثير من التركيز، فما أن أنهى حديثه حتى عاد وسرح بتفكيره بعيداً عمن حوله. في لحظة تكتشف أن طفولته تسمرت في مكانها، وفي لحظة أخرى تعتقد أن ما جرى خطف معه تفاصيل طفولته، فبقي كائن حي ينقصة الكثير من المشاعر، والإيحاءات التي تلائم سنه، وكأنه يعيش حالة الموت، أو يستشعرها.
وأحمد يحكي قصة عشرات الصبية والفتية من أمثاله، أولئك الذين كتب عليهم الرعي والخروج للمراعي في إجازاتهم، لمساعدة عائلاتهم في تأمين احتياجاتها. أحمد والآخرون عرضة لموت يسرقهم بدون موعد مسبق، ولكنهم يصرون على الخروج، كأنهم يبحثون عن لحظة مناسبة لركوب صهوة الموت.