الطبيب هيثم الحسن يروي مشاهداته في غزة
ثمانية أيام من التطوع في مستشفيات قطاع غزة كانت كفيلة لأن تخلق مشاهدات وشهادات مؤثرة لدى الدكتور هيثم الحسن؛ فكلما اعتاد الحسن وغيره من أطباء الوطن على وحشية الاحتلال، إبان اعتداءات إسرائيلية سابقة على غزة، جاء الاحتلال بأشكال جديدة من الجرائم بحق الانسانية.
وروى الحسن - وهو رئيس قسم الجراحة العامة في مستشفى المقاصد، واختصاصي جراحة الأوعية الدموية، بعد عودته إلى القدس في اعقاب مشاركته ضمن الوفد الطبي التطوعي من الضفة إلى مستشفيات قطاع غزة - مشاهدات تعكس الحالة الانسانية الصعبة بالقطاع.
وقال الحسن "هذا العدوان هو الأصعب والأعنف والأسوأ، فجميع المشاهدات توضح أن القضية أصبحت استهدافا للمدنيين والدليل أن 32 من الجرحى هم من الأطفال، 26 من الشهداء من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً".
واستذكر الحسن ما وصفه بانه "أصعب الحالات الإنسانية" التي استقبلها في اليوم الأول منذ وصوله إلى غزة؛ جريح لم تستطع الطواقم الطبية إسعافه، وقد تعرض لنزيف حاد، بعد أن تسبب القصف الإسرائيلي بقطع في فروة رأسه، وكسور في اليدين والرجلين،إضافة إلى كسور في الفك وتهتك في الأنسجة، كما كان يعاني من نزيف داخل فجوة الصدر والرئتين، وإصابات داخل الأمعاء، وأثناء العملية الجراحية دخل الجريح في حالة نزيف عام، ونتيجة للإصابة الشديدة في الدماغ استشهد، وذلك بالرغم من وجود ثلاثة أطقم طبية في نفس الوقت تشارك في العملية، إلى جانب العشرات من أكياس الدم لمحاولة إنقاذه.
وترسخت إحدى القصص الإنسانية المؤلمة في ذاكرة الحسن، عن رب بيت غزيّ ذهب برفقة ولديه لشراء الخضار من السوق، تاركا زوجته وبناته السبع في الشقة، فقصف المنزل واستشهدت الزوجة والبنات، وبعد أن ذهب لاستئجار منزل جديد بتكلفة 450 شيكلا، عادت الطائرات الإسرائيلية واستهدفت المنزل الجديد ليستشهد هو والوالدان، لتباد الأسرة بكاملها.
وتشير الإحصائيات إلى أن 76 أسرة قد أبيدت تماما في مجازر الاحتلال.
احتياجات المستشفيات في غزة
وتحدث الحسن عن كادر طبي متميز في مستشفيات غزة، مؤكدا أن "تجارب الحرب علمتهم كيفية التصرف خلال الحالات الطارئة، فيما أصبح لدى طواقم الإسعاف خبرة في كيفية توزيع المصابين على المستشفيات".
لكن الحسن قال "بيد أن ذلك الكادر المتميز تنقصه بعض التخصصات العليا، كجراحة الصدر والتجميل والأعصاب، لذلك تتوخى وزارة الصحة اشتمال الوفود الطبية إلى غزة على عدد من التخصصات غير المتوفرة هناك".
واوضح أن أغلبية الأدوية متوفرة بغزة، إلا أن هناك نقصاً في عقاقير التخدير وبعض المضادات الحيوية من أنواع معينة باهظة الثمن، إضافة إلى الشح في بعض المعدات كالخيوط الجراحية، لافتا إلى نقص في عربات نقل المرضى (الترولة)، والتي باتت تعاني من الاهتزاز وعدم الثبات بسبب كثرة الاستعمال.
أسلحة قاتلة ومسرطنة
وبين الحسن أن طبيعة الأسلحة المحرمة دولياً التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين، كشظايا القذائف تدخل إلى جسد الضحية لتصيب أعضائه بالشلل؛ حيث خلفت تلك الأسلحة قرابة 3000 معاق، أي ما يزيد عن 40% من نسبة الجرحى، وذلك نتيجة الانفجارات العنيفة وموجة التصادم التي تسببها القذائف الصاروخية فتقذف الضحية بعيداً إلى مسافة عشرات الأمتار، ناهيك عن التعرض للإصابة المباشرة أو سقوط أحد الجدران عليه.
وروى الحسن حالة الطفل قصي النملة ذي الأربعة أشهر، والمتواجد حاليا في مستشفى المقاصد، حيث قذفته موجة التصادم إلى رأس شجرة على بعد 20 مترا من البيت الذي قصف في مدينة رفح.
وحول سلاح "الدايم" اوضح الحسن أن ذلك السلاح له قوة انفجارية محدودة ولكنها شديدة جداً، تؤدي إلى قتل ضحاياها عبر بتر أطرافهم بما يشبه عمل المنشار الآلي، وتتسبب بإصدار موجات حرارية تحرق الجلد والملابس، فالشخص الذي يتمكن من النجاة سيعيش بجسد مهترئ نتيجة تعرضه للبودرة الملتهبة التي تصدر عن هذا السلاح، وسيعيش معرضاً للاصابة بمرض السرطان بسبب احتوائها على مادة التنغستن المسرطنة.
وأكد الحسن أن ستين حالة بتر للأطراف حدثت في مستشفى الشفاء خلال يوم واحد فقط، جراء التعرض لسلاح الدايم القاتل، منوهاً إلى أن عدد المعاقين غير نهائي، فقد يصل إلى اكثر من 4000 معاق وذلك بالإشارة إلى العدد الكبير من حالات الإصابة بالدماغ الموجودة في مختلف المستشفيات، هؤلاء لا تستطيع الإحصائيات أن تستثنيهم قبل استكمال علاجهم والتأكد من استعادة أهليتهم، وإعادة تأهيل من هم بحاجة لذلك في المراكز المختصة.
عمليتان في غرفة واحدة
ووصف الدكتور هيثم الحسن الأوضاع في قسم الطوارئ مشفى الشفاء بالكارثية، حيث يضطر طاقمان طبيان مختلفان لإجراء عمليتين جراحيتين لمصابيْن في نفس الغرفة، وأحيانا يلجؤون لإجراء العمليات في ممرات قسم العمليات الجراحية خارج الغرف مضيفا ان أغلب الحالات قد تم التعامل معها جراحيا كمرحلة أولى، ولكنهم لا يزالون بحاجة إلى عملية أخرى أو أكثر.
وبحسب الحسن، فان حوالي أربعة آلاف مشرد عاينهم بنفسه في ساحات مستشفى الشفاء في غزة، كانوا يفترشون الأرض ويتسترون تحت الأغطية واللحف كخيم يجلسون تحتها.
"الصاروخ التحذيري" كذبة إسرائيلية
وتعجب الحسن من نشر إسرائيل لـ "أكذوبة الصاروخ التحذيري"، حيث أكد عدد من ضحايا العدوان للحسن أنه لم يكن هناك أية صواريخ تحذرهم من أجل إخلاء منازلهم. ويعتقد الحسن أن إسرائيل أرسلت تلك الصواريخ لعدد قليل من المنازل في بداية العدوان، وذلك من أجل الظهور بشكل "لائق أمام الإعلام الغربي، علما بأن الصاروخ التحذيري قد تسبب في إيذاء وجرح العديد من المواطنين".
مشافي القدس فلسطينية
وطالب الحسن الإعلام المحلي والعربي بضرورة التأكيد على فلسطينية المستشفيات المقدسية التابعة لوزارة الصحة، حيث تقوم وسائل الإعلام الإسرائيلية بمحاولة خداع العالم من خلال الادعاء بأن الجرحى الفلسطينيين يتلقون العلاج في مستشفيات القدس الإسرائيلية.
واوضح "نحن مستشفيات فلسطينية تابعة لوزارة الصحة، ونقبع تحت نير الاحتلال القسري، وقد فرض علينا الإسرائيليون تحت طائلة العقاب القانوني، أن نرسل لهم يومياً قوائم بأسماء جرحى العدوان المتواجدين في المستشفى".
ونفى أن يكون هناك أي تنسيق من وزارة الصحة مع المستشفيات الإسرائيلية لاستقبال الجرحى، مبيناً أن "الوزارة طلبت من إدارة المقاصد جلب مصابيْن اثنين من مستشفى سوروكا في بئر السبع، ربما تم أخذهم غصباً أو لعلاج طارئ، أو من أجل الادعاء باستضافة الضحايا الفلسطينيين".
مستشفيات القدس على شفا الاكتظاظ
واوضح الحسن انه "لن يعود هناك أسرّة لاستقبال المزيد (من الجرحى)، وذلك على الرغم من أن المقاصد يمتنع في الوقت الحالي عن استقبال الحالات غير الطارئة من المرضى والعمليات، ومن أجل ذلك تم إفراغ عدد من الجرحى إلى الخارج، حيث بدأت تركيا باستقبال الجرحى في مشافيها".
وعن احتياجات "المقاصد"، وصف الحسن النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بأنه أصبح "مزمناً" نتيجة للأزمة المالية، ولا يزال المقاصد يعاني من نقص في كثير من الادوية واللوازم الطبية.