فجروا شريط ذكرياتي
بدوية السامري - قبل ربع قرن من الزمن ومن تلك النافذة كانت تقابلني أمي بابتسامتها المعهودة بعد عودتي من المدرسة، أسرع لها إلى المطبخ شارحة تفاصيل يومي كاملاً.
كانت نافذة المطبخ تطل على باب البيت الحديدي، كنا عندما نفتحه أنا وأخوتي صغاراً نشكو من صعود الدرج الطويل ونعاتب والدينا على سكنهما طابقا ثالثاً.
كانت هنا طاولة السفرة، وهناك غرفتنا، كان هناك التلفاز وكنا نلعب سويا، منزلنا كان واسعاً.
لنا صور في جميع أرجائه، دهان جدرانه كان مختلفاً، بلاطه، ستائره حتى الصنبور الذي كنت أشرب منه أذكر كل شيء وكأنه أمس.
أمي كانت تحدثنا كيف تم بناء غرفة غرفة، وكيف أثثت ووالدي بعد الزواج كل شيء، وضعوا أحلامهم داخله، وكبرنا في غرفه.
صباح اليوم سمعت أنباء عن انفجار في الشارع الذي كنا نسكنه بعد اقتحام قوات الاحتلال للبناية، توجهت إلى هناك مسرعة، لم أزره منذ أكثر من 10 سنوات.
في لحظات مر شريط الذكريات أمامي في منزلنا وتوالت الاتصالات، أمي صوتها حمل الحنين تسأل ماذا حصل؟ وأخوتي يريدون الاطمئنان، أما والدي فلا أعتقد أن هناك 5 دقائق بين إخباري له عبر الهاتف بما جرى، ووصوله إلى المكان.
لم أشعر بدرجات البناية، شعرت أنها درجتين رغم أنها كانت مليئة بالزجاج المكسور، اليوم تفجر باب منزلنا القديم، كسرت النوافذ وبات المطبخ خراباً، وثقبت الجدران، شعرت أن ذكرياتنا قد تحطمت مع ما تحطم.
دخلت الغرف جميعها، ذرفت بعض الدموع حنينا لماضٍ ذهب أمام أعيننا بعد وقوفي صامتة أمام الخراب الذي خلفه جيش الاحتلال بالمكان.
كان عمري تسعة أعوام عندما قضيت آخر يوم فيه قبل صعودنا للعيش الدائم على قمة جرزيم، تسعة أعوام كان عمري لكنني أذكر تفاصيل جميلة قضيتها فيه.
والدي مالك المنزل حسني الكاهن دخل المنزل وردد كلمات بصوت منخفض لم أفهمها، ليس سهلاً أن يرى أي فينا منزله هكذا.
أفراد الطائفة السامرية عاشوا في حي المأمون عشرات السنين، وغادروا الحي قبل سنوات، وأجّروا منازلهم لبعض الجمعيات والمراكز والنوادي، لكن الحنين بقي يربطهم بالحي.
وكانت قوات الاحتلال اقتحمت فجر اليوم الأربعاء بناية في حي المأمون، فيها مقر نادي سما الرياضي وحضانة أطفال وجمعية للمعاقين، وهي ملك لعائلات سامرية، وفجرت جميع أبوابها، وعاثت فيها خراباً وأصابت شابا على الأقل واعتقلت آخر.
وأفادت مصادر محلية، بأن الشاب أمير قمحية (20 عاما) أصيب برصاصة في منطقة الصدر، ونقل على إثرها إلى مستشفى رفيديا، ووصفت حالته بالمستقرة.
وقال رئيس نادي الأسير في نابلس رائد عامر إن قوات خاصة اقتحمت نادي 'سما' الرياضي في إحدى البنايات السكنية في شارع المأمون، واعتقلت الشاب مصطفى أبو ريالة (26 عاما) الذي تدعي أنه مطلوب لها.
ساعات بعد تفجير محتويات منزلنا، عادوا مرة أخرى، وحاصروا منازل في الجهة الشمالية من المدينة التي تتعرض كل ليلة لاقتحامات منذ سنوات طويلة.