حكايات نزوح غزية
محمد أبو فياض
قصّ نازحون في مراكز الإيواء التي انتشرت في مدارس 'الأونروا' في قطاع غزة، بفعل العدوان الإسرائيلي، حكايات نزوحهم خلال الحرب، بعبارات خاصة، عكست بعضاً من معاناتهم.
ونزح عشرات آلاف المواطنين خلال الحرب التي استمرت 51 يوما، دمرت خلالها آلة الحرب الإسرائيلية، آلاف المنازل.
فهذا عصام عبيد، أحد أفراد عائلة عبيد، التي يبلغ تعدادها نحو 500 فرد، أجبروا على إخلاء منزلهم في شارع المنصورة الكائن في حي الشجاعية شرق غزة.
يقول عصام: 'بدأ القصف يوم الأحد الساعة التاسعة والنصف ليلا. وبسبب القصف العنيف، فقد اختبأت إلى جانب 45 فردا من أفراد عائلتي تحت بيت الدرج حتى الساعة السادسة والنصف من صباح اليوم التالي. لقد صرخنا من أجل المساعدة، إلا أن أحدا لم يتمكن من الوصول إلينا، ولا حتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر'.
وتعرض منزل عائلة عصام للقصف مرتين في الوقت الذي كانت العائلة ما تزال داخله. وخوفا من عدم النجاة من مزيد من القصف، قرر عصام وعائلته البدء بالتحرك، حيث يقول عصام في ذلك 'لقد كان من الأفضل أن نخاطر بهذه الفرصة الضئيلة التي يمكن للبعض منا أن ينجو بالفعل بدلا من البقاء وضمان أن نقتل جميعا'.
ويصف عصام تلك الرحلة بأنها بطيئة وصعبة، في الوقت الذي كانت العائلة فيه تحمل رايات بيضاء من قبيل الاحتياط. وتحت القصف العنيف، وصلوا إلى مدرسة الزيتون المختلطة الأولى والثانية التابعة لـ'الأونروا'.
ولدى الحديث عن وصولهم إلى ملجأ 'الأونروا'، يقول عصام: 'في الوقت الذي وصلنا فيه أخيرا إلى المدرسة، شعرنا بأننا أمواتا أحياء. كنا مرهقين وبالكاد أحياء'.
كذلك هو حال قصة فايز مطر، وهو لاجئ فلسطيني يبلغ الثامنة والأربعين من العمر،اضطر هو وزوجته وأطفاله الستة إلى مغادرة منزلهم الكائن في ضاحية عامر في شمال غزة.
ويقول فايز عن ذلك :'في الليلة السابقة لنزوحي، تم قصف المنزل المجاور. لقد شل الخوف أطفالي، وخصوصا عندما بدأت الشظايا تتطاير على منزلنا. ومع صعوبة الحركة في الليل والخوف من القصف، لم يكن لدي ولدى عائلتي من خيار سوى الفرار إلى منزل ابنتي القريب. وقد انتظرنا حتى شروق الشمس ثم انتقلنا لإحدى مدارس الأونروا التي استضافتنا في هذه الأوقات العصيبة'.
ووجد فايز وعائلته الملاذ في مدرسة تابعة للأونروا في مدينة غزة.
أما رائد عبد الكريم عيسى (38 عاما)، فكان يعيش مع حوالي 50 من أفراد عائلته الممتدة في مخيم البريج في وسط قطاع غزة.
رائد فنان ولديه مجموعة كبيرة من الرسومات الجميلة. وسافر أكثر من مرة إلى أوروبا للمشاركة في المعارض وأمضى بعض الوقت في سويسرا وفرنسا.
اليوم رائد وعائلته بأكملها مشردون، وحياتهم مدمرة بعد أن تم إطلاق العديد من القذائف الإسرائيلية باتجاه منزلهم. وتنقلت العائلة عند الأقارب من منزل لآخر.
وبالنسبة لرائد، فإن خسارة منزله مع رسوماته وكل ذكرياته تعد خسارة لا يمكن تعويضها.
'لقد شاهدت حياتي وذكرياتي وتاريخي يتعرضون للتدمير أمام ناظري. بقيت طوال الليل مستيقظا أبحث عن بعض من رسوماتي. بقايا مما كان موجودا، والتي تقبع حاليا تحت الأنقاض. لقد بحثت وبحثت عن ألعاب أطفالي. لقد حاولت بلا طائل أن أقوم بلملمة فتات حياتي. لقد تحطم كل شيء، ولماذا؟ ما هي الجريمة التي اقترفتها لأستحق مثل هذا العقاب القاسي؟' يقول رائد.
أما ريم خليل التي لجأت إلى مدرسة مصطفى حافظ التابعة لـ'الأونروا'، غرب خان يونس جنوب القطاع، برفقة زوجها وأطفالها الخمسة، أصغرهم رضيع في شهره السابع، فلن تنسى ليلة الخميس-الجمعة التي كانت تحمل تاريخ 17-18 تموز/يوليو الماضي.
وروت ما جرى معهم في تلك الليلة في بلدة القرارة شمال خانيونس، حيث أغمي عليها برفقة عائلتها بسبب الغاز الذي أطلقته قوات الاحتلال صوب البلدة في تلك الليلة السوداء، حيث كانت تتعرض البلدة لقذيفة مدفعية كل 12 ثانية.
وبقي الحال طيلة الليلة حتى الفجر، وتمكنت من مغادرة البلدة من خلال سيارة إسعاف، والوصول إلى المدرسة.